صدرت عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» في بيروت، للكاتب الليبي سالم الهنداوي رواية «ليل بيزنطي»، التي كان الكاتب بدأ فصولها في جزيرة قبرص عام 1998، ولم تصدر آنذاك بسبب المنع والمصادرة في عدد من البلاد العربية.

بلغتها الساخرة وبأجوائها "القاهرية" تنتقد الرواية حالاتٍ وصوراً واقعية من حياة المدينة وعمقها السُفلي، وتكشف عن فساد السلطة وسقوط الكثير من القيم السياسية والأخلاقية في العالم العربي.

يقول سالم الهنداوي عن «ليل بيزنطي» إنها «سيرة حياة الناس»، حيث نقرأ سيرة البلاد التي أهملت جوانبها الرواية السياسية العربية.

ويفاجئنا الكاتب بهذا العمل الجريء الذي كان تناول أخطر القضايا حساسية على النظام العربي الرسمي قبل أحداث ما سُمي بالربيع العربي.

وأوضح سالم الهنداوي في حديث سابق: «إنها عمل سردي من صميم مشاهد البؤس الاجتماعي في الواقع السياسي الذي أنتجته الأنظمة العربية عبر مختلف مراحلها التاريخية».. ويضيف الكاتب: «لقد أفرز النظام السياسي العربي حالة فساد مستعصية طالت مستوى التفكير الجمعي، حيث سقط الناس طواعية في بؤسهم وعجزهم عن فعل أيما مبادرة جماعية وطنية تؤكد من وجودهم ومن فعلهم في الحياة السياسية».

ويقول سالم الهنداوي على لسان إحدى الشخصيات المحورية في الرواية: أن «القبيلة في البلاد العربية ليست مُنتجة للأخلاق الحميدة، بل إنها كانت عبر التاريخ تُنتج الأخلاق الفاسدة، فمنها جاءت الطائفية، ومنها جاءت الأحزاب والبرلمانات والحكومات، ومنها أيضاً نشبت المعارك واندلعت الحروب، ومن الإبل، مفخرة البادية، كانت ناقة البسوس في الجاهلية، وكانت واقعة الجمل في مطلع الإسلام، وما المعارك السياسية التي تزخر بها البلاد العربية، اليوم، إلاَّ نتاج لثقافة داحس والغبراء المتأصلة في هذه القيم التاريخية».

ويضيف الكاتب: «إن القبيلة في الرواية هي ذاتها منبع الفكرة التي سادت عنوة في المدينة وهيمنت بمفهوم سيِّد القوم، حيث سيطرت القبضة العشائرية على المدينة، وتم في أتون هذه السيطرة، احتكار السياسة واحتكار السلطة.. وتوجيه الحُكم بفكرة القبيلة وبتأثير الاعتقاد بمفهوم سيِّد القوم".

ويقدِّم الروائي سالم الهنداوي مشروعه السردي برؤية استوعبت تناقضات الحالة العربية الراهنة، وباعتماده على اللغة الساخرة في تجسيد عالمه الروائي الذي بناه في مدينة "القاهرة" بشخوصها الشعبية وحالاتها العميقة، استطاع الكاتب الاقتراب من محرّمات السلطة السياسية والأمنية ورؤيتهما معاً في مكافحة التطرُّف والإرهاب.

كما أن الرواية التي تشعبت فصولها في حياة المدينة وعمقها السفلي، استطاعت بلغتها الساخرة وإسقاطاتها وانتقاداتها الجريئة، كشف المسكوت عنه في حياة المدينة، ممّا يجعلها بحق، قيمة روائية عالية تُضاف لمسيرة الرواية السياسية والاجتماعية التي كانت تراجعت في وقتٍ سابق نتيجة المنع والمصادرة العلنية باسم الدين والسياسة.