ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) في تقرير نشر يوم 22 أكتوبر2014 بعنوان : "فوضى عارمة وفلتان أمني في ليبيا بعد ثلاثة أعوام من سقوط القذافي"، أن الليبيين عندما اسقطوا نظام معمر القذافي سنة 2011، كان يصبون لأن تصبح بلادهم الغنية بالنفط بمنزلة دبي جديدة، أما اليوم فقد بات هاجس سيناريو صومالي أو عراقي يسيطر عليهم.

ففي 23 أكتوبر 2011 بعد ثلاثة أيام على مقتل القذافي -الذي اعتقل ثم أعدم على أيدي ثوار قرب مدينة سرت مسقط رأسه- أعلنت السلطات الانتقالية "التحرير التام" لليبيا من بنغازي ثاني مدن البلاد ومهد الانتفاضة بعد ثمانية أشهر من الصراع.

وبعد ثلاثة اعوام، تشهد البلاد مزيدا من الانفلات الأمني والفوضى، لذلك لم يتم الإعلان حتى الآن عن أية برنامج احتفالات رسمي لإحياء هذه الذكرى.

وخلت العاصمة طرابلس وبنغازي من أي مظاهر احتفالية، بل لا يسمع في بنغازي سوى أزيز الرصاص ودوي الانفجارات في مواجهات يومية دامية بين القوات الموالية للحكومة و"المليشيات" المتنافسة.

وأشار الخبير العسكري سليمان البرعصي إلى أنه "نتيجة لهذا الانفلات الذي عقب انتفاضة 17 فبراير 2011، قتل عدد من الليبيين يكاد يماثل عدد الذين قتلوا من أجل التخلص من حكم القذافي الدكتاتوري ، الذي دام أكثر من 42 عاما"، ووفقا لهذا الضابط السابق "ما غذى هذا العنف هو إمكانية إفلات المجرمين من العقاب أمام السلطات الهشة أصلا".

عجز

وغداة سقوط القذافي ونظامه الأمني، كلفت السلطات الانتقالية الثوار السابقين بضمان الأمن. وشكل هؤلاء عشرات "الميليشيات" على أسس عقائدية أو قبلية ولم يترددوا في تحدي الدولة عندما تهددت مصالحهم، ما هدد السلم الأهلي وعملية بناء المؤسسات في البلاد ، وخصوصا الجيش والشرطة.

وتعتبر بنغازي الأكثر اضطرابا ، بينما تبدو السلطات من جهتها عاجزة حتى الآن أمام تنامي قوة الجماعات المتطرفة، وخاصة في شرق البلاد ، الذي شكل مسرحا لاغتيالات عناصر أمنية واعتداءات على مصالح وممثلي بعثات دبلوماسية غربية ومحلية.

وسقطت هذه المدينة التي هجرتها البعثات الدبلوماسية منذ مدة، في يوليو بأيدي كتائب إسلامية بينها متشددون في جماعة "أنصار الشريعة" بعد أن نجحوا في طرد القوات الموالية للحكومة منها.

وقتل نحو مائة شخص على مدى أيام الأسبوع الماضي في الحملة التي بدأها الأربعاء الماضي اللواء المتقاعد المثير للجدل خليفة حفتر، في محاولة جديدة لاستعادة المدينة.

وأمام ضعف الحكومة الانتقالية شن اللواء حفتر الذي شارك في الثورة على القذافي، هجوما في مايو الماضي على "الميليشيات" الإسلامية ، متهما إياها بـ"الإرهاب"، واتهمته السلطات الانتقالية حينها بمحاولة "انقلاب" ، لكنها غيرت موقفها لا سيما بعد أن نال تأييد عدة وحدات من الجيش ومواطنون.

وبموازاة ذلك، تفرض مجموعة من الكتائب وخصوصا الإسلامية منها المنحدرة أغلبها من مدينة مصراتة سيطرتها على العاصمة منذ أغسطس الماضي، ما أضطر حكومة عبد الله الثني والبرلمان اللذين تعترف بهما الأسرة الدولية للانتقال إلى أقصى الشرق الليبي الخاضع لسيطرة قوات حفتر، وسط منازعات سياسية وغياب خارطة طريق واضحة زادت من تسميم الوضع.

ويتخذ مجلس النواب الذي تعترف به المجموعة الدولية ويهيمن عليه النواب الرافضون للتيارات الإسلامية من طبرق في أقصى شرق ليبيا مقرا له، معتبرا أنه يتعذر عليه توفير أمنه في بنغازي معقل المجموعات الجهادية، والتي تشهد أعمال عنف يومية.

ويتهم نواب اسلاميون آخرون متغيبون مجلس النواب الجديد بتجاوز صلاحياته من خلال دعوته في أغسطس الماضي الى تدخل أجنبي في ليبيا لحماية المدنيين ، بعد سيطرة تحالف "فجر ليبيا" على العاصمة.

أوهام

ويؤيد معظم النواب الذين يقاطعون مجلس النواب "فجر ليبيا" ، الذي شكل حكومة موازية متعاطفة مع الاسلاميين.

وأدى العنف وانعدام الأمن المستمرين في طرابلس بالغالبية العظمى من الدول الغربية لإجلاء رعاياها وإغلاق السفارات والشركات، ما تسبب في تفاقم عزلة البلاد الغارقة في الفوضى،

في السياق ذاته يعتبر الجنوب الليبي مسرحا لاشتباكات قبلية تدور بانتظام، كجزء من الصراع على السلطة والحرب من أجل السيطرة على التهريب في الصحراء، إضافة إلى تصفية حسابات قديمة.

وتبددت آمال الازدهار الاقتصادي والتحول الديمقراطي السلمي في هذا البلد الغني بالنفط، حيث يتم تدمير ما تبقى من مؤسسات هشة وبنى تحية متهالكة أصلا بسبب القتال.

وذكر المواطن محمود الكرغلي أحد المشاركين في الإطاحة بالقذافي "عندما سقط النظام السابق كنا نحلم بأن تصبح بلادنا دبي جديدة بفضل عائدات النفط، لكننا بتنا اليوم نخشى سيناريو الصومال أو العراق".

من جهته رأى الأستاذ الجامعي محمد الكواش أن "المجتمع الدولي -وبشكل خاص الدول التي شاركت في الحملة الجوية التي قادها حلف شمال الأطلسي للإطاحة بالقذافي في سنة 2011- قد خذل ليبيا وأخفق كذلك في الوفاء بالوعود المتكررة لمساعدة الليبيين على إعادة بناء بلادهم".

وأضاف "على مجلس الأمن  والأمم المتحدة مسؤولية يتوجب القيام بها لحماية المدنيين ووقف الجرائم الخطيرة الجارية، بما في ذلك الجرائم ضد الإنسانية والقتل الجماعي والفردي غير المشروع ، وفقا لقرارات مجلس الأمن حيال ليبيا".

وقال "بدلا من الاكتفاء بإصدار البيانات الداعية لوقف العنف من قبل أشخاص لا يأبهون بالقانون والديموقراطية، لابد لهذه البلدان المعنية من تكوين رؤية عن البلد أوسع مما هو عليه الحال حتى الآن، لتقدم مساعدة فعلية لليبيين للنهوض".

لكن الطبيب الليبي صلاح العقوري مضى إلى ما هو أبعد من ذلك قائلا : إن "الفوضى أنهكت الليبيين والصراعات الجهوية والإيديولوجية والقبلية باتت أدهى من القبضة الأمنية والحكم الدكتاتوري السابق"، مشيرا إلى أن "عددا من الليبيين باتوا يترحمون على ذلك النظام السابق على الرغم من كرههم له".

وأضاف أنه "على الرغم من كرهه للقذافي يتمنى أن يعود بعض الوقت لإعادة بعض النظام" ، معتبرا أن "هذا الحنين ليس فريدا من نوعه وبات ينتاب عددا لا بأس به من الليبيين".