المتابع للمشهد الليبي اليومي يقف على صورة مأساوية لبلد تخلص من حكم استبدادي ليقع فريسة بيد مجموعة من الميليشيات المتعددة المشارب والتوجهات، وأخطرها ميليشيات إرهابية تكفيرية عابرة للحدود، وضعت البلاد والعباد في أتون فوضى غير مسبوقة، وباتت تشكل تهديداً لكل دول الجوار، بل هي تجاوزت ذلك وصارت توزع إرهابها بعيداً في سوريا والعراق وغيرهما .
بدل أن تكون الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان هي ما يستظل به الليبيون بعد طول استبداد وقهر، وتجريف للحياة السياسية، وتغييب للمجتمع المدني، كما وعد الذين شاركوا في تحرير "ليبيا" فإذا به يعيش تحت بطش مجموعات منفلتة بلا قيم أو أخلاق تمارس القتل العشوائي والتدمير ووضع اليد على المؤسسات العامة والخاصة، وتسطو على ثروات البلاد، وتشرد العباد، ومع ذلك هي ترفع شعارات إسلامية، وفي ظلها ترتكب كل الموبقات، بعدما حولت ليبيا إلى مرتع للمرتزقة والتهريب وعبور الحدود لنشر العنف .
هذه الفوضى العارمة جعلت من ليبيا مشروع "دولة فاشلة" بامتياز، بعدما أعادتها الميليشيات إلى عصر ما قبل الدولة، حيث تسود شريعة الغاب والبقاء للأقوى .
ومع ذلك، ورغم هذا الخطر الذي يتعاظم كل يوم، فإن مواجهته لا تتم بالحجم والطريقة اللتين يستحقهما من جانب دول الجوار، وهي المهددة أكثر من غيرها . إذ إن طبيعة الأمور تفترض أن تتداعى الدول المعنية في شمال إفريقيا إلى اجتماعات على أعلى مستوى، وتضع استراتيجية مواجهة شاملة يشارك فيها الجميع، وتتضمن مستويات مختلفة، أمنية وعسكرية واجتماعية وفكرية، بهدف ضرب كل مواقع الإرهاب وتجفيف منابعه وحواضنه، وإغلاق كل ممرات العبور والتهريب التي يستخدمها للولوج إلى دول الجوار .
إن المواجهة الحالية التي تدور على الأرض الليبية بين هذه الميليشيات ومجموعات من الجيش الليبي لا تكفي ولن تحسم الموقف بل ستكون النتيجة المزيد من النزف والقتل والتدمير وتعاظم المخاطر الداخلية والإقليمية . لذا لابد من عمل جماعي لكل دول شمال إفريقيا في إطار خطة واضحة ومحددة الأهداف .
إن لم يتحقق ذلك، فإن ليبيا إلى مزيد من الانهيار والتآكل والتفتت.

 

-الخليج