تمكنت التنظيمات الارهابية،من إستغلال تردي الأوضاع الأمنية في الدول الافريقية،فضلاً عن ضعف الرقابة على الحدود نتيجة لحالة الترهل والضعف الأمني الذي تعانيه تلك الدول وعدم القدرة على تأمين حدودها وهو ما سمح لتلك الجماعات بالتنقل من بلد لآخر بمنتهى السهولة،وتوسيع نشاطاتها عبر شن هجمات إرهابية متفرقة.

ولا تزال حدود ليبيا غير مضبوطة إلى حد كبير، كما يشكّل تأمين الأطراف أحد أكبر التحدّيات التي تواجهها البلاد،ويتيح ضعف مراقبة الحدود لأسواق السلاح والبشر والمخدرات أن تزدهر، إلى جانب عمليات الاتجار غير المشروع اليومية بالوقود والبضائع، مع مايترتّب على ذلك من عواقب وخيمة على المنطقة ككل.

تنسيق رباعي

وتدفع هذه المخاطر،بالسلطات الليبية إلى التحرك في محاولة لتأمين أراضيها،وفي هذا السياق،يشارك وزير الداخلية المفوض بحكومة الوفاق عبد السلام عاشور، ووزير الخارجية محمد سيالة،في الاجتماع الوزاري الثالث حول تعزيز التعاون في مجال أمن ومراقبة الحدود المشتركة بين ليبيا والنيجر والسودان وتشاد،الذي إنطلق،الأربعاء 08 أغسطس 2018، بالعاصمة السودانية الخرطوم.

ويهدف هذا الاجتماع إلى تعزيز التعاون الأمني وبناء شراكات أمنية بين البلدان الأربعة، لتوحيد جهودها في تأمين حدودها المشتركة، ومكافحة الإرهاب والحركات السالبة والاتجار بالبشر وتجارة المخدرات والجرائم العابرة للحدود، إضافة إلى مشروعات تنمية المناطق الحدودية .والتعاون ورعاية مصالح الشعوب في تحقيق الأمن والاستقرار، لتمهيد الطريق للتعاون في مجالات التنمية. 

وتنشط على الحدود المشتركة بين الدول الأربع عصابات تهريب، منها ما يختص في تهريب البشر وأخرى في السلاح، إضافة إلى عصابات تهريب الوقود المدعوم من ليبيا إلى دول أخرى.

وكانت وزارة الخارجية في حكومة الوفاق الوطني الليبية،قد أعلنت في يونيو الماضي، توقيع الوزير محمد سيالة اتفاقاً رباعياً في العاصمة التشادية بين ليبيا والسودان والنيجر وتشاد، لمراقبة وضبط الحدود، بجانب تعزيز التعاون في مجال أمن ومراقبة الحدود المشتركة بين الدول الأربع.

وأكد سيالة،بحسب بيان الخارجية، أن الاتفاقية فاتحة خير وإثراء للعلاقات المميزة بين الدول الأربع، مع حرص ليبيا على دعم كافة الجهود لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود والتهريب بشتى أنواعه والهجرة غير الشرعية والمرتزقة ومكافحة تهريب السلاح، بالإضافة إلى السلع المختلفة والمشتقات البترولية المدعومة من مقدرات الشعب الليبي.

الإتحاد الأوروبي

وتعتمد حكومة الوفاق الليبية على مساعدة الإتحاد الأوروبي الذي يعتبر أكبر مانح للمساعدات الإنسانية في ليبيا وأكبر مساهم في البرامج التي تديرها الأمم المتحدة في البلاد، كما يعتبر أكبر شركائها الاقتصاديين،في مسألة تأمين الحدود.

وفي يوليو الماضي، أجرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني،محادثات في ليبيا تناولت الهجرة والتعاون في زيارة بمناسبة تدشين مقري بعثة الاتحاد الأوروبي والبعثة الأوروبية لمراقبة الحدود (يوبام).وأعلنت حكومة الوفاق الوطني،أن المحادثات تناولت دعم الاتحاد الأوروبي لإنشاء قوات خفر سواحل ليبية وتأمين الحدود الجنوبية لليبيا.

وبدوره أعلن الاتحاد الأوروبي أن موغيريني بحثت مع رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج، "إنشاء الاتحاد الأوروبي قوات خفر سواحل ليبية والتعاون عبر البعثة الأوروبية لمراقبة الحدود لمساعدة السلطات على تولي إدارة الحدود البرية وبخاصة في الجنوب.

وسبق ذلك،زيارة رئيس البرلمان الأوروبي انطونيو تاجاني،لليبيا التي أعلن خلالها أنه بحث مع فايز السراج أهمية مراقبة الحدود الليبية الجنوبية بهدف الحد من تدفق المهاجرين الذين يعتمدون ليبيا نقطة انطلاق نحو أوروبا عبر قوارب لا تصلح لعبور البحر المتوسط وتعرضهم لشتى المخاطر.

وقال تاياني، في مؤتمر صحفي، إن المشكلة لا تكمن في المهاجرين المتجهين إلى أوروبا فقط، بل في المهاجرين الذين يدخلون إلى ليبيا،وحذّر من أن استمرار منظمات الهجرة سيزيد صعوبة الحد منها، واصفاً مهربي البشر "بالإرهابيين".وقال: "يجب ألا نكون ضعفاء تجاههم"، لافتاً إلى ضرورة منع المهاجرين من دخول ليبيا وترحيل من دخل منهم إليها، وهذا يستوجب تحصين الحدود الليبية، ودعم حرس السواحل الليبي.

ليبيا تعاني من حدودها

ومع تردي الوضع الأمني على الأراضي الليبية،وانتشار الفوضى في هذا البلد المترامي الأطراف،باتت البيئة خصبة لتمركز الجماعات الإرهابية فيه،ناهيك عن تحولها إلى قاعدة لمافيا التهريب والعصابات الاجرامية.

وفي مقابلة مع وكالة أنباء الصين "شينخوا"،الإثنين الماضي،قال وزير الداخلية الليبي عبد السلام عاشور إن جميع مشاكل بلاده الأمنية تأتي من حدودها المنتهكة خصوصا الجنوبية، مؤكدا أن الأجهزة والمؤسسات الأمنية أصبحت "تتعافى" في السنوات الأخيرة بعد أن عانت انهيارا منذ عام 2011.

وأضاف عاشور،أن الجنوب الليبي "أصبح يعاني كثيرا، والحدود من ناحية الجنوب أصبحت منتهكة"، معتبرا أن الجنوب "تم استغلاله بشكل سيء جدا من قبل العصابات الإجرامية التابعة للمعارضة في بعض البلدان وغيرها من التشكيلات المعارضة الأفريقية التي كانت تتواجد خارج الحدود الليبية".

وتابع عاشور "هؤلاء تم الاستعانة بهم ليصبحوا أمرا واقعا في الجنوب الليبي للقيام بأعمال إجرامية تزعزع أمن ليبيا"، داعيا حكومة بلاده الى اتخاذ إجراءات "عاجلة وجدية" للتعامل مع هذا الأمر.

وحذر عاشور من خطر تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، قائلا إنه "أصبح لديه قاعدة في الجنوب الليبي وينمي قدراته مستغلا الفراغ الأمني الموجود في المنطقة"، وأن وزارة الداخلية الليبية لا تستطيع منفردة محاربة هؤلاء، ما يستدعي ضرورة تكاتف الجهود لمعالجة هذا الأمر.

وتعاني ليبيا في السنوات الأخيرة من تهالك في تأمين الحدود خاصة بالمنطقة الجنوبية، بسبب ضعف الأجهزة الأمنية.ويكتسي ملف الحدود أهمية بالغة، بالنظر لما تواجهه ليبيا من تحديات خلال الفترة الراهنة تتمثل في الإرهاب والهجرة غير الشرعية والتهريب.ويرى مراقبون أن أزمة الحدود،شأنها شأن بقية الأزمات التي تعاني منها ليبيا،تبقى رهينة تجاوز الخلافات والإنقسامات بين الفرقاء،وإرساء سلطة موحدة قادرة على فرض سلطة الدولة وحماية أراضيها.