دخلت ليبيا في مرحلة حرجة أودت بها إلى الفوضى منذ العام 2011،حيث إنتشر العنف بكافة أشكاله وسط خلافات سياسية وصراعات عسكرية بين الفرقاء.وفي خضم ذلك،تغلغلت التنظيمات الارهابية وعلى رأسها تنظيم "داعش"،واستوطنت بعض المناطق والمدن،أبرزها مدينة سرت،وذلك بغية التمدد وفرض سيطرتها على كامل البلاد.

وبعد قتال دام لأكثر من ثمانية أشهر، أعلنت حكومة الوفاق الليبية،في ديسمبر 2016،الانتهاء من عملية "البنيان المرصوص"، واستعادة مدينة سرت التي يتمركز فيها مسلحو داعش الإرهابي منذ 2015.لكن نهاية التنظيم في أكبر معاقله في البلاد لم تكن تعني نهاية معاناة ليبيا من تبعات تغلغل هذا التنظيم الارهابي في أراضيها.

جثث في البرادات

فبعد مرور أكثر من عام على دحر قوات "البنيان المرصوص" التابعة لحكومة الوفاق الليبية، لتنظيم داعش الإرهابي في مدينة سرت الساحلية لا تزال جثث مئات من مقاتلي التنظيم تمثل معظلة للدولة بسبب إستمرار غموض تقرير مصيرها الذي يبقى رهين نتيجة تفاوض السلطات الليبية مع عدة حكومات دول أخرى.

وكشف أحمد حمزة، مقرر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا،في تصريحات لوكالة "سبوتنيك"، عن وجود 700جثة لعناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، في ثلاجات مدينة مصراتة منذ أكثر من عام.وأضاف حمزة، "أن جثث الدواعش الموجودة في الثلاجات أغلبهم من تونس، وأنهم سقطوا خلال المعارك المختلفة في سرت وصبراته وغيرها من المعارك التي دارت خلال العام الماضي".

وأضاف مقرر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، "أن تونس والدول الأخرى لم يستجيبوا لأي عمليات تواصل من شأنها إعادتهم إلى بلدانهم، وأنهم يمثلون عقبة كبيرة، خاصة مع طول مدة حفظهم بالثلاجات".

ومن جهته،أكد رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، عبدالمنعم الزايدي، أن الجثث الموجودة في ثلاجات صبراته يتم ترقيم الأكياس وتصنيفها، وكل جثة لها ملف خاص بها، وعينات من الحمض النووي، ووثائق أو علامات أخرى تم جمعها مع كل جثة لسهولة التعرف عليها.

وأوضح،الزايدي في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أنه تم تخزين الجثث في حاويات التبريد بعد تحرير مدينة سرت من عناصر التنظيم في ديسمبر/ كانون الأول من العام 2016.مشيرا إلى أنه تم دفن ما بين 1500 و2000 من عناصر داعش في مدينة سرت بعد انتهاء الحرب، وأن معظم القتلى من تونس ومصر والسودان، المغرب وبعضهم من ليبيا.

ونقلت الجثث إلى مصراتة، غربي سرت، التي قادت كتائب منها القتال الذي أدى لهزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" في سرت  في كانون الأول/ديسمبر 2016 بإسناد جوي أميركي. ويمثل السماح بشحن تلك الجثث إلى أوطانها مثل تونس والسودان ومصر أمرا ذا حساسية لحكومات تلك الدول التي تتحفظ بشأن الاعتراف بعدد مواطنيها الذين غادروها للانضمام إلى المتشددين في العراق وسوريا وليبيا.

جثث تحت الركام

من جهة أخرى،يتم العثور،بشكل متكرر،على الجثث في عدة مناطق في سرت،حيث تستمر عملية انتشال الجثث من المدينة منذ عام 2016، حيث شكل مجلس سرت البلدي في وقت سابق لجنة مكلفة بالبحث عن الجثث داخل المدينة، انتشلت العديد من الجثث مجهولة الهوية في عدد من المناطق بالمدينة.

ولا يخفي أهالي المدينة انزعاجهم المتكرر حيال المقابر الجماعية التي يعثر عليها تباعا خصوصا داخل الأحياء السكنية وفي بعض المدارس التي حولها التنظيم لفروع لمقراته العديدة،فقد سبق أن وجهوا نداءات عديدة إلى المجلس الرئاسي من أجل التنسيق مع الجهات المختصة لانتشال كل الجثث المنتشرة في المناطق المدمرة جراء الحرب؛ الأمر الذي سيتسبب في انتشار الأمراض والأوبئة في المدينة.

وأطلق المجلس البلدي أكثر من حملة للتطهير والتعقيم جراء خطر انتشار الأمراض والأوبئة التي قد تسببها الجثث المتحللة.وأكد قطاع البيئة بالمجلس البلدي للمدينة،في وقت سابق، أنه أطلق تلك الحملات بجهود ذاتية وبالتعاون مع الأهالي ضد الحشرات والقوارض التي انتشرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة داخل المدينة، بسبب وجود جثث متحللة تنبعث منها روائح كريهة تحت الأنقاض وبين الأحياء السكنية، مؤكداً أن سلطات البلاد لم تقدم شيئاً للمدينة سواء على بالدعم المالي أو عن طريق مخاطبة المنظمات الإنسانية الدولية.

أطفال داعش

من جهة أخرى،تطرح مسألة "أطفال داعش"،كمعظلة أخرى تواجه ليبيا التي تتحمل عبئ رعايتهم،قال مقرر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان،ل"سبوتنيك"،"أن هناك نحو 70 من (أطفال داعش) في السجون ومراكز الإيواء، وأن منهم من هو برفقة أسرته ومنهم من فقد أبويه أو والده فقط، وهم يشكلون أزمة أخرى، خاصة أن الدول التي ينتمون إليها يرفضون عودتهم إلى أوطانهم، وأن بينهم أطفال لا ذنب لهم، خاصة أن أعمارهم لا تتجاوز 10 سنوات، وهم غير مسؤولين عما فعله الآباء.

ويقبع العشرات منهم في سجن معتيقة بالعاصمة طرابلس وكذلك في مقر الهلال الأحمر بمدينة مصراتة.ونقلت "العربية.نت"،عن أحمد بن سالم المتحدث الرسمي باسم قوات الردع الخاصة التي تشرف على سجن معيتيقة بطرابلس، وجود 22 طفلاً جميعهم من تونس تبلغ أعمارهم بين سنة و11 سنة ولدوا أغلبهم على الأراضي الليبية و13 امرأة تونسية وواحدة سنغالية، تم القبض عليهم في مدينة صبراتة سنة 2016، وتم إيداعهم داخل مؤسسة الإصلاح والتأهيل التابعة لسجن معيتيقة، مشيراً إلى أن أغلب آبائهم قتلوا والبعض الآخر معتقل لديهم في انتظار محاكمته.

أما الهلال الأحمر بمصراتة،فتشير أرقامها إلى وجود حوالي 50 طفلاً منذ شهر ديسمبر 2016 بمقراتها،تتراوح أعمارهم بين 9 شهور و12 عاماً، ويوجد كذلك داخل مركز الإيواء بالقاعدة الجوية 10 نساء من تونس معهن 15 طفلاً.وبحسب المسؤولين فإن هؤلاء الأطفال وفرت لهم الحماية والرعاية،وقال المستشار في الهلال الأحمر، محمد أبوزقية، أن هؤلاء الأطفال يقبعون تحت رعاية الهلال الأحمر منذ نهاية عام 2016، وتلقوا علاجًا نفسيًا لإعادة تأهيلهم ودمجهم فى المجتمع مجددًا، وفقا لما ذكرته قناة "218" الليبية.

وبحسب رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان (فرع ليبيا) عبد المنعم الزايدي،فأنه لا يجب أن تتحمل الدولة الليبية لوحدها عواقب ملف الأطفال من أبناء داعش.وأكد أن مدينة طرابلس بها 22 طفلاً من تونس تبلغ أعمارهم أقل من 11 سنة أما في مصراتة فيوجد 7 أطفال من السودان اعترفت بـ4 منهم في أغسطس الماضي وتم ترحيلهم. 

وتابع الزايدي"كما يوجد أيضا 6 أطفال من تونس و15 طفلا من جمهورية مصر وفتاة من السنغال وفتاة والدتها بريطانية و5 أطفال مجهولي الجنسية".وفيما يخص النساء قال رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان (فرع ليبيا) "توجد امرأة تونسية وواحدة سنغالية، وصومالية.

معاناة قديمة

وعانت مدينة سرت الليبية،من ويلات الإرهاب بعد سقوطها في قبضة تنظيم "داعش" الارهابي الذي جعل منها أهم معقل له في ليبيا والمنطقة، في مايو/أيار 2015،حيث مارس فيها جرائمه البشعة التي مازالت عالقة في اذهان الليبيين.

ففي فبراير/شباط 2015، نشر التنظيم "مقطع فيديو" وهم ينفذون الإعدام في 21 مصريا كانوا موجودين في الأراضي الليبية،في جريمة أثارت موجة تنديد واسعة نظرا لبشاعتها،كما أنها ألقت الضوء بصفة واضحة على خطر التنظيم المتنامي في مدينة سرت حينها.

وعانت مدينة سرت الليبية طويلا تحت حكم التنظيم الارهابي الذي زرع الرعب والخوف بعمليات الاعدام والصلب والاغتيالات،وحسب تقرير هيومن رايتس ووتش الذي اعتمدت فيه على مقابلات شخصية لـ 45 مواطن ومواطنة من سكان سرت فقد وصل عدد الإعدامات التي تمت بقطع الروؤس أو أطلاق النار وتم تنفيذها في سرت خلال الفترة من منتصف فبراير 2015 إلى منتصف فبراير 2016، وبصورة غير قانونية، وصلت إلى  49 شخصا.وتوالت الإعدامات رميا بالرصاص وتعليق وصلب بعض المعدومين بملابس برتقالية.

ورغم أن "داعش" لم يعد يسيطر على أي مدن ليبية وباتت تحركات عناصره محدودة في ظل الضربات التي تلقاها خلال الفترة الماضية،إلا أنه مازال يمثل كابوسا مزعجا لليبيين الذين ذاقوا الأمرين جراء إرهاب هذا التنظيم المتوحش.ويأمل الكثيرون في إنهاء حالة الإنقسام في ليبيا وإرساء دولة قوية تعمل على إجتثاث الإرهاب نهائيا وإصلاح ما أفسده خلال السنوات الماضية.