الخالة "خيرة" امرأة مسنة من أحد أرياف محافظة القيروان التونسية، التي تعد من أفقر المحافظات وأشدها تدنّيا للكثير من الخدمات العمومية خاصة الصحية وقد كشفت الجائحة عن هشاشتها بل وغيابها تماما، داهمها الفيروس اللعين وأثقل كاهل صبرها وانقطعت أمامها السبل مع انقطاع أنفاسها ليتم نقلها على متن "كريطة"،عربة قديمة يجرها حصان "في بلد 3000 سنة حضارة" إلى مستشفى ابن الجزار بالقيروان.

تم تداول صور الخالة خيرة على نطاق واسع حيث أثارت الصورة تعاطف رواد مواقع التواصل الاجتماعي من جانب وسخطهم على السلطات من جانب آخر. وبعد ثلاثة أيام من معاناتها مع فيروس كورونا الذي زادت الخصاصة من حدّته  توفيت اليوم بسبب النقص في التجهيزات وفي الاطارات الطبية و شبه الطبية. إذا لم يتم إلى حد الآن استغلال  التجهيزات التي تم التبرع بها للمستشفى حسب ما أكده ناشطون في المجتمع المدني.

الخالة "خيرة" عينة صغيرة من ضحايا الفساد والأزمات والصراعات التي تستشري في البلاد التونسية منذ سنوات، فحتى" ثورة الياسمين" لم تحمل للمواطن المكلوم سوى مزيدا من المعاناة والفقر والتدهور العام الاقتصادي والاجتماعي والصحي والمعيشي. ليرزخ المواطن التونسي تحت ثقلها ويدفع الثمن باهضا خاصة منذ 2011 وما شهدته البلاد من غلاء وتراجع حاد لكل مؤشرات النمو أمام ارتفاع البطالة وتقهقر الطبقات الاجتماعية إضافة إلى تدهور دخل الفرد الذي لايتجاوز 305 دولار، حسب آخر الإحصائيات.

كشف فيروس كورونا الضعف والهشاشة الفادحتين للقطاع الصحي في البلاد التونسية عامة وفي محافظة القيروان خاصة، حيث تعيش المنظومة الصحية بالقيروان هذه الأيام مرحلة عصيبة على مستوى التكفل بالمرضى أو حتى في تحويلهم لولايات مجاورة، حيث يعود ذلك إلى نقص فادح في الموارد والتجهيزات بل وغيابهاالتام، من أجهزة التخدير والإنعاش وطب الاختصاص وصولا إلى سيارات الإسعاف.

وفي هذا الصدد أكدت الدكتورة حنان الحليوي طبيبة مباشرة في المستشفى الميداني الذي تم تركيزه مؤخرا بطلب من رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، أنهم يعيشون صعوبات جمة فيما يتعلق بتحويل المرضى نظرا للنقص الفادح في سيارات الإسعاف خاصة صنف 1 وحدات الإنعاش والتخدير المتنقلة المجهزة بالاكسيجين والمخصصة لإنعاش المرضى.

و يؤكد الأطباء أن الحل الوحيد لتجاوز الأزمة الوبائية الخطيرة والخانقة بمحافظة القيروان هي بمزيد تزويد المحافظة بسيارات الإنعاش  والتخدير حتى يتم تركيز قاعة عمليات خاصة بالولاية .وتعاني القيروان أيضا من نقص فادح في أطباء الاختصاص حيث تم تحويل أطباء وممرضين غير مختصين وتسخيرهم للعمل في أقسام الكوفيد للعناية بالمرضى.

و سجلت محافظة القيروان،اليوم، حسب آخر إحصائيات مصالح الصحة التونسية 19حالة وفاة من جملة 105حالة وفاة بالبلاد ،و595 إصابة جديدة بفيروس كورونا من جملة 2345 إصابة جملية مسجلة خلال الساعات الـ24 الأخيرة بتونس.

وأعلن المدير الجهوي للصحة بالقيروان، محمد رويس خلال لقاء صحفي عقده مساء اليوم الثلاثاء، أن نسبة إيجابية التحاليل "ما تزال مرتفعة"، كما أن نسبة الإيواء بالمستشفيات بلغت طاقتها القصوى بـ280 سريرا، 69 مريضا بالمستشفى الميداني و9 بقسم الإنعاش بمستشفى ابن الجزار و13 بالمستشفى العسكري الميداني، لافتا إلى أنه تم تحويل 8 مرضى لمستشفيات ولايات أخرى.

من جهة اخرى أشار المدير الجهوي للصحة بالقيروان إلى أن الحالة الصحية للأطفال والرضع المصابين بالكوفيد في تحسن، وأنه لم يتم تسجيل إصابات وحالات وفاة جديدة في صفوفهم. مفيدا بأن وزارة الصحة ستمكن الجهة من تجهيزات إضافية، من بينها 6 أسرة انعاش وغيرها، سيقع وضعها على ذمة المستشفى العسكري الميداني، وذلك بعد بلوغه الطاقة القصوى، وهي 14 سريرا.

من جانبه، بين مدير الصحة الوقائية بالإدارة الجهوية للصحة بالقيروان، عمارة الجملي، أنه تم إلى حد الآن استدعاء 40777 شخصا لتلقي جرعة التلقيح، وتم تلقيح 37144 شخصا منهم، كما وقع تلقيح 5534 شخصا ممن يفوق سنهم 60، وذلك في اطار الحملات المتنقلة، مضيفا أن 10044 شخصا لم يتلقوا جرعة التلقيح بسبب موانع صحية لديهم، فيما تلقى 11269 شخصا جرعتي التلقيح الأولى والثانية.

من جهة أخرى لاتزال الحالات الوافدة على مستشفى ابن الجزار"اليتيم" في محافظة ممتدة الأطراف في ارتفاع، و تدخلات الحماية المدنية متواصلة حيث  تدخل أعوان الحماية المدنية مساء اليوم لنقل 4 أفراد من عائلة واحدة بينهم رضيع مصابون بكورونا بإحدى المناطق الريفية الوعرة بمحافظة القيروان. وقد تدخل فريق من الحماية المدنية وقاموا بنقل المصابين الى المستشفى استجابة لطلب تدخل عاجل وعجز العائلة عن التوجه إلى المستشفى.

وقد إنطلقت بعد ظهر اليوم الثلاثاء، أشغال تهيئة الأرض المجاورة للمستشفى العسكري الميداني الأول، الذي أمر الرئيس التونسي بتركيزه خلال الأسبوع الماضي، قصد تركيز مستشفى عسكري ميداني ثان يمتد على مساحة 800 متر مربع.

وأفاد معتمد القيروان الشمالية في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية، ان هذه الأشغال التي انطلقت بالتعاون مع بلدية القيروان والمؤسسة العسكرية لتهيئة هذه الأرض وبسطها قصد الانطلاق فورا في تركيز خيمة ضخمة طولها 80 مترا وعرضها 10 أمتار ستعاضد مجهودات المستشفى الميداني الأول الذي انطلق منذ يوم أمس الاثنين في استقبال مرضى كوفيد. واوضح انه سيتم تركيز مختبر بيولوجي وآلة تصوير بالاشعة من قبل ادارة الصحة العسكرية بهذا المستشفى الذي يحتوي على مكوّنات اخرى سيتم تحديدها لاحقا إثر الانتهاء من أشغال تركيز هذا المستشفى في ظرف يوم او يومين على اقصى تقدير.

 وتناول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورا كثيرة لمعاناة الأهالي مع كارثتي الوباء وغياب بنية صحية ملائمة تنقذهم من فتك الوباء، مشاهد إنسانية مؤلمة انتشرت في المواقع الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي رسمت بوضوح معاناة لا تستطيع الكلمات التعبير عنها، الكل في محافطة القيروان يعاني فداحة الوضع، كما انتشرت صورة دفن الموتى التي باتت تتم ليلا أمام ارتفاع عدد الوفيات التي لم يكفي النهار لدفنهم جميعا.

مشهد آخر مفزع تجسد في فيديو لممرضة بمستشفى ابن الجزار بالقيروان تطلق صيحة فزع بسبب الوضع الكارثي الذي تعيشه الجهة خاصة في ظل غياب كل سبل مجابهته وظهرت الممرضة متأثرة تبكي وتصيح" رائحة الموت في كل مكان..الناس تفغم وتموت وهوما يقولو الوضع تحت السيطرة" وتحدثت الممرضة باكية عن مواكبتها لموت المرضى في غياب الأكسجين والموارد اللازمة وهي تراقبهم دون القدرة على مساعدتهم.

تتواصل المآسي في محافظة القيروان وتتعدّد أوجه المعاناة وصور الألم في حضور محتشم لسلطة الإشراف التي تدخلت بعد أن تفاقم الوضع وتعقّد. ويرجع خبراء الصحة تأزم الوضع في تونس إلى ضعف الإجراءات المتخذة وضعف وتيرة التلقيح ذلك عدا عن هشاشة البنية التحتية الصحية بتونس أساسا.