حوادث السير بالمغرب أصبحت كابوساً يراود كل من ينزل على الشارع في أي مكان لا سيما في المدن الكبيرة، وتكاد لا تمر ساعة بل دقيقة إلا ويصاحبها حادث من الحوادث المؤلمة يكون ضحيته أفراد بل أسر، وفي هذا السياق فقد تم تسجيل 2774 قتيل نتيجة حوادث السير سنة 2020 في مقابل 3384 سنة 2019 (عدد القتلى خارج المجال الحضري تقلص بـ362، فيما تقلص داخل المجال الحضري بـ248)، ويعزى هذا الانخفاض أساسا إلى التراجع الذي سجل خلال الأشهر الستة الأولى من سنة 2020، والتي تزامنت مع فترة الحجر الصحي العام في إطار التدابير الاحترازية المتخذة من طرف السلطات المختصة للتصدي لجائحة كورونا.


والسؤال الذي يقفز دون استئذان: لماذا هذه الحوادث؟ وما هي الأسباب؟ وما هي السبل الكفيلة من التقليل منها؟ وأسئلة أخرى تطرح نفسها تطالب كل لبيب أن يسأل نفسه عنها قبل أن ينزل في الشارع بل قبل أن يركب مركبته وقبل أن يتحرك لعله يعي ما له وما عليه في مسيره على هذا الطريق أو ذاك ويعرف مدى المسؤولية الملقاة على عاتقه وهو يقود مركبته وما هو مطلوب منه تجاه نفسه ومن يحملهم معه ومن يسير في الشارع معه فإذا ما انتبه إلى هذه النقاط فإنه سوف يحسب ألف حساب عندما يحرك مركبته على الشارع ومن خلال هذا الوعي سيتجنب كثيراً من المسببات التي تؤدي إلى إيذاء النفس وإلى إيذاء الآخرين.


نجزم بأن الحوادث المرورية لا تقع من فراغ، بل لها أسباب عديدة، ولا أحد ينكر دور الحكومة في الحد من نسبة الحوادث، فبالرغم من وضع رادارات السرعة، إلا أن الحوادث في ارتفاع سنوياً، حيث تشكل هذه الحوادث كارثة إجتماعية واقتصادية، بما تسببه من وفيات وإصابات وإهدار في الممتلكات العامة والخاصة، وعندما نسمع كلمة (حادث) نسترجع شريط الأحباب الذين فقدناهم بسبب حوادث السير، فلا يكاد يخلو بيت إلا وفقد عزيزاً وغالياً بسبب حوادث المرور، ومع الأسف أن تكون الأسباب الرئيسية لهذه المشكلة هو العنصر البشري من خلال إساءة استخدام الطريق، وعدم الإلتزام بالقواعد المرورية، والإهمال لا سيما من فئة الشباب، مما يتسبب بخسائر باهظة في الأرواح. بالإضافة إلى الخسائر الإقتصادية والمعنوية والإعاقات المستديمة وربما هناك أسباب متعددة لهذه (المجازر).



وبيّنت إحدى الدراسات أنه عند سؤال سائقي المركبات عن السبب الرئيسي لارتكابهم الحادث المروري، فكانت إجابتهم موزعة في تجاوز الإشارة الضوئية، وزيادة السرعة فوق المعدل، وعدم ترك مسافة كافية بين مركبته والمركبة الأخرى، وتعاطي الكحول أوالمخدرات، والانشغال بالهاتف النقال، والضغوط النفسية والمشكلات الأسرية، وعدم التقيد بمسار واحد أثناء القيادة في الطريق، والاستهتار والرعونة، وعدم المحافظة على شروط الأمن والسلامة في المركبة، وعدم مراعاة حقوق المارة والمشاة، وقلة الخبرة وضعف مستوى القيادة، وعوامل الطقس.


والمتتبع للآثار الاجتماعية للحوادث المرورية بالمغرب، يجد أنها بدأت تغزو العديد من الأسر، فهناك الآلاف من المصابين والمعاقين والوفيات بسبب هذه الحوادث، كما أن الأمر لم يعد متعلقاً ببعض سائقي المركبات المتهورين، بل تعداه ليصل إلى سائقي الدراجات النارية وغيرها من الوسائل الخطرة التي لا يراعي سائقوها أدنى حدود السلامة المرورية، ويتسببون بالآلام والمآسي للأفراد والأسر التي باتت تعاني من فقد أحد أفرادها أو المعاناة من جراء الإعاقة التي لحقت به، وكذلك فقدان الأسرة والمجتمع لفرد منتج، وتلخص الآثار الاجتماعية لما بعد الحوادث المرورية مثل انقطاع الدخل، وضعف القدرة على الأداء والعمل، وفقد رب الأسرة بالوفاة أو الإعاقة والعجز الدائم، والاختلال في التركيبة الاجتماعية داخل الأسرة، وانحراف الأبناء وضعف تربيتهم. 


يشير خبراء السلامة والوقاية من الحوادث إلى الحلول التي تسهم في التخفيف من الحوادث المرورية مثل إدراج مفاهيم التربية المرورية في مناهج التعليم في المدارس، وتفعيل حملات التوعية المرورية والطرقية وتكثيفها والتأكد من التقيد بها وتطبيقها من قبل الجميع، وتحتاج الصحة والعافية لمنظومة متكاملة من الجوانب البدنية والنفسية والاجتماعية، فإذا أردنا الوقاية من المخاطر النفسية والاجتماعية للحادث المروري فعلينا أن نهتم بالجوانب البدنية والاجتماعية والنفسية وذلك بإتباع طريقة صحيحة للحياة اليومية، وإن من أهم أساليب وطرق الوقاية من الحوادث المرورية تتمثل في وضع البرامج التدريبية الخاصة لتوعية المواطنين، والتأكيد على احترام الجميع للقانون وأنظمة المرور، وإعداد الحملات الإعلامية المرورية وإقامة المعارض بوقت واحد وبشكل متواصل، والحزم في تطبيق القانون ضد المخالفين المستهترين بالشوارع العامة، وتعليم وتدريب الأبناء منذ المراحل التعليمية المتقدمة على احترام القانون وبخاصة فيما يتعلق باستعمال الطريق وفهم قواعد السلامة المرورية لأن المرور جزء من حياة الفرد اليومية وحتى ننمي سلوكيات حميدة تساعدهم على الوقاية من الحوادث، وأيضاً وضع علامات تحذيرية وإرشادية على مسافات كافية في المناطق التي تتكرر فيها الحوادث وبخاصة على الطرق السريعة والطويلة، وفي النهاية دعوة لتضافر الجهود للحد من هذا النزيف بقدر الإمكان، والحفاظ على شبابنا ليكون قادراً على الإسهام الإيجابي في جهود التنمية الوطنية في كل المجالات.