في كتاب "صفحات من مذكّرات نجيب محفوظ" للناقد المصري رجاء النقّاش والذي يحتوي على حوارات مطولة مع الروائي المصري الرّاحل نجيب محفوظ صاحب جائزة نوبل للآداب، تطرّق هذا الأخير إلى العديد من المواضيع التي تخص سيرته الشخصية وتحدّث عن الكثير من الذكريات وناقش عددا كبيرا من المواضيع الفكريّة والثقافية والسياسيّة.

ويعتبر الكتاب واحدا من أهم المراجع التي تناولت سيرة الأديب العالمي حيث كشف الكثير من خفايا شخصيته ومسيرته الأدبية والفكرية.

وتحدّث نجيب محفوظ في هذا الكتاب/الحوار المطول عن الكثير من القضايا والمواضيع وعن الكثير من الشخصيات التاريخية والمعاصرة وعن ذكرياته في الساحتين الثقافية والسياسية المصريّة والعربيّة وعن علاقاته بالعديد الفاعلين السياسيين والثقفيين والمؤثرين في صناعة الأحداث والتاريخ العربي المعاصر، مثل سعد زغلول وجمال عبد الناصر وأنور السادات ومعمّر القذذافي وغيرهم.

وتناول الحوارُ الحديثَ عن مواضيع وأفكار إشكالية وعن ذكرياته ومواقفه من لحظات مفصليّة وهامة من تاريخ مصر والعرب خاصة في ما يتعلق بالسياسة والديمقراطيّة والثّورة والنكسة وموقفه من الحرب ومن "إسرائيل".


** النكسة والموقف من الحرب مع "إسرائيل": 


تطرق نجيب محفوظ في هذه المذكرات إلى النكسة وأسبابها من وجهة نظره، ثمّ تحدّث عن ذكرياته عن فترة ما بعد تلك النكسة في العام 1967 ومحاولة تجاوزها بالقول: "وفي محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وكنوع من التفكير العلمي في مستقبل مصر بعد النكسة تكون التنظيم الطليعي، ودعيت لحضور الاجتماع الأول الذي رأسه يوسف السباعي".

ويضيف بالقول: "في الحقيقة شعرتُ في البداية بالخوف والتوجس من ذلك التنظيم، وخيّل إليّ أنّه تنظيم سري يعمل ضد الحكومة، وقلت لنفسي إنه ربما يكون (تنظيم ضباط أحرار جديدا) برئاسة السباعي، ويهدف إلى قلب نظام الحكم، وسيقودنا -نحن أعضاءه- إلى الهلاك".

ويتابع قائلاً: "فتردّدت في الانضمام إليه، إلى أن اتصل بي السباعي ليدعوني لحضور الاجتماع الأول للتنظيم، فطلبت منه أن يوضح لي حقيقة هذا التنظيم وأهدافه، وحمدت الله أن التنظيم اجتمع مرة واحدة ولم يكررها".

ويواصل صاحب (الثلاثيّة) بالقول: "بعدها دعانا الدكتور ثروة عكاشة لحضور مؤتمر عام يضم قيادات وزارة الثقافة، وحضرته بصفتي مديرا للسينما. وفي ذلك المؤتمر دار حوار مفتوح حول النكسة، وما ينبغي عمله لنخرج منها، والحلول المقترحة لذلك".

وعن مقترحاته في ذلك المؤتمر يقول نجيب محفوظ: "أذكر أنني قلت في المؤتمر أنّ الطريق الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو العودة للديمقراطية والحوار وإطلاق حرية تعدد الأحزاب والآراء، وأن نرضى بالحزب الذي يصل إلى السلطة عن طريق انتخابات حرة نزيهة حتى ولو تفاوض مع إسرائيل. وقلتُ إنّ ما حدث في 5 يونيو لم يكن حربا بين مصر وإسرائيل، بل كان مسرحية دولية كبرى لا قبل لنا بها، وإن لم تنته ستنزف أموالنا وطاقتنا، ونتيجتها الوحيدة هي تخلفنا عن ركب الحضارة والتقدم".


** لقاء العقيد معمّر القذّافي: 


وتابع نجيب محفوظ بالقول: "قُلت هذا الرأي في عهد عبد الناصر حوالي نهاية سنة 1967 أو أوائل سنة 1968، وكررته في عهد السادات أمام العقيد القذافي عندما حضر إلى مبنى (الأهرام) والتقى بالأدباء والمفكّين والكتّاب".

وعن تفاصيل هذا اللقاء مع العقيد الليبي الرّاحل معمّر القذّافي يروي نجيب محفوظ قائلاً (1): 

زارنا القذّافي في (الأهرام) وصافحنا وتناول طعام الغداء معنا، ثم عقد معنا حوارا مفتوحا، طرح علينا في هذا السؤال: ما رأيكم في الموقف الذي تعيشه الآن الأمة العربية بعد أن احتلت إسرائيل الضفة الغربية والجولان والقدس والجولان وسيناء؟ وماهو تصوركم لحل هذه الأزمة؟ 

فرفعت يدي وطلبتُ الكلام من الأستاذ محمد حسنين هيكل الذي كان يدير الحوار، وعندما تكلمت طرحت على الحاضرين -بدوري- سؤالا: هل في إمكاننا الآن أن نحارب إسرائيل؟.

وأجاب أحد الحاضرين وأظنه الأستاذ أحمد عباس صالح الذي أكد أنه ليس بوسعنا الحرب في تلك الظروف، وأن أي حركة سنقوم بها يمكن أن تستغلها إسرائيل في ضرب منشآتنا الحيوية. وعقبتُ على إجابته بالقول: 

-بما أننا لا نستطيع الحرب فلابد أن نسلك الطريق الآخر، طريق التفاوض، أمّا الحالة التي نعيشها والمعروفة باللاسلم واللاحرب فإن التاريخ لم يعرف مثلها من قبل، كما أن نتائجها ضارة جدًا لنا.

علق العقيد القذافي على رأيي قائلا: 

-أنت معذور في أن تقول هذا الكلام لأن تكاسل الرؤساء العرب يدعو إلى خلق هذه الأفكار الانهزامية.

وتدخل الأستاذ هيكل في الحديث محاولا تغيير مجراه، لأنه لاحظ أن الدكتور حسين فوزي الذي تحدث قبلي يؤيد التفاوض، كما كان توفيق الحكيم يتوثب لإعلان رأيه هو الآخر، فأعطى هيكل الكلمة لأشرف مروان زوج ابنة عبد الناصر. وأكد مروان أن الحرب مستمرة. وأعلن رفضه للرأي القائل بوجوب التفاوض، وذكر لنا أن مصر في طريقها للحصول على صفقات أسلحة ستمكنها من دخول المعركة.


(1)- صفحات من مذكرات نجيب محفوظ، رجاء النقاش (ص 233)، دار الشروق.