«عائد من جهنم».. هذا هو ملخص أوضاع المصريين العائدين من ليبيا، والذين يواجهون الأهوال منذ وصول الإخوان إلى الحكم مرورًا بعزل الرئيس محمد مرسى وانتهاء بتولى عبدالفتاح السيسى الرئاسة، وتزداد تلك المعاناة إذا كان المصريون من المسيحيين بعد اتهامهم بالكفر علنًا، ويتم تعذيبهم فى زنازين الموت.. وقد زادت حدة الهجوم على المصريين مؤخرا حتى وصل إلى قصف الميليشيات السفارة المصرية فى طرابلس بالصواريخ.

بدأت مأساة المصريين فى ليبيا عمومًا منذ إعلان رئيس وزراء مصر الأسبق د.هشام قنديل أن إقليم برقة الليبى جزء من مصر، فانفتحت بعدها أبواب جهنم على المصريين هناك، زاد من اشتعالها خوض الإخوان فى مصر حربًا افتراضية على الليبيين بمواقع التواصل الاجتماعى، حولها الليبيون إلى حرب حقيقية فى الواقع، شملت الشتائم والاحتجاز وإلغاء التأشيرات والحرمان من الطعام والشراب ودورات المياه لمدة ثلاثة أيام متواصلة، ناهيك عن الإساءة إلى السيسى والتشكيك فى مشروع تطوير قناة السويس الجديدة والتعذيب البدنى والنفسى، وساعد على اشتعال حدة المواجهة احتضان ليبيا للإخوان المسلمين الفارين من مصر واتخاذها قاعدة للهجوم على الوطن بمساعدة فصائل الإسلام السياسى.
ما هى مأساة المصريين العاملين فى ليبيا؟ كيف تدهورت أوضاعهم إلى هذا الحد؟ ماذا عن تكفير الأقباط العاملين هناك؟
«انزل يامصرى ياموسخ منتظرينكم من بدرى» هكذا يبدأ «محرم لبيب» أحد العائدين من رحلة الموت الأخيرة من «ليبيا كلامه قائلا: أعيش فى ليبيا وبالتحديد فى «مصراتة» منذ ما يقرب من 21 عامًا، وأملك ورشة لأعمال الدوكو ودهانات السيارات ولى بيتى وسيارتى وأملك فى ليبيا ما لا أملكه فى مصر من أموال وأملاكى مثبتة فى بيانات جواز السفر الخاص بى، وعدت إلى مصر فى شهر يوليو الماضى إجازة، وحجزت عودتى يوم 29 أكتوبر الماضى وسافرت عن طريق مطار برج العرب الى ليبيا كعادتى كل مرة ومعى على متن الرحلة 270 مصريًا غيرى وكنا رحلتين فى نفس التوقيت تقريبًا.
وحينما وصلنا إلى مطار «طرابلس» فى حدود الساعة الواحدة والنصف صباحاً، فوجئنا بأننا نهبط داخل «قاعدة المعتيقة الحربية»، وحينما فتحت أبواب الطائرة فوجئنا بأن فى انتظارنا فرد صاعقة ومجموعة من المدنيين حليقى الرؤوس مطولى اللحى حاملين السلاح بشتى أنواعه قائلين لنا «انزل يا مصرى يا موسخ منتظرينكم من بدرى» مصحوبة بوابل من الإهانات والهتافات وطلقات النيران فى الجو ونزلنا مرتعشين لا نعلم مصيرنا، خاصة أننا نرى أن الأتوبيسات تحركت حاملة المسافرين على الرحلة الأخرى التى طارت معنا فى نفس التوقيت من مطار برج العرب، وكانت رحلة لطائرة «البراق» ونحن على متن طائرة «غدامس» التى لم نسمع عنها من قبل ولكنها طارت من مطار مصرى رسمى.
ويقول «محرم»: فى صبيحة اليوم الثانى أتى إلينا رجل عريض المنكبين طويل القامة وقفوا له جميعا احتراماً وأوقفونا فى صفوف أمامه وقال لنا «لو كل وحد فيكم حمل طوبة ونزل من المطار فى القاهرة وألقاها على قوات السيسى لسقط وعاد الدكتور مرسى»، أنتم عبيد وليس لكم ثمن، ولذلك فسوف نقتلكم هنا، ومن يعد منكم إلى القاهرة سيتأكد أن «السيسى» لن يهتم بأمره ولا بأمر من قتلوا.
ويكمل الليبى قائلا: «السيسى» لن يبنى قناة السويس الجديدة بأموالنا نحن الليبيين، أنتم عبيده اذهبوا وأهدموا القناة على رأسه وسوف تعودون إلى ليبيا كما كنتم مكرمين.
ويكمل قائلا «وحتى تُسقطوا «السيسى» وتعيدوا الدكتور مرسى وتعتذروا له لن تلاقوا منا إلا القتل والإهانة وليس لكم عندنا أموال، ومن يستمر منكم فى التواجد على أراضينا سنستعبده بلا مقابل لأنكم عبيد».
وقال أحد العائدين من ليبيا: لقد تحجج الجميع فى ليبيا بأن هناك تأشيرات مزورة تخرج من مصر ولذلك تعللوا بعدم دخول المصريين ليبيا ولكنهم قاموا بإلغاء كل تأشيراتنا جميعا.
حتى التأشيرات سارية المفعول والمعمول بها قاموا بإلغائها.. فكيف ذلك؟ هل أصبح مكتب التأشيرات الخاص بالمجلس الانتقالى فى مصر نصاب هو الآخر؟
لقد خسرنا كرامتنا وأموالنا التى كنا نحملها وخسرنا ثمن التذاكر التى وصلت إلى 6 آلاف جنيه علاوة على ثمن التأشيرة التى تبلغ 1500 دولار.
«نحن كفار القرن الواحد والعشرين فى نظر ثوار ليبيا».. هكذا يعرف «شنودة» القبطى المصرى العائد من ليبيا نفسه.. ويضيف قائلاً: نحن مواطنون مصريون ذهب بعضنا إلى ليبيا لأول مرة فى حياته أثناء عهد المعزول محمد مرسى والبعض اعتاد الذهاب إليها منذ ما يقرب من العشر سنوات للجرى وراء لقمة العيش.
ويصرخ قائلا: نحن لم نعرف أنفسنا بأننا كفار، ولكنه التعريف الذى سمعناه فى ليبيا أثناء القبض علينا وأثناء التعذيب الذى تجاوز الشهرين المتواصلين، وهو نهاية ما سمعناه عن توديعنا على الحدود الليبية المصرية، وهذا ما كنا نسمعه من مظاهرات المتأسلمين فى بلدنا مصر، وكان أهلنا يخبروننا به فى التليفون أثناء الغربة، وأخيراً وليس آخراً هذا ما سمعناه وقت هجوم البلطجية والمتأسلمين على الكاتدرائية بالعباسية إبان حكم المعزول وجماعته.
إننا لم نعرف أنفسنا فى أى يوم إلا بأننا مصريون وفقط، ونقولها بعلو الصوت هذا هو التعريف الوحيد الذى نعرفه وهو التعريف الوحيد لنا وسيظل كذلك إلى يوم الممات.
أضاف عماد: سافرت أنا وأخى ريمون وابن خالتى شنودة، أنا أكبرهم سناً وأقدمهم فى الغربة، لقد طلب ريمون وشنودة السفر إلى ليبيا ورحبت بذلك، ولكن فى فترة تحضيرهما للسفر فى شهر أكتوبر من 2012 انقلبت الأوضاع فى ليبيا، وتم التضييق علينا، أصحاب العمل يعرفون أننا مضطرون للعمل وليس لنا مسئول حكومى يعيرنا أى اهتمام وكذلك الليبيون العاديون يعرفون ذلك ولك أن تتخيل كم المضايقات التى نواجهها كل يوم وكل لحظة، وكم الأموال التى عملنا بها فى بيوت الناس وفى النهاية «اشرب من البحر ما لك فلوس عندى».
كل هذا مررنا به أو ببعضه من قبل ولكن علينا جميعا كمصريين، لك أن تتخيل أننا كنا كل يوم كمصريين نتبادل الورديات على منطقة «المصطبة» بوسط طبرق لكى نطمئن على بعضنا البعض ونستقبل أى مصرى يأتى جديدًا علينا قبل أن يقع فى يد من يضايقه، كل هذا ونحن جميعاً لم يدر فى خلدنا يوماً أنهم يعملون على تقسيمنا كمصريين إلى مسلمين ومسيحيين.
إلى أن أتى يوم أسود بكل ما تحمله الكلمة من معان، حيث تحول التضييق السرى أو المخفى علينا إلى مطاردة من الجميع سلطات، شرطة، شعب، وثوار متذمتين دينيا.
وأوضح: عرفنا من أصدقائنا الليبيين أن رئيس الوزراء الإخوانى الأسبق «هشام قنديل» صرح إعلامياً أن إقليم برقة من حق مصر بكل بتروله، وكان هذا التصريح فى نهاية شهر ديسمبر 2012 تقريباً لأن شهر يناير 2013 أتى علينا بالجحيم مجسداً بكل صوره.
الطبيعى فى أى دولة تحترم البشر أن تصريحات المسئولين لا تؤثر على معاملة المواطنين ولكن هنا فى ليبيا قبل وبعد الثورة أى تصريح أو خلاف يؤثر مباشرة علينا نحن المغتربين، بدأ الأمر بشن الحرب على مواقع التواصل الاجتماعى من قبل شباب جماعة الإخوان المسلمين للدفاع عن تصريحات رئيس الوزراء الإخوانى والتبرير له ووصل بهم الأمر لتزييف التاريخ ليثبتوا صدق كلامه، كل هذا أثار الشباب الليبى مما دعاهم لشن حربهم على أرض الواقع على المصريين فى بلادهم ومطاردتنا فى الشوارع بمساعدة رجال الشرطة ورجالات جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية.
وهنا حدثت الفاجعة الكبرى وتحول العنف العنصرى ضدنا كلنا كمصريين إلى عنف طائفى ممنهج.
وتابع: فى بداية الأزمة كنا كلنا كمصريين مطاردين ونتجمع فى منطقة «المصطبة» بمدينة طبرق لكى نحتمى ببعضنا البعض وكل يوم تقريباً نكون ورديات لكى نستقبل المصريين الجدد ونأخذهم إلى مكان تجمعنا قبل أن تستقبلهم الشرطة أو شرطة الهجرة غير الشرعية بالسحل والتعذيب.
كنا كمصريين نخاف من الجميع، ولكننا كنا نأمن على أرواحنا ونحن مجتمعون معًا لأن العداء وقتها كان عنصريًا ضدنا كمصريين عموما، إلى أن جاء اليوم الأسود الذى اشتعلت فيه لغة المبررين على مواقع التواصل الاجتماعى وكانت تحمل فى طياتها أن المشكلة بين البلدين ليست بين الشعوب ولا الحكومات ولكن وراءها الشعب الليبى المتدين بعد الثورة ورفضه لوجود المسيحيين على أرضه، وعلى نفس الصعيد كانت منابر المساجد هناك تدعو لوقف العنف وتُذكر الشباب الليبى بوصول الإسلاميين إلى الحكم فى مصر، وهو ما سموه نصرا من عند الله وتأكيدهم أن المسيحيين فى مصر يحاربون الإسلام المتمثل فى وصول الإسلاميين للحكم، وأن سبب الحملة الإعلامية على قنديل أنه خاطب الحكومة الليبية بترحيل المصريين المهاجرين بطرق غير شرعية للأراضى الليبية، وخاصة المسيحيين لتطهير الأراضى الليبية منهم .
وكنت أرشو الحارس لاستخدام التليفون المحمول. وكان يطلب الرشوة منا جميعاً عبارة عن تقبيل الأقدام ولعق الأعضاء الذكرية له ولباقى الحراس وتذوق براز بعضنا البعض.. كل هذا من أجل إجراء مكالمة تليفونية. وعلى من يرغب فى اجراء المكالمة أن يدفع الرشوة، للأسف الاحتلال يفعل بنا ذلك، واليوم نفعل نحن العرب ذلك فى بعضنا البعض بحجة الكُفر وتحت ستار الدين.
وعند رحلة العودة إلى مصر كشف عماد:
ريمون كان فى هذا الوقت يعمل فى فيلا سجانى، وحينما تيقن من الجحيم الذى أعيش فيه ذهب إليه يرجوه أن يخرجنى ويرحلنا جميعا أو يدخله معى.
رئيس مكافحة الهجرة غير الشرعية فى طبرق هو من هربنى بعد أنه أخذ رشوة 4000 دينار ليبى.
والسجان هو الشخص الوحيد القادر على فتح أبواب السجون واقتحام أماكن الاحتجاز المدنية، والوحيد المسموح له بنقل المعتقلين فى السجون.
أتى رئيس المكافحة إلى الحجز وأخذنى أنا وثلاثة شباب وجلدنا، وبعد وصلة الجلد الطويلة أمرهم بتكبيلى ووضعى فى سيارته الميرى بحجة نقلى لسجن آخر وهذا سهل جدا بلا أوراق استلام وتسلم لأننا محتجزون بلا أوراق نهائيا، وتم نقلى إلى منطقة صحراوية، وتم الاتفاق معه على نقطة التسليم وزادت الأموال 750 دينارا مصاريف النقل.
لقد مزقت أوراق هويتى أمام عينى وقت القبض علىَّ وهذا ما حدث مع كل من كانوا معى فى الزنزانة الأولى بكتيبة (72) والزنزانة الثانية بكتيبة (71).
وفى الأسبوع الثالث من شهر فبراير الماضى انتظرت عشرة أيام بأحد فنادق مدينة «طبرق» ومنها إلى منطقة «الأخويرة» ثم إلى الطريق الثانوى للجمارك الليبية، وكان كل هذا بمساعدة رئيس جهاز الهجرة غير الشرعية وأبنائه العاملين معه بنفس الجهاز، وهم من مررونا من خلال الحدود الليبية بدون أى أوراق هوية.
ويضيف: بكل بساطة سلمنا أنفسنا لضابط الحدود وحكينا له ما حدث وشاهد بنفسه ما تبقى من آثار التعذيب الجسدى، وأكد صحة روايتنا بعض الشىء وجود ضابطى جهاز الهجرة غير الشرعية وأبناء رئيس الجهاز بدون سلاحهم معنا لإيصالنا والاطمئنان علينا وأظهروا للحدود المصرية الكارنيهات وقصوا له ما يعرفون من قصتنا.
نقول لكل من يرتدون عباءة الدين الإسلامى أو المسيحى فى مصر حرام عليكم البلد. حرام عليكم التفريق بين من عاشوا طيلة عمرهم أشقاء.
وأقول للمعزول مرسى غلطة من رئيس وزرائك لم تُعالج ولم تعترفوا أنها كلفت مصر إهانة أبنائها وقتلهم والتمثيل بجثامينهم وعودتهم فى صناديق أو مهربين مجردين من آدميتهم قبل أن يجردوا من مجهود وعرق السنين فى بلاد الغربة وكل ذلك لماذا؟! من أجل شرعية زائفة وتواطؤ قطرى ليبى مع المخلوع وجماعته؟
وفى نهاية حديثى أقول للسيسى أنت قائد البلاد اليوم، وإن لم تتدخل للحل الجذرى فى ليبيا، فلا أستبعد أن نجد ضربة من الأراضى الليبية كالتى وجههت لنا فى عام 1967 من قاعدة برقة العسكرية قبل أن تتحرر ليبيا من التبعية، وتسمى بقاعدة جمال عبدالناصر العسكرية.

*عن « روز اليوسف » المصرية