تخيم المخاوف على العاصمة الليبية طرابلس جراء إنتشار الميليشيات المسلحة التى تنتشر في عدة مناطق وتمارس أعمال الحرابة والسطو والخطف مقابل فدية وغيرها،إضافة إلى الإشتباكات التي تندلع بين حين وآخر،بهدف فرض السيطرة والنفوذ متسببة فى أضرار بشرية وخسائر مادية كبيرة تزيد من معاناة المواطن.فيما يتواصل عجز حكومة الوفاق عن بسط سيطرتها على المدينة التي تبقى،بحسب المراقبين،أسيرة للصراعات والإشتباكات وغياب الأمن.

وقد أثارت الأحداث الدامية والاشتباكات المسلحة بين الميليشيات التي شهدتها العاصمة الليبية،خلال الايام الماضية، استنكارا وتنديدا واسعين على الصعيدين الداخلي والخارجي.وبالرغم من التوصل إلى وقف إطلاق النار،فإن مسلسل العنف يتواصل في المدينة ما يضع الحكومة في مأزق نتيجة اشتداد الانتقادات والضغوط.

عنف يتواصل

وتستمر دوامة العنف في طرابلس بعد أسبوع من القتال الدامي بين فصائل مسلحة،والتي خلفت 63 قتيلا على الأقل في أواخر أغسطس ومطلع سبتمبر.فرغم الهدنة التي أبرمت في 4 سبتمبر برعاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا،فإن هذا لم ينهي سلسلة الإنتهاكات والمخاطر التي مازال يعيشها المواطن الليبي.

ففي بيان لها،السبت 15 سبتمبر 2018،أدانت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا،استمرار أطراف النزاع بجنوب غرب طرابلس بمناطق صلاح الدين وخلة الفرجان ووادي الربيع وعين زارة في ارتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين و ممتلكاتهم في المناطق بعد سريان الهدنة.

وأعربت اللجنة،عن إدانتها لبقاء أطراف النزاع داخل الأحياء المدنية والتي لم تراع تجنيب المدنيين ويلات القصف فترة النزاع خلال الأيام الماضية، وتعريض حياة وأمن وسلامة المدنيين للخطر والمساس بهم والتحصن في الأحياء المدنية واستغلال هذه الأحياء لأهداف عسكرية.

واستنكر بيان اللجنة تصاعد مؤشرات حوادث السرقات والسطو المسلح خلال هذه الفترة بمناطق غرب وجنوب غرب طرابلس من قبل عصابات الجريمة والجريمة المنظمة والذين طالت أيديهم وسائل النقل ومحلات تجارية، وأدت تلك الحوادث إلي مقتل عدد من المواطنين جراء مقاومتهم للعصابات.

وأكدت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، أن بقاء و تمركز الجماعات والتشكيلات المسلحة داخل المناطق الحليفة لها، لا يعفيهم من المسؤولية عن سقوط المدنيين في تلك المناطق ولا عن عمليات النهب والسلب للممتلكات الخاصة والعامة.داعية بعثة الأمم المتحدة للدعم  في ليبيا إلى اتخاذ التدابير الكفيلة بتجنيب المدنيين ويلات الصراعات.

وحملت اللجنة، المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ووزارة الداخلية المسئولية القانونية والإنسانية والوطنية إتجاه ضمان أمن وسلامة وحماية المواطنين وممتلكاتهم من عصابات الجريمة المنظمة وذلك بضبط الأمن والاستقرار ومقاومة الجريمة والجريمة المنظمة وملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة.محذرة الأطراف المتنازعة من عمليات نهب وسلب الممتلكات الخاصة واستغلال الأحياء والمناطق السكنية المدنية أو التحصن بها.

احتجاجات شعبية

واحتجاجًا على تردي الأوضاع الأمنية والمعيشية،شهدت العاصمة الليبية طرابلس،الأحد 16 سبتمبر 2018،تظاهرعدد من أهالي مدينة طرابلس بميدان الجزائر،وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك،فيديو يظهرالمحتجين رافعين شعارات تطالب بإسقاط رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج.

وأكد عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة، في تصريح لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية"، أن المواطنين ينظمون مظاهرة في مديدان الجزائر بالعاصمة طرابلس احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية في البلاد.مشيرا أن "المتظاهرين يطالبون بإسقاط حكومة الوفاق والمجلس الرئاسي بقيادة فائز السراج وإنهاء حالة الفراغ الأمني  وتفعيل الأجهزة الأمنية الرسمية والنهوض بالأوضاع المعيشية للمواطنين".

وتشهد العاصمة طرابلس مظاهرات احتجاجية منددة بسوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية ومطالبة بتنحي السراج.ونقلت "إرم نيوز"،عن شهود عيان قولهم إن "المتظاهرين أكدوا إصرارهم على مواصلة الاحتجاج حتى إسقاط رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج، وسط ترديدهم هتاف: ارحل يا رئاسي الشعب الليبي في المآسي".

وأكد شهود العيان أن "هذه المسيرة ستتواصل، وستتحول قريبًا إلى انتفاضة واسعة النطاق" ضد ما وصفوها بـ"حكومة الإخوان" والميليشيات.وأعرب المتظاهرون عن "رفضهم تردي الأوضاع المعيشية في طرابلس، وعجز حكومة الوفاق الوطني عن تحقيق الاستقرار في ظل سيطرة الميليشيات على مفاصل الحكومة، وزيادة معدلات السرقة والخطف وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة"، على حد قولهم.

مهلة 

من جهة أخرى،طالب الملتقى الوطني للقبائل والمدن الليبية،السبت 15 سبتمبر 2018، حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، بحل الميليشيات المسلحة خلال ثلاثة أيام، بسبب سيطرتها على مفاصل الدولة وعلى دوائر القرار السياسي والاقتصادي في البلاد.وأكد الملتقى، الذي التأم في مدينة "ترهونة" الليبية، في بيان له، أنّ الميليشيات المسلّحة تسببت في استمرار معاناة المواطن الذي حرم من حقوقه، واصفًا إياها بأنها "سبب البلاء وأزمة السيولة النقدية".

ودعت القبائل الليبية، إلى البدء في "إجراءات تسليم الميليشيات المسلحة لكامل أسلحتها ومعداتها للجهات الرسمية المختصة، وإلغاء الأجسام الموازية لها كافة".

وشدّد البيان، على "ضرورة إحالة المتورطين في الجرائم الجنائية والفساد المالي، من منتسبي هذه الميليشيات ومن قدم لها الدعم إلى التحقيق فورًا، وتسليم السجون إلى السلطات القضائية وتسليم المنافذ للجهات المختصة وإخلاء جميع مؤسسات الدولة من مظاهر السلاح".".

وأعلن الملتقى، رفضه أي ترتيبات أمنية من شأنها "المماطلة، أو الإبقاء على هذه الميليشيات أو إعادة تدويرها بأي صورة من الصور"، مؤكدًا أن "طرابلس عاصمة لكل الليبيين، مشددًا على أهمية تشكيل قوة مشتركة من المدن الليبية كافة، قوامها الجيش والشرطة النظاميان لتأمينها وحمايتها".وأكّد على ضرورة "الإسراع في توحيد المؤسسة العسكرية، تحت مسمى واحد ورئاسة أركان واحدة، ولاؤها لله ثم للوطن".

وأكد عبد الرحيم البركي، أحد أعيان قبائل ترهونة، خلال كلمته في اللقاء الوطني العام للقبائل والمدن الليبية بترهونة، أن "حل كل أزمات ليبيا يكمن في حل الميليشيات"، مشيرًا إلى أنّه "سيتم تسليم معدات وأسلحة الميليشيات المسلحة للجهات الرسمية في الدولة".وطالب البركي بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بالعمل بجدية في كافة الملفات التي تعمل على دعم الأمن والاستقرار في البلاد، داعيًا كافة العناصر المنخرطة في الميلشيات المسلحة إلى العودة إلى أهاليهم، وترك كل ما من شأنه التخريب والتدمير في البلاد.

وكانت الأمم المتحدة، قد دعت،في أغسطس الماضي، حكومة الوفاق الوطني، إلى شن حملة على الجماعات المسلحة التي تعرقل عمل مؤسسات الدولة الليبية.حيث أعربت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا عن "إدانتها الشديدة لأعمال العنف والتخويف وعرقلة عمل المؤسسات السيادية الليبية من قبل رجال الميليشيات".ودعت حكومة الوفاق الوطني إلى "اتخاذ الخطوات اللازمة لمقاضاة المسؤولين عن هذه الأعمال الإجرامية".

وتتعرض العديد من مؤسسات الدولة للاستهداف من قبل الجماعات المسلحة التي تعمل إسميا تحت مظلة وزارة الداخلية التابعة لحكومة الوفاق الوطني.وقالت بعثة الأمم المتحدة في بيانها "يهاجم أفراد الكتائب العاملة إسمياً تحت إشراف وزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني المؤسسات السيادية ويمنعونها من أداء عملها بشكل فعال".وأضافت "أن التدخل في عمل المؤسسات السيادية وفي الثروة الوطنية الليبية أمر خطير ويجب أن يتوقف على الفور".

ومع سيطرة ميليشيات بولاءات مختلفة وأجندات متعددة،تجد العاصمة الليبية نفسها في أتون ساخن قابل للانفجار في ظل امكانية تجدد الاشتباكات المسلحة التي حصدت أرواح العديدين.ويبقى المواطن هو الخاسر الأبرز في هذه الأحداث التي تزيد من تردي الأوضاع في البلاد.ومنذ 2011،خرج الشارع الليبي مرارا وتكرارا ضد الميليشيات، مطالبا بضورة إنهاء المظاهر المسلحة وجمع السلاح والمسارعة في تشكيل جيش وشرطة يخول لهما فقط ضبط الأمن.

وأمام استمرار تغول الميليشيات،تجد حكومة الوفاق نفسها في موقف محرج نتيجة عجزها عن بسط نفوذها وتصاعد الانتقادات تجاهها.ويرى مراقبون،أن الاحتجاجات التي خرجت في أحياء طرابلس يمكن أن تتحول إلى انتفاضة شعبية شاملة ضد الأوضاع المعيشية الصعبة، وضد وجود الميليشيات المسلحة التي تسيطر على مفاصل الدولة في العاصمة الليبية.