انفجار جديد للأوضاع في ليبيا، احتجاجات شعبية متزامنة في عديد المدن تأجّجت الجمعة 1 يوليو 2022، مطالبة أساسا برحيل كل الأجسام السياسية الحاضرة في المشهد الليبي الذي يزداد تأزما وتعقيدا يوما بعد يوم طيلة "عشرية سوداء قاتمة" في تاريخ البلاد. شهدت خلالها كل المؤشرات السياسية والإقتصادية والأمنية، ومقومات العيش الكريم للمواطن الليبي هبوطا حادا إلى أدنى المستويات.

صوت واحد علا في مناطق متفرقة من البلاد، يوما واحدا عقب إعلان مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ستيفاني وليامز عن تعثر الاتفاق بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة خالد المشري على قاعدة دستورية تفضي لانتخابات، يطالب بلفظ كل الأجسام السياسية الحالية الممثلة أساسا في مجلسي النواب والدولة والحكومتين، وتفويض المجلس الأعلى القضاء أو المجلس الرئاسي في حلها جميعا، وإعلان حالة الطوارئ والتعجيل بالانتخابات، وإخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة، ورفض العسكرة وتسلط المليشيات، مع التفعيل الحقيقي لمؤسستي الجيش والشرطة، بالإضافة لحل أزمة الكهرباء الخانقة، وإلغاء مقترح قرار رفع دعم المحروقات، وتعديل حجم وسعر رغيف الخبز.

على امتداد 10 سنوات ومنذ أحداث فبراير التي أطاحت بنظام العقيد الراحل معمر القذافي دخلت ليبيا في دوامة من الفوضى والإرهاب والتدخلات الخارجية وانقسمت البلاد ترابيا ومؤسساتيا وحكوميّا وكثرت الوجوه المتحدثة باسم الشعب الليبي "دون تفويض" رسمي موثق وتتالت الحوارات "الفاشلة" بمخرجاتها التي ظلت حبرا على ورق بينما الوضع في البلاد يزداد سوءا.

هذه المظاهرات التي يقول المحللون أنها لا توحي بانتفاضة فوضوية عفوية خاصّة مع النقاط والمطالب الواضحة التي تم صياغتها ورفعها في شعارات"جيدة الإخراج" و"سترات صفراء" تعبر عن الغضب والنظام في آن، بدأت سلمية وتطورت لحرق للعجلات المطاطية في بعض الأحياء والطرقات وتعطيل حركة المرور وحرق جزء من مجلس النواب وبعض المقرات البلدية.

Des manifestants furieux attaquent le parlement dans l'est de la Libye -  Teknomers Nouvelles

احتجاجات امتدت من طرابلس إلى ومصراتة، وسرت، وبني وليد، وسبها، وطبرق، والبيضاء، وبنغازي، واجدابيا، وغيرهم ، وهتفت بشعارات عديدة أبرزها "مللنا، مللنا، الشعب يريد إسقاط الحكومات، نريد الكهرباء"، سنوات متتالية من "العتمة والإنقطاع المتواصل للكهرباء" ومعاناة مريرة للمواطن الليبي في أبسط وسائل عيشه عجزت حكومتين ومجلسين رئاسي ونواب ومؤسستي نفط وبنكين مركزيين ومؤسسات كثيرة منقسمة عن التوافق وتقديم المصلحة العامة على المصالح الشخصية الضيقة أو حتى إيجاد حل مشترك ينهي معاناة الليبين.

يتصدر مجلسي النواب والدولة المشهد السياسي الليبي ويعتبران إلى حد ما أبرز أسباب احتقانه خاصة وأنهما "سلطتي قرار تشريعي". حيث انتخب مجلس النواب في 2014، لمدّة أربع سنوات للإشراف على الانتقال إلى دستور جديد تصيغه هيئة منتخبة. لكن المجلس التشريعي السابق شكك في هذه الإنتخابات وتمسّك بالسلطة، ورغم الاتفاق السياسي المبرم في 2015 والذي نال بموجبه مجلس النواب اعترافا دوليا باعتباره البرلمان الشرعي، إلا أن جدل الشرعية الشعبية لا يزال قائما إلى يومنا هذا خاصة مع انقضاء مدّة التفويض الأولى.

أما المجلس الأعلى للدولة فهو أول برلمان ليبي مؤقت، انتخب عام 2012، وقد رفض الاعتراف بالمجلس الجديد الذي أفضت عنه انتخابات 2014 وتمسك بالسلطة منذ ذلك الحين. وبموجب الاتفاق السياسي الليبي المبرم عام 2015 يعتبر المجلس الأعلى للدولة الغرفة الثانية الاستشارية للبرلمان ودوره استشاري، وأي تعديلات كبيرة في الدستور أو تشكيل حكومات جديدة تتطلب موافقة المجلسين للحصول على الدعم الدولي.

من الأجسام السياسية الهامة والمؤثرة في المشهد الليبي نجد، إلى جانب المجلسين حكومتين، هما حكومة عبد الحميد الدبيبة وحكومة فتحي باشاغا. أما الأولى فتشكلت على إثر هدنة وقف إطلاق النار بمقتضى اتفاق جنيف وكان من المزمع أن تكون مؤقتة تنتهي ولايتها بتنظيم انتخابات ليبية في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021. لكن حكومة عبد الحميد الدبيبة فشلت بدورها في التقيّد بخارطة الطريق وإيصال البلاد إلى بر الأمان كما لا تزال متشبثة بالسلطة رغم تعيين حكومة جديدة من قبل مجلس النواب الليبي. 

إلى جانبها نجد المجلس الرئاسي الليبي "السلطة التنفيذية" التي تم تشكيلها بموجب بنود الاتفاق السياسي الليبي في 2015 برعاية الأمم المتحدة. وتمت إعادة تشكيله وفق خريطة الطريق في 2020، وتم انتخاب أعضاء المجلس من الأقاليم الليبية الرئيسية الثلاثة في الغرب والشرق والجنوب، لكن المجلس الرئاسي لم يحدث تقدما يذكر في حلحلة الأزمات الليبية المتراكمة، وفق الخبراء والمحللين.

من جانب آخر نجد حكومة فتحي باشاغا التي عيّنها مجلس النواب الليبي، معلنا بذلك أن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة قد  انتهى تفويضها يوم 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021 بعد تأجيل الانتخابات، ما أجّج الإنقسام من جديد بالبلاد وخلق حكومتين متوازيتين خاصة بعد منع باشاغا من دخول طرابلس ومزاولة مهام حكومته ما أعاد البلاد فعليا إلى نقطة الصفر.

وعلى الرغم من أن هذه الأجسام السياسية قد أظهرت تضامنها مع الشباب الليبي المحتج إلا أن المحللين والخبراء يستبعدون إقدامهم عن التنحي عن السلطة استجابة للشعارات المرفوعة. في هذا السياق أصدر المجلس الرئاسي الليبي بيانا، أكد فيه متابعته للأحداث الأخيرة على كامل التراب الليبي، و"أن المجلس في حالة انعقاد مستمر ودائم حتى تتحقق إرادة الليبيين في التغيير وإنتاجِ سلطة منتخبة." مضيفا أنه لن يخيّب آمال وإرادة الشعب في العيش في دولة تنعم بالأمن والاستقرار الدائم." من جانبه أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبد الحميد دبيبة دعمه للمتظاهرين قائلا إنه يوافق على رحيل جميع المؤسسات بما في ذلك الحكومة مشيرا إلى أن الانتخابات هي الحل الوحيد لإنهاء الأزمة في ليبيا.

"خطابات طمأنة سئمها الليبيون" وسط انسداد أفق الحوار والتشاور من أجل المصلحة العامة وحل ليبي ليبي دائم للأزمة وانتخابات نزيهة تفضي إلى حكومة واحد تسيّر البلاد وتنقذ المواطن الليبي من براثن الأزمات الخانقة التي باتت تهدد قوت يومه وحتى حياته في غياب استقرار سياسي واقتصادي وأمني.