ماذا يحدث في ليبيا؟ وكيف سيكون رد فعل مصر؟ لقد هوت ليبيا اليوم في صراع سياسي عنيف بين كتلتين رئيسيتين: البرلمان المعترف به دوليًا الموجود في طبرق، في مقابل البرلمان والإدارة الموجودة في طرابلس. وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية أصبح المتشددون في كل جانب متمسكين على نحو متزايد بالسعي للسلطة والسيطرة على الموارد الرئيسية في البلاد، على حساب الأمن وسيادة القانون. وكانت العواقب الإنسانية وخيمة مع أكثر من 400 قتيل ومئات الآلاف من المشردين. هناك نقص شديد في إمدادات الغذاء والدواء. ومصر، الجارة الأكثر تأثيرًا لليبيا تاريخيًا، قلقة حقًا.

أولًا، بعض المعلومات الأساسية عن تفكك ليبيا. طوال عام 2013، أصبحت الفصائل الإسلامية مسيطرة داخل البرلمان الليبي المنتخب، لتلحق الضرر بالكتلة العلمانية المعارضة. وفي المقاطعات الشرقية، واصلت الجماعات المتطرفة والمجرمون العاديون حملة الاعتداء والترهيب واغتيال المعارضين والضباط السابقين وقوات الأمن. على خلفية تدهور الوضع الأمني، حاول الجنرال خليفة حفتر الإطاحة برئيس الوزراء آنذاك على زيدان في فبراير 2014. وكان حفتر الضابط السابق تحت قيادة معمر القذافي قد انشق في الثمانينات وعاد إلى ليبيا بعد ثورة عام 2011. وقاد هجوما ضد التشكيلات الإسلامية في بنغازي. كان هدفه هو تطهير المدينة، دون تفرقة بين المعتدلين والمسلحين. ردًا على ذلك، تعاون الإسلاميون مع قوات مصراتة لتنظيم هجوم معاكس في طرابلس. احتل الإسلاميون العاصمة وضواحيها. وأجبر ذلك البرلمان المنتخب على الذهاب للمنفى في مدينة طبرق الشرقية.

مساحة المفاوضات بين الحكومتين آخذة في التناقص. تتوسط الأمم المتحدة بين الفصائل المتحاربة، في دبلوماسية مكوكية مكثفة بقيادة الممثل الخاص برناردينو ليون من أجل التوصل لإجماع حول ضرورة وجود حكومة وحدة وطنية للخروج بليبيا من الأزمة الراهنة. التحدي هو التوفيق بين الخطابين المختلفين اللذين يشكلان الوضع. من جهة، يصف برلمان طبرق و"عملية الكرامة" الصراع باعتباره صراعًا بين القوى العلمانية الوطنية المؤيدة للديمقراطية ضد الجهاديين المتطرفين. ومن جهة أخرى، يصف أنصار الفجر في طرابلس الصراع بأنه بين مؤيدي ثورة 17 فبراير وأعداء الثورة الذين يرغبون في إعادة عناصر النظام السابق.

هناك عامل أساسي يعمل لصالح وساطة الأمم المتحدة في مواجهة هذه العقبات، وهو الموقف المتماسك بشكل عام للمجتمع الدولي خلف جهود ليون، والأهم في هذا الموقف هو الدفع بمبدأ عدم تدخل القوى الأجنبية. إن مميزات عدم التدخل لها شقين: أنها تمنع كل فصيل في الصراع الداخلي الليبي من الحصول على دعم عسكري واقتصادي من الجهات الخارجية، وبالتالي، يمكن ذلك العناصر المعتدلة من خلق بيئة أكثر ملاءمة للمفاوضات.

ومع ذلك، فإن العكس هو ما يحدث في ليبيا. أولًا، فإن قطر وتركيا قامت وتقوم بتزويد فصيل طرابلس بالأسلحة والمعدات. وثانيًا، أصبح من الواضح، إضافة إلى الإعلان عن ذلك صراحة من أعضاء "عملية الكرامة"، أن مصر منخرطة بشكل كبير في المساعدة في الجهود ضد الإسلاميين في الشرق، وفي الغرب أيضًا كما تشير الضربات المتواصلة. وهكذا أصبحت ليبيا وكيلًا لصراع أكبر في المنطقة يدور بين التحالف المناهض للإسلاميين ضد الداعمين المفترضين للإسلاميين (تركيا وقطر). يقوِّض هذا الدعم الدولي للفصائل من جهود وساطة الأمم المتحدة. وعلى وجه الخصوص، فإن الدعم الذي تقدمه مصر للجنرال حفتر و"عملية الكرامة" يمنح القوة لهذه القوات التي تريد استمرار الصراع المسلح حتى يتم "تحرير" البلاد بالكامل من أولئك الذين يدركون أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة بل هناك فقط حل تفاوضي.

ومنذ انهيار النظام في ليبيا، كانت مصر الأكثر تضررًا من عدم الاستقرار. يسمح فراغ السلطة للعناصر المتطرفة باختراق الأراضي المصرية والقيام بهجمات ضد قوات الأمن. الإغراء قوي جدًا بالنسبة للدولة المصرية للتدخل في ليبيا مباشرة وتأمين منطقة عازلة على الأقل، ولكنها ربما تمارس أيضًا سيطرة كاملة على مساحة كبيرة من شرق ليبيا بقدر الامكان. ومع ذلك، فإن التدخل العسكري المصري المفتوح لن يعرقل فقط التسوية السلمية في ليبيا، ولكنه سيؤثر أيضًا بالسلب على مصالح مصر.

نشر المقال على موقع المجلس الاطلنطي تحت عنوان "The Libya Conundrum
"،بترجمة مشروع "راقب"