تصاعدت في الفترات الأخيرة التحركات في الساحة الليبية في محاولة لإنهاء الأزمة الممتدة منذ سنوات وفك الجمود الذي يعطل المسار السياسي.لكن الأحداث على الأرض مازالت تطغى عليها حالة العنف في ظل إستمرار وجود الجماعات المسلحة التي تواصل بث البلبلة والفوضى في هذا البلد الممزق.

مازالت آلة الإرهاب مصرة على إسالة المزيد من الدماء الليبية،حيث تعرض مركز الشرطة في منطقة العقيلة غرب مدينة إجدابيا لهجوم مسلح، فجر الثلاثاء 24 يوليو 2018، أسفر عن سقوط ضحايا.وأعلن مستشفى الشهيد امحمد المقريف اجدابيا انه استقبل جثامين قتيلين اثنين وثلاثة جرحى إثر الهجوم.

وقامت المجموعةُ المهاجمة، والمشتبه بأنها خلية لداعش، بإضرام النيران في المركز وأحرقت عدداً من السيارات التابعة له،وذكرت الأنباء أن مسلحي تنظيم "داعش" قاموا بتفتيش المنازل في بلدة العقيلة، واقتحموا كذلك محلات لبيع المواد الغذائية ومحطة وقود بالمنطقة، قبل أن يفروا باتجاه جنوب المدينة.

هذا قامت قوات الجيش بملاحقة المجموعة المهاجمة،وأعلنت غرفة عمليات اجدابيا عبر صفحتها بموقع "فيسبوك" ان قوات الجيش قتلت 12 من عناصر داعش الذين نفذوا الهجوم مؤكدا مقتل الجنديين عبدالرحيم الدنقلاوي وعبد الحفيظ النائلي أثناء مطاردتهم للجماعات المتطرفة جنوب العقيلة.

وينشط مسلحو تنظيم "داعش" في المنطقة الواقعة بين إجدابيا شرقا وسرت غربا، ويغيرون بين الحين والآخر على المواقع الأمنية والعسكرية، وخاصة حول مدينة إجدابيا،والتي تعرضت المراكز الأمنية والبوابات العسكرية فيها المنطقة إلى هجمات إرهابية في فترات مُختلفة.

وكان آخر الهجمات التي تعرضت لها منافذ مدينة اجدابيا القريبة من العقيلة استهداف بوابة الستين الواقعة جنوب المدينة بسيارة مُفخخة في الـ22 من مايو الماضي وأسفر عن مقتل عدد من جنوب الكتيبة 152 ، وتبناه داعش حينها.

ورغم فقدان "داعش" لمراكزه الثابتة في ليبيا، مازال التنظيم يتمتع بحضور وانتشار في الداخل الليبي، يسمح له بالعمل الدائم على محاولات للسيطرة، تستهدف تعويض الانكسارات التي تمثلت في خسارته لمنطقة الهلال النفطي،ولمدينة سرت. ورغم تلك الهزائم المتتالية،يبدوالتنظيم مصرا على التواجد في ليبيا.

إرهاب الميليشيات

على صعيد آخر مازالت ليبيا تعاني من ارهاب الميليشيات المسلحة التي تمارس أنشطتها الإجرامية ضد كل أطياف الشعب الليبي.وآخر ضحايا الميليشيات مدير المال في المؤسسة الليبية للاستثمار،هيثم الهادي،الذي تعرّض،الإثنين 23 يوليو 2018، للاختطاف بعد نهاية عمله الرسمي بمقر المؤسسة في العاصمة طرابلس.

وقال شاهد عيان لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية" أنّه "استطاع أن يتبع الخاطفين لغاية ميدان الشهداء ثم استبدلوا السيارة بسيارة شيفرليه مظلمة".وأكد شاهد العيان بأن "مجموعة من النواصي هي من قامت بعملية الخطف" على حدّ قوله.

وبدورها نقلت "إرم نيوز"،عن مصادر محليّة ليبية،أنّ "ميليشيا مسلحة من النواصي، هي من قامت بخطف هيثم الهادي في العاصمة الليبية طرابلس، بعد اقتياده وتهريبه عبر سيارة شيفروليه مظلمة".

من جانبها،ألقت قوة الردع الخاصة في طرابلس القبض على عصابة من 4 أشخاص اختطفوا طفلا منذ أسابيع مطالبين ذويه بدفع فدية مالية كبيرة مقابل إطلاق سراحه.وأوضحت القوة في منشور عبر صفتحها على موقع "فيسبوك" أن عناصرها قامت بالتحري وجمع المعلومات حول العصابة وقامت بتتبعها حتى تمكن من إلقاء القبض عليها وإحالة المتهمين للنيابة العامة.

وسلّمت قوة الردع الطفل إلى عائلته، مؤكدة أنها ستستمر في متابعة تحركات كافة المجرمين وقطاع الطرق وعصابات الحرابة والخطف.وكان الطفل قد اختُطف من أمام مدرسته أثناء خروجه بعد انتهاءه من أداء امتحانات الشهادة الإعدادية.

وتواترت عمليات الخطف في ليبيا، بشكل غير مسبوق خلال الآونة الأخيرة،فالأحد 22 يوليو 2018، اختطفت مجموعة مسلحة قاضي محكمة مدينة ودان، ووكيل نيابتها واثنين من أفراد الشرطة القضائية من داخل المحكمة، وسرقة سيارة السجن.وبينت المصادر أن "الدافع وراء الخطف، هو احتجاز شخصين على ذمة قضية تهريب مقطورات نقل مياه، كان من المقرر محاكمتهما أمام محكمة ودان، بعد أن احتجزوا في سجن مدينة هون".

وفي وقت سابق، قامت مجموعة مسلحة باختطاف عمال أجانب بحقل "الشرارة" النفطي جنوبي البلاد.وهو ما دفع المؤسسة الوطنية للنفط،التي تدير قطاع النفط في ليبيا ومقرّها طرابلس،إلى إغلاق آبار النفط في المناطق المجاورة وإجلاء جميع العمال الآخرين كإجراء إحترازي،وتسبب في خسائر كبيرة في الإنتاج.

تردي الأوضاع

ويسيطر على العاصمة طرابلس عدد من الميليشيات المسلحة،التي عجزت حكومة الوفاق الليبية عن كبح جماحها.ومع تواصل تغولها ونفوذها في مقابل تردي الأوضاع المعيشية الصعبة للمواطنين،تصاعدت حدة الإحتقان الشعبي ضد وجود الميليشيات في العاصمة مع المطالبات بتخل الجيش.

وخرجت في العاصمة الليبية مظاهرات حاشدة احتجاجًا على استمرار انقطاع الكهرباء وتدخل المليشيات في طرح الأحمال، وسوء الأوضاع المعيشية وتردي الخدمات.ويتهم الكثيرون حكومة الوفاق بالعجز أمام نفوذ الجماعات المسلحة،وظهر ذلك جليا في الهتافات التي شهدتها الاحتجاجات والتي طالبت أغلبها بإسقاط حكومة السراج.

ودفع تغول الميليشيات بسياسيين إلي المطالبة بتدخل الجيش الوطني الليبي،وفي هذا السياق،قال المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب الليبي، فتحي المريمي، أن العاصمة الليبية طرابلس تقع رهينة لسيطرة عدد من الميليشيات المسلحة، داعيًا الجيش إلى التدخل لفك أسرها.مؤكدا في تصريحات إعلامية إن وقوع طرابلس رهينة للمليشيات المسلحة وراء خروج المتظاهرين، فضلا عن الأزمات التي تشهدها نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية.

يأتي ذلك،فيما دفعت هيمنة الميليشيات في العاصمة طرابلس،بنائب رئيس المجلس الرئاسي فتحي المجبري للإستقالة من منصبه.وأعلن المجبري خلال تصريحات صحافية أن الميليشيات في طرابلس تسيطر على المشهدين الأمني والعسكري، وقضت على أي أمل لحماية حكومة الوفاق.وأفاد أن الميليشيات في طرابلس قضت على الحرس الرئاسي، وجرّدته من سلاحه، مؤكدًا أن قرارات المجلس الرئاسي والسراج متأثرة ومرتبطة بالميليشيات في طرابلس.

ومازالت ليبيا تعيش على وقع اشتباكات مسلحة بين مجموعات متفرقة تسطير على المدن الكبرى،فيما تتربص العناصر الإرهابية بالبلاد محاولة إستغلال الفراغ الأمني لتنفيذ أجنداتها،في وقت يتواص فيه غياب الحل السياسي الشامل الذي بمقدوره إرساء سلطة موحدة تكون قادرة على إنهاء الفوضى وإنتشال البلاد من أزمتها الخانقة.