منذ العام 2011،تحولت ليبيا إلى بلد ممزق تتقاذفه الانقسامات والصراعات وتنتشر فيه التشكيلات المسلحة والتنظيمات الارهابية والتي أدخلت البلاد في دوامة عنف سالت جراءها أنهار من دماء أبناء ليبيا، فضلا عن أزمة سياسية حادة تغذيها الخلافات الداخلية بين الاطراف التي تتنازع السلطة،حيث تقف العوائق السياسية في طريق المصالحة وإنقاذ البلاد من الانهيار.

ومع تواصل تعثر المحاولات الأممية والمساعي الإقليمية والدولية لحل الأزمة في ليبيا،وإستمرار مسلسل الإنقسامات وغياب سلطة الدولة الموحدة،تتأزم الأوضاع في البلاد في ظل إستمرار الصراعات بين الأطراف الليبية والتي تنذر بدخول البلاد في منعطف خطير نحو مزيد من الحرب والفوضى المستمرة منذ سبع سنوات.

صراع قبلي

إلى ذلك،تصاعدت مؤخرا حدة التوتر في منطقة الجبل الغربي في ليبيا بين قبيلتي الزنتان والمشاشية،حيث تسارعت عمليات الإختطاف والاعتقال التعسفي المتبادلة بين الطرفين.وطالت هذه العمليات أطفالا أيضا،ووصلت إلى 30 مختطفا،بحسب اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا،التي أشارت إلى أن الاختطافات "تتم على أساس الهوية الاجتماعية، منذ ما يزيد عن شهر ولا زالت مستمرة".

وبحسب بيان اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، فإن الأزمة بين القبيلتين "بدأت بعد توقيف قوات أمنية في الزنتان أحد أبناء قبيلة المشاشية، ولم يتم الإفراج عنه رغم الوساطات والمفاوضات، ما دفع أهالي المحتجَز إلى إقامة نقاط تفتيش احتجز على إثرها عدد من أهالي الزنتان بهدف استبدالهم بالمحتجز من قبيلة المشاشية، إلا أن الزنتان ردت بإقامة نقاط تفتيش أخرى واستوقفت البعض من أبناء المشاشية واحتجزتهم لديها".

وتقيم قوات الزنتان نقاط التفتيش الخاصة بها في منطقة طبقة والقريات بالجنوب الليبي، حيث يتم توقيف المارة على الطرق الرئيسية والإطلاع على هوياتهم، وإنزال من ينتمون للزنتان.أما في منطقة مزدة والشقيقة الواقعتان على بعد 180 من طرابلس باتجاه الجنوب، فتقيم قبيلة المشاشية نقاطها الخاصة، حيث تقوم بتفتيش المارة من الطرق واحتجاز من ينتمي للزنتان، وهو الأمر الذي أدى إلى حالة من الرعب وعدم سفر المواطنين عبر هذه المناطق.

دعوات للتهدئة

ومع تصاعد التوترات في منطقة الجبل الغربي،قامت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بمطالبة حكماء وأعيان المشاشية والزنتان والمجالس البلدية لمدن الزنتان ومزدة والشقيقة بتدخل عاجل للوقف الفوري لعمليات الاختطاف والاعتقال التعسفي على الهوية الاجتماعية، وإطلاق سراح جميع المحتجزين والمختطفين.

وأعربت اللجنة في بيانلها،عن قلقها إزاء استمرار عمليات الاختطاف المتبادل بين المدن، داعية إلى حل جميع الخلافات والإشكاليات العاقلة فيما بينهم للسلطات القضائية المختصة للفصل فيها بما يرضي جميع الأطراف، معتبرةً عمليات الاختطاف والاعتقال التعسفي عملاً إجرامياً يحاسب عليه القانون و يزيد من حدة التصعيد وإشعال فتيل التوتر بين المدن الليبية وفق البيان.

كما دعت اللجنة، مجالس الحكماء والأعيان والمصالحة الوطنية إلى التدخل لرأب الصدع وتهدئة الأوضاع والحيلولة دون تصاعد الأوضاع فيما بين القبيلتين والحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعي والأمن والاستقرار الوطني بالمنطقة حسب البيان.

وبدوره،توجه آمر كتيبة أبوبكر الصديق سابقاً العقيد العجمي العتيري،الاثنين 16 يوليو 2018، برسالة إلى قبائل الزنتان والمشاشية،في تدوينة عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الإجتماعي "فيس بوك"،قال فيها إن ماحدث وما يحدث اليوم بين القبيلتين يعد من عمل الشيطان ويهدف إلى بث العداوة والبغضاء لسفك الدماء وإنتهاك الحرمات.

وأعرب العتيري،عن أمله بأن يتم تحكيم صوت العقل والحكمة من قبل المصلحين والخيرين وأهل البر والإحسان من القبيلتين والعمل على حل المشاكل العالقة فيما بينهم، مطالباً بنزع فتيل الشيطان ونصرة المظلوم ورد الظالم.مطالبا بإرجاع المختطفين إلى أهاليهم ورد الظالمين إلى رشدهم قائلاً :"نحن إخوة وأصدقاء وأحباب وجيران وبدو وهذه الأعمال ليس من أخلاقنا ولا من شيمنا يا أهلنا ويا إخوتنا".

كما دعا العتيري،لجنة دعم المديريات "200" إلى إعادة النظر في الأشخاص المقبوض عليهم لديهم في حال كان الشخص المقبوض سبب   مشاكل وخلاف بين القبيلتين في موضوع ما إما أن يتم تسليمه إلى مركز شرطة مزدة أو الشقيقة أو إطلاق صراحه تفادياً لزيادة المشاكل حتى وإن كان مذنباً أو ترك أمره للدولة عندما تنهض ويصبح فيها قوانين وسيطرة يتساوى أمامها الجميع، لافتاً إلى أن ما يحدث الآن ما هو إلا زيادة في إشعال الفتنة.

صراع قديم

ويشير الكثيرون إلى أن الصراع بين الطرفين  ليس وليد اليوم،فبحسب أحد سكان منطقة الجبل الغربي، الذي رفض ذكر أسمه،في تصريحات لـ سبوتنيك، إن هذا الأمر أصبح عاديا بالنسبة للمنطقة، التي عاشت العدد من الأحداث الدامية بينن الجانبين منذ سنوات عدة.ويضيف أن المواطنين من أهالي المنطقتين يخشون المرور من المناطق، التي تقع تحت سيطرة الجانب الأخر، أو التي يشك بأن أحد الجانبين يقيم فيها نقطة تفتيشية، خاصة في ظل غياب السيطرة الأمنية.

ونقلت وكالة "سبوتنيك" عن أحمد حمزة، مقرر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان،قوله أن تاريخ الدم بين الجانبين يعود إلى عشرات السنين، إلا أن الأحداث الأبرز كانت بعد عام 2011، في 06 ديسمبر/كانون الأول، وهي معركة كبير ة دارت بين الجانبين على إثر اصطفاف الزنتان إلى معسكر "الثوار" وقتها، واصطفاف قبيلة المشاشية إلى معسكر النظام.فيما وقعت الاشتباكات الثانية في 12 يونيو/حزيران 2012، بين الجانبين وراح ضحية الأحداث الأولى والثانية نحو 450 شخصا من  الجانبين.

المصالحة

وتتسارع وتيرة التحركات من أطراف ليبية لتطويق الأحداث والوصول إلى تسوية.وفي هذا السياق،قال محمد المبشر، رئيس مجلس أعيان ليبيا،لوكالة "سبوتنيك"، إن هناك مساعي متواصلة من أعيان الجبل الغربي لحل الأزمة، وأن الأمور يمكن أن تحل خلال وقت قريب، نظرا للجهد المتواصل من أجل عدم خروج الأوضاع عن السيطرة.

وكان عضو مجلس حكماء وأعيان المشاشية المبروك العجيب،قال إن جهود المصالحة بينهم وبين الزنتان لا تزال مستمرة .وأكد العجيب لقناة "النبأ"،الأحد،أن قبائل من المنطقة الجنوبية تتدخل بين القبيلتين كوسيط حيث تعقد اجتماعات مع كل طرف على حدة لصياغة بنود اتفاق صلح جامع وفق قوله.

وكانت قبيلة المشاشية قد وقعت والزنتان في مايو الماضي اتفاق صلح بمنطقة الأصابعة بوساطة من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. إلا أنه عاد مجددا في يونيو/حزيران 2018، بعد واقعة احتجاز لأحد أبناء قبيلة المشاشية لدى قوة أمنية في الزنتان.

وفي ظل الانقسام المؤسسي والسياسي والمجتمعي، وتردي الأوضاع الأمنية في البلاد، يبقى الأمل معلقا على عاتق القبائل الليبية لإيجاد التوازن السياسي وجلب الاستقرار حيث يمكن للقبائل أن تساهم في المصالحة من خلال دورها الفريد في الحفاظ على الأمن في البلاد.وتعتبر المصالحة الوطنية الشاملة في ليبيا حلما يراود جميع الليبيين، ولكن مراقبين يؤكدون أن استمرار مسلسل الإختطاف والإعتقال التعسفي،على أسس قبلية من شأنها إجهاض كل محاولات المصالحة.