تطرَق الصحفي الكولومبي دانيال آرميرولا في مقال نشر على الصحيفة الكولومبية الناطقة بالإسبانية  "إيل كولمبيانو إلى استمرار الفوضى في ليبيا رغم مرور ثلاث سنوات على الإطاحة بنظام معمر القذافي.

وذكر أن ليبيا قد أصبحت مقسمة بفعل التناحر المتواصل بين مختلف "الميليشيات" المسلحة من أجل مزيد من السيطرة على الأراضي والنفوذ في بلد غني بالموارد الطاقية، هذا وقد تفاقم الصراع خلال الأشهر الأخيرة، خاصة في ظل انقسام البلد بين سلطتين تتنازعان الشرعية.

 

 ما بعد القذافي؟

وأشار دانيال آرميرولا إلى أنه غداة ثلاث سنوات من رحيل معمر القذافي، تفاقم تدهور الأوضاع في ليبيا جراء استمرار الصراعات السياسية والفوضى، ولكن وفق بعض الخبراء،  تبدو هذه الأوضاع شبيهة بما حدث زمن الثورة الفرنسية سنة 1789، حيث يتوقعون أن يعم السلام والأمن والديمقراطية في البلاد بعد سنوات عديدة، لأنه مسار طبيعي لأي ثورة، نحو تأسيس دولة حديثة ونظام ديمقراطي.

 ووفق مؤسس المركز الثقافي الإسلامي الكولومبي الإمام  جوليان زاباتا، فإن ما يحدث في ليبيا هو بسبب سوء تقديرات الغرب عندما تدخل عسكريا في  19 مارس 2011، وذكر أن وحدة ليبيا ليست في المدن، بل يوجد مركز السلطة في ليبيا في الصحراء أين تتواجد القبائل، والسيطرة على كل من بنغازي وطرابلس لا يعني المسك بزمام السلطة في ليبيا، وهو ما لم يفهمه الغرب، ما تسبب في استمرار الفوضى إلى حد الآن.

 ويعتقد زاباتا أن الإطاحة بنظام القذافي بأية ثمن من قبل القوى الغربية صعَب من عملية إعادة بناء الدولة، حيث فقدت ليبيا وحدتها واستقرارها، خاصة في ظل وجود العديد من العشائر، وتابع أنه رغم حكمه المستبد طيلة 40 سنة، إلا أن البلاد في عهده لم تعرف الفوضى وكانت المنطقة مزدهرة وموحدة ومستقرة، أما الآن فقد تفككت البلاد، ورغم تعاقب خمس حكومات على السلطة، إلا أن العنف ما يزال في تصاعد.

 وأوضح دانيال آرميرولا أن الأستاذ بجامعة خافيريانا للعلاقات الدولية فيكتور كوريا أوغو  يختلف مع وجهة نظر زاباتا، حيث أكد أنه لا  ينبغي مقارنة كيف كانت عليه ليبيا قبل ثلاث سنوات، بل ينبغي مقارنتها كيف كانت قبل 5 سنوات، وكيف هي اليوم من جهة الحرية السياسية والمشاركة في السلطة، فما يحدث في ليبيا الآن أمر طبيعي، حيث  كانت السلطة في يد شخص واحد، وتحولت إلى العديد من الأحزاب والتيارات السياسية، ورغم الصراعات، يعتبر هذا المعطى تقدما، مضيفا أن "القذافي هو السبب الرئيسي في تقسيم شعبه وجيشه، الذي عارض ديكتاتوريه في آخر المطاف."

 

مستقبل

ولفت كاتب المقال إلى أن التوتر الحاصل في ليبيا حاليا غير مسبوق، حيث يتواجد في البلاد برلمانان وحكومتان تتنازعان الشرعية، كما لا يوجد إجماع من قبل المحللين بخصوص مستقبل البلاد وكيفية الخروج من الوضع المعقد الذي تعيشه البلاد اليوم، إذ يؤكد  فيكتور كوريا أوغو أن الثورة الفرنسية استغرقت عديد السنوات حتى تحقق أهدافها، ومن السذاجة أن يعتقد البعض أن الثورة في ليبيا كانت ستحقق مبتغاها وتصبح بلدا متقدما وديمقراطيا مثل السويد في ثلاث سنوات فقط.

وأضاف أن الوضع معقد، لكن الحل لتلك الأزمة يكمن في تشكيل حكومة وفاق وطني تشمل كل الأطراف السياسية باستثناء "الجماعات السلفية"، مشيرا إلى أن البلاد لديها الموارد، كما اكتسبت التجربة في ما يتعلق بإجراء الانتخابات، أضف إلى ذلك أن الشعب وبعد تجربة مريرة مع القذافي،  لن يعيد نظاما ديكتاتوريا إلى البلاد.

 ولكن يبدو أن جوليان زاباتا ليس متفائلا بشأن مستقبل البلاد، حيث أوضح أن ليبيا باتت تخضع لسيطرة "الميليشيات" المسلحة، وخاصة "الجماعات الجهادية"، فالأراضي الليبية أصبحت مجزأة إلى جانب تفشي الفوضى والفقر والاضطهاد، مشيرا في نفس الوقت إلى أن الطرف الوحيد المستفيد من هذا الوضع تبقى "الجماعات الجهادية" التي تريد استغلال الصراع لتكرار سيناريو ما يعرف بـتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام."