على بريطانيا وفرنسا المساعدة على إقامة حكومة عملية لإنهاء مرحلة الفوضى التي حكمت البلاد منذ اندحار نظام القذافي.
مساهمة بريطانيا في استقرار ليبيا، الآيلة للانهيار، كانت مجرد التفرج على ألفي وحدة عسكرية من جيش ما بعد القذافي كما لو كانت في ساحة استعراض بكامبريدج شاير. يكفي هذا: فما تحتاجه ليبيا هو جيش وطني يتمتع بالشرعية حتى يتمكن من مواجهة الفوضى التي زرعتها الميليشيات القبلية والتفكك الذي تداعت له الدولة التي ساهمنا معها في إزاحة الديكتاتور الذي حكمها.
كانت نتائج تدريب الجيش الليبي متباينة. المرحلة الأولى ضمت 350 مجندا: اتُهم اثنان منهم باغتصاب رجل؛ واعترف آخران بالاعتداء جنسيا على امرأة؛ تم ترحيل اثنين بتهمة التحرش بعاملات نظافة في الثكنات؛ واحد ضرب رأس مدربه و 20 تحلقوا حول عريف بريطاني حاول إلقاء القبض على أحدهم. انتهى الأمر بإلغاء البرنامج، حيث تم ترحيل كل جنود الوحدة إلى ديارهم نهاية العام الماضي، قبل شهر من الآن. هذا بصرف النظر عن الجنود الذين قرروا البقاء في بريطانيا وطلب اللجوء فيها.
الآن، وبعد حوالي أربع سنوات من إطاحة طيراننا بالقذافي، ومع إغلاق السفارة البريطانية، نعاين بسلبية انهيار هذا البلد تماما كما فعلنا عندما فشل برنامج تدريب الجنود الليبيين في ثكنات باسينغبورن. في ليبيا، هناك حكومتان وبرلمانان، اعترفنا بأحدهما، وهو الآن متحصن في أحد الفنادق بمدينة طبرق. وفي غرب البلاد هناك ما يسمى بائتلاف فجر ليبيا، وهو مشكل من ميليشيات قبلية وإسلاميين، قاموا بقصف الموانئ الشرقية وخزانات النفط. أما الدولة الإسلامية (داعش) فاستغلت المناطق التي ينعدم فيها القانون وأقامت معسكرا تدريبيا لفائدة 200 جهادي في درنة، على بعد أميال من أهداف محتملة جنوب القارة الأوروبية.
وعمل البنك المركزي الليبي على صرف مليارات الدولارات من عائدات النفط، السائرة في الانخفاض، على المليشيات والعصابات الإجرامية. ويقود الجنرال السابق في نظام القذافي معارك ضد بعض الميليشيات، واضعا الصراع بين فريقين: السنة العلمانيين والأصوليين الإسلاميين.
إنها الفوضى، ونحن جزء منها. فبالرغم من الحرص على مغادرة ليبيا بعد الحملة العسكرية، فشل الحلفاء الغربيون في تثبيت قوة عسكرية بمقدورها تحقيق الاستقرار ونزع سلاح الثوار المقاتلين وإدماجهم في جيش وطني. فيما ظلت تحركات بعثة الأمم المتحدة بطيئة جدا في تعاطيها مع الأزمة. لم يكن القذافي يؤمن بدور وزارة للدفاع، وهو ما جعل الهيئة الأممية لا تتوفر على شريك مؤسساتي. والآن تحاول التوسط لإجراء محادثات سلام في جنيف بين الفرقاء، ما اعتبره المحللون أمرا حتميا.
ومع ذلك يتوجب علينا الاهتمام بما يحدث في ليبيا. فالحرب الأهلية تؤثر على دول الجوار: مالي ونيجيريا والنيجر، فهذا النوع من الفوضى الذي يخيم على ليبيا لا يقتصر أثره على بلد واحد فقط. لقد فشلنا في حسم تدخلنا في ليبيا، تماما كما حصل في سوريا والنتيجة اليوم أن دول الجوار اشتعلت فيها نيران الحرب أو تكاد، والدور قد يأتي على أوروبا.
وبنفس الطريقة يتجه الصراع الليبي نحو التوسع إلى الساحل الإفريقي - وإلى أوروبا. فقد شرع مئات الآلاف من المهاجرين بالإبحار نحو دول الاتحاد الأوروبي انطلاقا من السواحل الليبية. وخارج هذه الفوضى القاتلة، قد تظهر قريبا معاقل أخرى للجهاديين.
لا يجب أن تصل الأمور إلى هذا الحد، فهناك طرق أخرى. إن النواب الليبيين في فنادقهم بطبرق، خائفين من مغادرتها، ونوافذ غرفهم تهتز على ذوي العمليات الانتحارية، يبدون مثل شخصيات في مسرحية عبثية، لكن على الأقل هم بصدد وضع رؤية لإنشاء دولة عملية، الدولة الأمة للجميع. وهذا لم يحصل مع المعارضة السورية.
لقد حان الوقت للمشاركة في حل الأزمة، بدل التفرج من بعيد. صحيح أن هناك مشاكل أمنية واضحة، لكن هذا لا يمنع من عودة السفير البريطاني إلى ليبيا من جديد. كما لا ينبغي أن نتخلى عن تدريب الجيش الوطني الليبي، بل نساعد في تدريبه هناك على أرضه. يجب عقد مؤتمر دولي لكبح جماح مؤيدي الفصائل المتحاربة - تركيا وقطر اللتان تؤيدان الإسلاميين، مصر التي تقف إلى جانب القوى العلمانية - وفرض حظر على إدخال السلاح. يجب وضع عائدات النفط الليبية في حساب مضمون، ومراقبة صندوق الثروة السيادية الليبي. ليبيا بحاجة إلى محاسبين؛ من واجبنا تزويدها بالأطر بالشكل الكافي. ينبغي تشجيع الجنرال حفتر على التفكير والتصرف كقائد ديمقراطي، لكي تصبح الهياكل العسكرية أكثر شفافية. والهدف من كل هذا هو إقامة حكومة وحدة وطنية عملية.
إن المطالب الدولية ترمي إلى معرفة فيما إذا كانت القوى التي شاركت في العمليات العسكرية الجوية للإطاحة بالقذافي في 2011، أي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، ما تزال مستعدة لمساعدة ليبيا لتجد طريقها. وقد أشارت فرنسا بالفعل أنها مستعدة للمساعدة من أجل وقف تدفق السلاح وتسلل الجماعات الإرهابية عبر الحدود الجنوبية لليبيا.
إن هجوم باريس، الأسبوع الماضي، قد يجعل فرنسا أكثر إصرارا على محاربة الدولة الإسلامية والقاعدة. أما بريطانيا، التي ليست مستعدة للدخول في معارك جديدة في أي مكان، فهي مطالبة، رغم ذلك، بالوقوف إلى جانب فرنسا لحل أزمة ليبيا. فثمن الحياد قد يكلف غاليا.