منذ سقوط نظام معمر القذافي، خريف العام 2011، تحولت ليبيا الى ساحة كبيرة للفوضى وانتشار السلاح، فقدت خلال ذلك الدولة المركزية سلطتها على البلاد وحلت محلها المجموعات المسلحة ذات الارتباطات المتنوعة، ايدولوجيا ومناطقيا. ليتجاوز تأثير هذه الحالة من الفشل العام خارطة ليبيا الى بقية دول الإقليم، تحديدا مصر وتونس والجزائر فيما وصلت التأثيرات غير المباشرة الى سورية ومناطق نزاع وتوتر عربية وافريقية أخرى. تونس شكلت أكثر الدول تأثرا بالوضع الليبي من كل النواحي، الاقتصادية والأمنية والسياسية، وهي التي قررت منذ اندلاع الازمة في 17 فبراير التدخل لفائدة أحد أطراف النزاع من خلال تمرير السلاح للمعارضة بالتعاون مع بعض الدول الإقليمية ولم تحسب يومها عواقب سقوط البلاد في الفوضى، على عكس الجزائر التي كانت واعية منذ البداية للمخاطر التي يمكن أن يشكلها الوضع الليبي على أمن شمال افريقيا.

في فبراير 2012 وصلت الى تونس أولى أخبار شبابها المقاتل في سورية. فحين بدأت الأزمة السورية، غادر العشرات من أبناء مدينة بنقردان المحاذية للحدود الليبية للانخراط في صفوف التنظيمات الجهادية. وأول دفعة من القتلى التونسيين في سوريا كانت من بنقردان، وسقطوا في صفوف كتيبة الفاروق التابعة للجيش السوري الحر في حمص، بداية العام 2012، وهم حسين مارس (34 عاماً)، ومحمد لافي (26 عاماً) ووليد هلال (21 عاماً) وبولبابة بوكلش ومحمد الجراي. كانت ذرب شباب بنقردان للوصول الى سورية تمر عبر معسكرات التدريب الليبية التي شيدتها جماعات جهادية مرتبطة بتنظيم القاعدة وجماعة الاخوان المسلمين في طرابلس وبنغازي ودرنة والجبل الأخضر. حيث نشطت جماعة أنصار الشريعة الليبية في بنغازي وسرت وأجدابيا وكتيبة شهداء بوسليم في درنة وبنغازي في تدريب العشرات من الشباب الليبي والتونسي والجزائري والمصري من أجل الالتحاق بالجماعات المسلحة في سورية وخاصة بتنظيم جبهة النصرة – الفرع السوري لتنظيم القاعدة-ولاحقا بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش-.

الى جانب أنها شكلت ممرا أمنا ومركزا للتدريب للشباب التونسي الراغب في الانتقال الى سورية فان المعسكرات الليبية لعبت دورا كبيرا في تدريب وتكوين العناصر الجهادية التابعة لجماعة أنصار الشريعة التونسية ومكانا مريحا للإفلات من الملاحقات الأمنية ومصدرا للسلاح، الذي تم استعماله في أكثر من عملية استهدفت قوات الجيش والشرطة وفي تنفيذ عمليات الاغتيال السياسي التي استهدفت قيادات المعارضة اليسارية.

مع ارتفاع حدة الانقسام السياسي في ليبيا والصراع بين التيار الإسلامي والتيار المدني وما تبع ذلك من اعلان بعض قيادات الجيش الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر ''عملية الكرامة" هدفها القضاء على الجماعات الإرهابية، بحسبهم. في ظل انزعاج إقليمي من تحول البلد إلى قاعدة خلفية لتدريب وتسليح وإيواء الجماعات الجهادية المتطرفة. تأجج الصراع المسلح في البلاد أفرز واقعا جديدا دفع كل الجماعات الجهادية الى المواجهة المباشرة مع الجيش وخاصة في المنطقة الشرقية وتحول الشباب التونسي المتواجد في مراكز التدريب من مجرد مقاتلين عابرين ينتظرون فرصة المغادرة نحو الساحة السورية والعراقية الى مقاتلين في مواجهة الجيش الليبي، وكان العدد الأكبر منهم ينتمي الى تنظيم أنصار الشريعة.

صيف العام 2014 وخلال المعارك الطاحنة بين الميليشيات المسلحة والجيش الليبي ظهرت الخلافات بين التنظيمات الجهادية الليبية حول شرعية مبايعة أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم "داعش" الذي أعلن نفسه خلفية للمسلمين في يونيو 2014.يومها أعلن تنظيم سلفي جهادي متشدد يسمى " مجلس شورى شباب الإسلام" ويتمركز بمدينة درنة في أقصى الشرق الليبي عن دعمه لتنظيم الدولة الإسلامية –داعش-. لاحقا وفي 3 أكتوبر/تشرين الأول 2014، صدر بيان اعتبر فيه التنظيم كل الأراضي التي يسيطر عليها "مجلس شورى شباب الإسلام" في مدينة درنة جزءاً من الخلافة، تلك الأراضي التي أطلق عليها فيما بعد اسم “ولاية درنة” التي هي جزءاً من "الدولة الإسلامية". وبذلك أصبحت داعش تأتي للشباب التونسي بدلا من أن يذهب اليها بعيدا في سورية والعراق. بدأ العشرات من الشباب المنتمي لبدات ومدن الجنوب الشرقي، كبنقردان وتطاوين والرمادة ومدنين في التدفق على ليبيا بالرغم من العوائق الأمنية الكبيرة ولكن كانت ذرائع السفر للعمل والتجارة تفي بالغرض للإفلات من الرقابة الأمنية على المعابر البرية أو استعمل طرقات غير شرعية يعتمدها المهربون على طرفي الحدود.

من خريف العام 2014 الى اليوم تحولت ليبيا الى ساحة واسعة تتحرك داخلها الأجساد التونسية المفخخة من بنغازي الى طرابلس مرورا بمصراته. في أكتوبر 2014 فجر التونسي بلاد السعدي سيارة مفخخة في مدينة بنغازي و في نفس الشهر استهدفت سيارة مفخخة قادها الانتحار التونسي علاء العبار مطار بنينا في مدينة بنغازي و أودت بحياة العشرات من عناصر الجيش الليبي. في يناير 2015 تبنى تنظيم الدولة الإسلامية – داعش هجوما انتحاريا استهدف فندق "كورنثيا" في العاصمة الليبية طرابلس. وذكر المركز الإعلامي لما يسمى بـ "ولاية طرابلس" عبر بيان له على موقع التواصل الاجتماعي أن "منفذ العملية تونسي الجنسية، في العشرينيات من عمره، ووصف التنظيم منفذ العملية بـالانغماسى الأول في الفندق أبو إبراهيم التونسي". وفي نفس الشهر نشر حساب تابع لتنظيم الدولة الإسلامية-ولاية برقة على تويتر، صوراً لشبان تونسيين أسماهم "استشهاديو الخلافة في ملاحم بنغازى" وقال إنهم قتلوا خلال عمليات انتحارية في بنغازي.وفي منتصف شهر مارس الماضي أعلنت وسائل اعلام ليبية عن مقتل الجهادي التونسي بشير خلال بين قوات داعش ودرع ليبيا الوسطى، التابعة لقوات فجر ليبيا. في بلدة العامرة قرب النوفلية ، وفي نفس المعارك لقي التونسي أحمد الرويسي ، المتهم باغتيال المعارضان شكري بلعيد و محمد البراهمي، حتفه. في أواخر مايو الماضي هاجم انتحاري تونسي نقطة تفتيش خارج مدينة مصراتة الليبية، ما أسفر عن سقوط 5 قتلى من ميليشيات فجر ليبيا. ونشرت مواقع مقربة من تنظيم "داعش" صورا للانتحاري "ابووهيب التونسي" منفذ العملية في تصريح لتبني داعش العملية الانتحارية واصفا العملية بأنها ضد "مرتدي فجر ليبيا".