قوم ألمانيا خلال الفترة الأخيرة بلعب دور الوساطة من أجل وضع حد للأزمة الليبية المتفاقمة، بالتشاور مع الشركاء المنخرطين في الأزمة دوليًّا وإقليميًّا.

وامتنعت عن التدخل في الأزمة الليبية منذ بدايتها عام 2011، حتى إنها قد رفضت التصويت على قرار مجلس الأمن آنذاك الداعي للقيام بعمل عسكري لحماية المدنيين في ليبيا، وهو ما يجعل ألمانيا وسيطًا مقبولًا بدرجة كبيرة من أطراف الصراع وكذلك من أغلب القوى الدولية والإقليمية، بيد أن الرغبة الألمانية تُواجَه بعقبات متعددة قد تحدّ من فاعليتها.

في وقت سابق،قال سفير ألمانيا لدى ليبيا إن بلاده تهدف إلى استضافة مؤتمر حول ليبيا هذا العام بالتعاون مع الأمم المتحدة لمحاولة إرساء الاستقرار في الدولة.

وكشف مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة في الشهر الماضي عن خطط لعقد مؤتمر دولي بشأن ليبيا يضم القوى الأجنبية على الأرض دون أن يحدد مكان الانعقاد.

وقال سفير ألمانيا لدى ليبيا أوليفر أوفكزا على تويتر "بدأت ألمانيا من أجل ذلك عملية تشاور مع أطراف دولية رئيسية، ومع وجود أعمال تحضيرية كافية، قد تقود هذه الجهود إلى حدث دولي مهم هذا الخريف".

واعلنت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" خلال كلمتها أمام البرلمان الأوروبي، في 11 سبتمبر ، أنه في حال عدم استقرار الأوضاع في ليبيا فإن استقرار المنطقة الإفريقية بأسرها سيتزعزع، وأن ألمانيا سوف تقوم بدورها لتجنُّب حرب بالوكالة في ليبيا.

وتعقيبًا على ذلك، فقد أعلن السفير الألماني في ليبيا "أوليفر أوفتشا" أن برلين تبذل جهدًا لتنظيم لقاء دولي حول ليبيا قبل نهاية العام الجاري بهدف إعادة الوضع في هذا البلد إلى استقراره، وأن هناك مشاورات مع الشركاء الدوليين الرئيسيين في هذا الإطار، واستنادًا إلى الجهود الأممية في الأزمة الليبية.

وقد خلّف هذا التوغل الألماني في الملف الليبي ردود فعل مختلفة سواء على المستوى الداخلي أو الدولي.

وتخشى فرنسا وكذلك إيطاليا من الدور الألماني بشكل كبير، خاصةً في ظل تخوفاتٍ من أن تُشكّل مخرجات المؤتمر المزمع عقده أي تداعيات سلبية على مصالحهما في ليبيا، وتسعى باريس إلى محاولة استغلال تشكيل حكومة جديدة في إيطاليا من أجل التوافق حول حلول وسط كفيلة بالحفاظ على الحد الأدنى من مصالحهما في ليبيا، وهو ما يتضح من تصريحات وزير الخارجية الفرنسي "جان إيف لودريان" في 15 سبتمبر الجاري، بأن الحكومة الإيطالية الجديدة تبدو أكثر انفتاحًا وأكثر تصميمًا على إقامة علاقة إيجابية مع فرنسا، وأن باريس مستعدة للحوار، وقد تجلّى ذلك بشكل أوضح في زيارة الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" إلى روما في 18 سبتمبر الجاري بهدف تعزيز التنسيق بين البلدين في بعض الملفات بعد توترات سابقة، ويعتبر الملف الليبي على رأس تلك الملفات في ظل رغبة مشتركة للبلدين متعلقة برفض هيمنة ألمانيا على الملف الليبي.

واعتبر وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو خلال اجتماعه مع نظيره الفرنسي جان إيف لو دريان في نيويورك، مساهمته لتعزيز تماسك قوي للمجتمع الدولي على ضوء المؤتمر حول ليبيا، الذي تنوي ألمانيا تنظيمه في الخريف، فبعد مؤتمري باريس وباليرمو الفاشلين واللذين كرسا التناقضات بين إيطاليا وباريس حينها والصراع بينهما حول الريادة في الملف الليبي، يبدو البلدان هذه المرة متناغمين إما استفادة من دورهما السلبيين في التعاطي مع الأزمة في ليبيا سابقا، أو لتقاطع مصالح قد يكون جوهرها ملف الهجرة غير النظامية.

من جانبه،قال وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو إن التوصل إلى وقف لإطلاق النار في ليبيا يمثل أولوية مطلقة بالنسبة للولايات المتحدة.

وأوضح بومبيو في مؤتمر صحفي مع نظيره الإيطالي لويجي دي مايو، أنه ناقش الأمر مع الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا ورئيس الوزراء جوزيبي كونتي، مشددا على ضرورة الحد من العنف في ليبيا واستمرار العملية السياسة.

وأعرب وزير الخاريجية الأمريكية ، وفق وكالة آكي ،عن أمله في أن يعمل مؤتمر برلين القادم من أجل التهدئة في البلاد، وإقناع جميع الأطراف الفاعلة بالمضي قدما في المسار السياسي، وبأن الحل الوحيد للخروج من الأزمة هو الحل السياسي.

وأكدت الحكومة الإيطالية في السياق نفسه تقارب وجهات نظرها مع واشنطن فيما يتعلق بالحاجة إلى العمل معا لتحديد حل سياسي للأزمة الليبية في أقرب وقت ممكن، مع الاعتراف بعدم استدامة الخيار العسكري، وفق وسائل إعلام إيطالية.

داخليا،ليس خافيا قلق القوى السياسية الليبية المشاركة المنتظرة لقطر وتركيا في مؤتمر برلين باعتبارهما بلدين فاعلين في الملف الليبي. وفي هذا السياق، أوضح عضو المجلس الرئاسي، فتحي المجبري، أن قطر وتركيا متهمتان بدعم الفوضى بشكل مباشر في ليبيا ما يجعلهما طرفين غير محايدين في أي حوار حول الملف الليبي.

وأضاف أن الدعوة الألمانية تختلف عن الدعوات السابقة لكونها ستجمع الأطراف المعنية بالأزمة الليبية وأعضاء المجتمع الدولي.

وأوضح، في تصريحات له، أن معالجة الأثر السلبي للتدخلات في ليبيا ستكون بمثابة الخطوة الأولى على الطريق الصحيحة خاصة أن اتفاق الصخيرات السابق بحث توافق الأطراف الليبية وترك قضية الاختلافات الدولية تجاه الأزمة الليبية، مشيرا إلى أن الآمال تعقد على أن يتوصل مؤتمر برلين إلى منع التدخلات السلبية في الأزمة الليبية.

في سياق متصل،أكدت الوفاق، في بيان نشرته على صفحتها على فيسبوك، أنها تشيد بجهود ألمانيا لعقد مؤتمر دولي يجمع الفصائل الليبية لإيجاد تسوية سياسية وحل سلمي للأزمة في البلد، لكنها تؤكد "ضرورة الالتزام بالاتفاق السياسي الليبي والأجسام المنبثقة عنه كمرجعية سياسية لأي حوار أو اتفاق".

وفي هذا الصدد، اشترطت الوفاق "الوقف الفوري للتعامل مع كافة المؤسسات الموازية".

وأضافت أن "أي حديث عن وقف إطلاق النار يرتبط بانسحاب القوات المعتدية من حيث أتت ودون شروط".

وتابعت: "لم يكن هناك أي اتفاق مبرم في أبو ظبي كما يتم تسويقه، بل كان لقاء تشاوريا بإشراف الأمم المتحدة، في حين كان الاتفاق الوحيد هو ما قد تم في باريس حيث اتفق على إجراء انتخابات بتواريخ محددة، وهذا ما دعمه لقاء باليرمو وما لم يلتزم به الطرف الآخر".

وأشارت إلى أن "الحل السياسي الوحيد يكون من خلال خطة الأمم المتحدة التي تنص على عقد ملتقى وطني جامع، حسب ما كان مقررا في مدينة غدامس في 14 أبريل الماضي، والذي تم تقويضه بالعدوان على طرابلس ومحاولة الانقلاب على الشرعية".

في الجانب المقابل،استبعد الجيش الليبي مشاركة قيادته العامة في المؤتمر. وقال اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، إن وقت الحوار انتهى لأن الميليشيات المسلحة أفسدت العديد من الاتفاقات والتفاهمات التي جرت في القاهرة وأبوظبي وباريس وباليرمو بين القائد العام المشير خليفة حفتر ورئيس المجلس الرئاسي فايز السراج.

وأشار المسماري إلى أن الجيش الليبي يؤمن بأن معركة ليبيا أمنية وليست سياسية أو اقتصادية، مؤكدا أن دول العالم، وخاصة ألمانيا، تعي جيدا أن الحل في ليبيا عسكري وأمني بسبب انتشار مقاتلين وإرهابيين في طرابلس.

فيما اشترطت حكومة الوفاق الليبية، الإثنين، احترام ما سمّته "7 ثوابت أساسية"، قبل الانخراط في الجهود الألمانية لجمع الفصائل المتحاربة في ليبيا خلال مؤتمر برلين المقبل.

ويرى مراقبون، إن الدور الألماني ينطلق من دوافع منطقية متمثلة أساسا في خشية ألمانيا من تزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين الوافدين إليها بشكل كبير.

ويحظى بدرجة قبول كبيرة داخل ليبيا وخارجها، بيد أنه من الصعب التعويل على المؤتمر المزمع عقده في تسوية الأزمة الليبية، خاصةً في ظل انتشار عدد كبير من الميليشيات المسلحة في طرابلس، وهي ميليشيات لا تعترف بأي حل سياسي انطلاقًا من الدعم المالي والعسكري الكبير المُقدّم لها من بعض الدول، ولذا فإن معركة تحرير طرابلس هي معركة محورية بالنسبة للجيش الوطني، ومن الصعب القبول بأي تفاوض قبل إنهائها، ولا سيما مع تزايد المخاوف من استغلال أنقرة لأي هدنة من أجل رفع مستوى تسليح الميليشيات بشكل أكبر، وهو ما يدفع نحو استمرار الصراع الليبي بنفس معطياته الحالية في المرحلة المقبلة.