تحول الليبيون (دولة، ومواطنين .. ومن يسمون انفسهم جيش وطني) الى ظاهرة تلفزيونية .. وذلك بسبب انتشار الفضائيات التي تبث من داخل البلاد وخارجها وكل منها تخدم توجه، و((اجندة)) أصحابها الّذين أوجدوها برأسمالهم .. أو بتمويل خارجي .

ويمكن القول أن بعض هذه الفضائيات ــ إلى جانب المواقع والصفحات الشخصية، على شبكة المعلومات الدولية ــ قد ساهم كل منها في بلبلة الرأي العام .. واضفاء مسحة من الضبابية على المشهد الليبي .. وما يكتنفه من الغموض المثير للحيرة .. سرعان ما يتلاشيان، بافتضاح مرامي وغايات المتربعين على الشاشات، أو على الشبكة العنكبوتية، وبياناتهم ((الخلّب)) على شاكلة ((إطلاقات التنوير)) في الألعاب النارية، أو ((إطلاقات الجيوش الخلّب)) ذات المقذوف غير البارودي !!

وبتطبيق هذه الوضعية على سيل البيانات التي صدرت منذ شهر فبراير/ شباط  حينما ظهر الجنرال المتقاع خليفة حفتر على احدى الشاشات ليعلن "بيانهرقم 1" بتعليق عمل المؤتمر الوطني (البرلمان) والحكومة ايضا . لكن ذلك البيان لم يكن له أي أثر واعتبره المشاهدون مجرد مزحة، أو نكتة ((كاريكاتورية)) خطرت على بال رسام ساخر في لحظة تحليقه في خيال ممتنع على غيره . فيما اعتبرت ((السلطات)) في البلاد أن حفتر خارج عن القانون وصدرت مذكرة باعتقاله . . لكن اجهزة وزارة الداخلية، والشرطة القضائية، وكذلك الشرطة العسكرية التابعة لوزارة الدفاع ورئاسة الاركان لم يكن بقدورها تنفيذ مذكرة إعتقال الجنرال الذي تنقل من طرابلس، التي اذاع منها بيانه، الى المنطقة الشرقية وغيرها من مناطق البلاد ليحشد التأييد القيلي لاستئناف تحركه على طريق اسقاط المؤتمر وغيره من مؤسسات الدولة الليبية الهشّة، والتي لولا حماية ((الدروع)) والمجموعات المسلحة ، التي خلقت في البلاد ما يسمى ((توازن الرعب)) لسقط النظام الذي خلف "جماهيرية القذافي"في ظرف ساعات !!

وإنتقل حفتر بحرية الى شرق ليبيا واستولى على معسكر "الرجمة" جنوب شرق بنغازي وحشد عدد من أنصاره ، غداة إعلان  الادارة الأميركية قلقها من الأوضاع في مناطق افريقية ، وتحديدا بليبيا، وحركت مئات من جنود المارينز من قاعدة لها في اسبانيا الى صقلية المقابلة للشواطئ الليبية، ويوم الجمعة 16 أيار/مايو الجاري اتجهت القوات  التي جمعها حفتر لـ ((محاربة التكفيريين، والقضاء على الإرهاب ، على حد تعبيره)) صوب بنغازي لتشتبك مع المسلحين في معسكر راف الله السحاتي بالهواري، وأنصار الشريعة بمنطقة سيدي فرج بالقرب من مطار بنينة الذي انطلقت منه طائرات حربية وعمودية تدعم حفتر .. وسقط في تلك الإستباكات العشرات من القتلى والجرحى، واضرت قوات حفتر الى الإنسحاب تحت مقاومة المسلحين في النقطتين المستهدفتين .

ولم يتوقف حفتر عن التحرش بما أسماه ((التكفيريين)) و((الارهاب)) ودعا عبر ((البيان رقم 2)) الذي اذاعه هذه المرة من بنغازي الشعب الى دعم وتأييد حركته التي اسماها ((عملية الكرامة)) وذلك بالخروج يوم الجمعة 23 أيار/مايو الحالي في المدن الليبية للتعبير عن ما طلبه منهم .. اعتقادا منه بأنه سيستنسخ الجنرال عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع  وقائد عام الجيش بالجارة مصر ..لكنه نسي أن ما قام به السيسي في مصر كان استجابة لضغط الشارع المصري الذي اعتصم بميدان التحرير وبعض المناطق المصرية ولم يغادرها الا بعد ان لبى السيسي والجيش المصري تفوض الملايين له بعزل الرئيس مرسي الذي حاول أخونة مصر بالكامل واقصاء غير الإخوانيين عن مفاصل الدولة والادارة في مصر .

وعقب صلاة الجمعة خرج الليبيون الى ميداني الجزائر،والشهدء، في العاصمة طرابلس، وأمام فندق تيبستي "مقر قيادة 17 فبراير 2011"في بنغازي، وفي طبرق والبيضاء، وغيرها من المدن والمناطق الليبية، واصدرت بعض الوحدات العسكرية في الجيش الليبي بياناتا انضمام  ((تلفزيونية))إلى ((عملية الكرامة)) عندما انبهرت ببضعة آلاف في المدن والمناطق المذكورة .. وكأن الأمور قد استتبت للعملية، وتصور حفتر ان خروج هؤلاء المتظاهريت ((تفويض)) له بالاستمرار في حركته  !!

غير ان الليبيين ليس لهم نفس ((صبر)) المصريين الذين لم يغادروا اماكن اعتصاماتهم الا بعد ان نزل الجيش وعزل مرسي ومارس المسئولين في المؤسسات المصرية الصلاحيات التي يخولها لهم الدستور والقوانين النافذة . فما ان حل الليل حتى غادر المتظاهرون الليبيون الميادين واماكن تجمعاتهم وقفلوا عائدين الى بيوتهم !!

وفي اليوم التالي (السبت 24 أيار مايو) فوجئ الليبيون ببيان ((تلفزيوني)) نقيب من الجيش الليبي يحذر فيه المؤتمر الوطني (البرلمان) من أي اجتماع له في أي مكان من ليبيا .. وانهم سيعتبرون ((أهدافا للاعتقال)) .. لكن المؤتمر المتكئ على درع الوسطى الذي دخل طرابلس لحمايتها من ((الخارجين على الشرعية)) حسب قرار أبو سهمين رئيس المؤتمر، عقد جلسته أمس الأحد 25 من الشهر الجاري ،في قصر ولي العهد بمنطقة "أبو سته" وسط طرابلس تحت حراسة اللجنة الأمنية المشتركة وغيرها من الأجهزة التابعة للحكومة، وذلك من أجل منح الثقة لحكومة، رجل الأعمال، أحمد عمر معيتيق رغم اعتبار ادارة التشريع والقانون بوزارة العدل الليبية بعدم شرعية جلسة منح الثقة لـ ((معيتيق)) رئيسا للحكومة قبل ذلك بعشرين يوما .. وليس ثمة من وصف يطلق على ((بيان الجيش)) وتحذيراته ((الخّب)) للمؤتمر، وللمواطنين بعدم الإقتراب من مكان اجتماع المؤتمر سوى اتساقه مع ((الظاهرة التلفزيونية)) !!