الاقتصاد المغرب كباقي اقتصادات العالم تأثر بتداعيات جائحة كوفيد ـ 19، والقطاعات التي انعكست عليها كوفيد ـ19 تضررت  بشكل متفاوت، إلى أن هناك ثلاث قطاعات بشكل مباشر بل منها من توقف بمعدل يتراوح بين 80 في المائة و100 في المائة، ويتعلق الأمر بتلك القطاعات المرتبطة بالخارج، ومن بينها قطاع السياحة ومنظومته المتكونة من المقاهي والمطاعم والتظاهرات الفنية والرياضية إلى غير ذلك، وهناك صناعات السيارات والطائرات التي واجهت نفس المصير حيث كانت في عين عاصفة كورونا، إذ يتطلب تعافيها ما يقارب الثلاث سنوات.

وبخصوص قطاع الطيران، فالمغرب استطاع تكريس مكانته في رادارات الشركات العالمية الكبرى بفضل تطويره لهذا المجال بشكل وازن وبلغ مستوى عال على هذا الصعيد. فالمغرب تمكن من خلق منظومة صناعية تتكون من 3 مراحل، الأولى نجحت في تصنيع الأجزاء البسيطة التي لا تؤثر على سلامة الطائرات بتاتا، كما برز على مستوى المرحلة الثانية المتعلقة بإنتاج أجزاء ولكنها ليست حيوية، وسيرا على هذا التميز نجح المغرب في مرحلة ثالثة من تصنيع أجزاء حيوية ومهمة في هذا القطاع، وهذا أمر رائع، يمكن القول معه أنه أصبح قاب قوسين أو أدنى من تصنيع طائراته.

وبخصوص الأزمة الحالية التي لا زالت تلقي بظلالها على هذا القطاع، فلابد من الاعتراف أنّ مجال صناعة الطيران شهد تراجعا  على مستوى طلبيات الشركات عالميا، وأن هذا المعطى مؤثر ولكن مرحليا فقط، على أساس أن هذه الطلبيات العالمية تغطي مدة 8 سنوات وهو أمر غير مسبوق في هذا السياق. وهذه الطلبيات تبقى قائمة وما على الشركات المتخصصة في المغرب سوى محاولة الحفاظ على توازنها لمدة تقارب السنتين للعودة بقوة لسوق صناعات الطيران، والحفاظ على الرأسمال البشري سيكون حاسما في هذه المرحلة بالنظر إلى تميز اليد العاملة التقنية المغربية في هذه الصناعة.

وارتباطا بموضوع القطاعات المتضررة مباشرة بكوفيد ـ 19، لابد من التعريج إلى صناعة السيارات التي تبقى مرتبطة بالخارج كذلك، أن عودة التعافي ستكون بعد سنة، حيث أنّ 4000 شركة مغربية التي تشكل منظومة صناعة السيارات، ستعود لسابق عهدها على المستوى الإنتاجي، فهناك تأجيل على مستوى الطلب محدود في الزمن وليس هيكليا. وبالنسبة للقطاعات التي صنفناها في الدرجة الثانية من حيث التأثر بجائحة كورونا، هناك شركات التي لا ترتبط بالخارج وتوقفت لمدة 3 أشهر، وهذه القطاعات ستتعافى بشكل تدريجي وأسرع.

أما باقي القطاعات الأخرى فلم تتضرر، بل عكس ذلك أكدت صمودها وتطورها خلال هذه الفترة، ويتعلق الأمر بالقطاع البنكي التي منحت القروض بضمانات الدولة للجهات المتضررة، وهناك صناعات الأدوات الصحية من قبيل الكمامات ومواد التعقيم، إضافة إلى مجال المعلوميات الذي أبان عن نضجه. كما أنّ قطاع الصناعات الغذائية والمركبات التجارية لعبت دورا كبيرا في ضمان ما احتاجه المغاربة خلال فترة كورونا.

وخلاصة القول: إن الاقتصاد المغربي ما بعد كورونا لا يمكنه أن يبقى كما كان قبلها تماما، وهنا تبرز أهمية مراجعة السياسات العمومية حسب الأولويات، والتوجهات المستقبلية من المفروض أن تعطي كامل الأسبقية للقطاع الصحي والعناية بشريحة أطر ومستخدميه والمستشفيات كذلك. وكذلك مجال التعليم مع التركيز على الاقتصاد المعرفي والتحول الرقمي وتقوية التعليم عن بعد الذي أبان عن أهميته ولعب دورا مهما بالنسبة للمتمدرسين خلال فترة كورونا. هذا إلى جانب شرائح أخرى أبانت عن فعاليتها في مثل هذه الظروف من قبيل الشرطة والإعلام والفلاحين الذين ساهموا في ضمن الأمن الغذائي في زمن الجائحة.

ما بعد كورونا تتطلب إيلاء أهمية الاستمرار في تكريس كل ما يلزم من أجل تعزيز متواصل للبعد الاستراتيجي للمغرب في إفريقيا، وتقوية العلاقات مع دول القارة، فالمغرب يقوم بكل ما يلزم لتألق إفريقيا فبالإضافة إلى شراكاته الاقتصادية مع دولها فهو يدرس 10 آلاف طالب، ويقوم بنقل المعرفة إلى هذه البلدان دعما لمسارها التطوري. في حين لا يجب أن نغفل التأكيد على المنحى ذاته مع أوروبا وضمان شراكات الند للند.
*:باحث وكاتب صحافي من المغرب