عندما تداعت محاولة ليبيا بناء نظام ديمقراطي سياسي جديد بعد 2012، كانت إدارة أوباما وحلفاء الناتو الذين تدخلوا للإطاحة بالدكتاتور معمر القذافي لا يزال بإمكانهم الحديث عن تجنب إراقة الدماء و حرب أهلية شاملة كان نظام القذافي قد لوح بها، قبل أن تقع لاحقا في سوريا. لكن تبين أن الأمر لا يعدو أن يكون مؤقتا. إذ مع بداية 2015، أضحت ليبيا تسير  نحو  منطقة حرب ثانية في الشرق الأوسط، وتتجه نحو تقوية شوكة الجهاديين المتطرفين وزعزعة استقرار الدول المجاورة.
أصبحت ليبيا، المترامية الأطراف، القليلة السكان (حوالي 7 ملايين نسمة) مقسمة بين حكومتين، لكلاها برلمان وجيش، الأولى مقرها شرق طبرق والأخرى مستقرة في العاصمة طرابلس. وفي الوقت الذي يتواجه في حرب سوريا فريقان: السنة والشيعة، فإن الحرب في ليبيا تدور رحاها بين السنة العلمانيين (مع أقلية أمازيغية) والإسلاميين. وبما أن نفس الانقسام يهيمن على السياسة في مصر وتونس والأراضي الفلسطينية وجزء كبير من الدول المغاربية، فقد اصطفت بعض القوى إلى جانب الفريق الذي يناسب توجهاتها: فمصر والإمارات العربية المتحدة تدعم القوى العلمانية في الشرق الليبي وتركيا وقطر والسودان، في الجانب الآخر، تساند إسلاميي فجر ليبيا غرب البلاد.
هذا الصراع المتصاعد لم يكن نتيجة تدخل حلف الناتو عام 2011، والذي اقتصر على بعض الضربات الجوية، بقدر ما كان بسبب انسحابه السريع والفشل لاحقا في المساعدة على تحقيق الاستقرار في ليبيا. فبدون مؤسسات وقوات أمن نظامية مدربة، لا تستطيع حكومة مؤقتة السيطرة على الميليشيات التي نشأت لمحاربة نظام القذافي. وحين ساء الوضع بشكل مطرد في السنتين الماضيتين، لم تعمد إدارة أوباما وفرنسا وبريطانيا والقوات الأخرى، التي شاركت في عملية الناتو، إلى توزيع مهمة دعم هذا البلد؛ لكنها، عوض ذلك، أغلقت سفاراتها وتبرأت من أزمة ليبيا. وتم تسليم مهمة الوساطة لإحلال السلام إلى مبعوث الأمم المتحدة، برناردينو ليون، الذي صرح في مقابلاته الأخيرة أن مهمته تكاد تكون مستحيلة.
وكما هو الحال في سوريا، يمكن لهذه السلبية في التعاطي مع الأزمة أن تهدد المصالح الغربية في ليبيا. وفقا للقيادة الأمريكية في إفريقيا، أقام مائتا جهادي تابعين للدولة الإسلامية معسكرا تدريبا في بلدة ليبية شرق درنة. وعلى بعد 300 ميل فقط من جنوب أوروبا، يمكن أن تصبح ليبيا، بسهولة أخطر بكثير من اليمن أو غرب العراق، نقطة انطلاق مزيد من الهجمات على باريس وعواصم غربية أخرى.
وكان الشيء الوحيد الذي عبرت عنه إدارة أوباما وحلفاؤها أمام هذا التهديد المحدق هو إصدار بيانات فارغة، كبيان السبت المنصرم الذي أشاد بجدولة ليون لمحادثات بين بعض الأطراف المتحاربة في جنيف بحر هذا الأسبوع. لكن أي تقدم حقيقي لإنهاء القتال سوف يتطلب إجراءات أكثر حيوية، كتحويل عائدات النفط إلى حساب مضمون وفرض حظر على استيراد الأسلحة وتجميد الأصول الدولية لكلا الطرفين المتحاربين، مع الضغط على مصر والقوى الخارجية الأخرى لوقف تدخلاتها في ليبيا. وفي الأخير، توفير قوات دولية لحفظ السلام قد تكون الحاجة إليها ضرورية للمساعدة على استعادة النظام في ليبيا.

*افتتاحية "الواشنطن بوست" ليوم الثلاثاء 13 يناير 2015