تطرق الصحفي الإسباني لياندرو ألباني في مقال نشر على الموقع الإسباني لا هان علي موقع إسباني يهتم بالشأن السياسي والاقتصادي والجيوسياسي والثقافي إلى الانقسام الحاصل في ليبيا ، جراء الصراعات المستمرة بين مختلف "الميليشيات المسلحة" وتنامي نشاط "الجماعات الجهادية المتطرفة".
واعتبر أن هذا الأمر يعد نتيجة حتمية للتدخل العسكري الغربي سنة 2011 ، وتحويله البلاد إلى أرض خصبة لتدريب "الإرهابيين" وتهديد الأمن القومي لكامل المنطقة.
وذكر أن ليبيا تعيش حربا أهلية حقيقية وانقساما داخليا بين حكومتين وبرلمانين تتنافسان على السلطة وثروات البلاد، مشيرا إلى أن هذا الوضع له تداعيات خطيرة ليس على ليبيا فقط ، بل على الدول المجاورة وأوروبا نفسها، التي قادت الحرب ضد القذافي منذ ثلاث سنوات.
من يحكم ؟
وأشار ألباني إلى أن وصف ما يجري في ليبيا اليوم بالمرعب ليس مبالغا فيه، فالبلد يشهد انفلاتا أمنيا كبيرا واشتباكات مسلحة دامية، وسقوط قتلى بشكل متزايد ويومي ، جراء الصراع الداخلي الذي اجتاح كامل المناطق في البلاد.
وبيّن الكاتب أن ليبيا التي كانت تعد نموذجا يحتذى به من قبل بلدان قارة أفريقيا منذ سنوات، تحولت إلى أرض خصبة لتدريب الإرهابيين والمرتزقة لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن السؤال بشأن من يحكم ليبيا له إجابات متعددة.
وأوضح أن ليبيا تحكم اليوم من قبل حكومة رئيس الوزراء في طبرق عبد الله الثني، وهي تسعى دون جدوى إلى السيطرة على الأوضاع في البلاد، علما وأن هذه الحكومة كانت قد انبثقت عن مجلس النواب المنتخب والمعترف به دوليا، (مجلس النواب تم حله من قبل المحكمة الدستورية العليا ).
وأضاف ألباني أنه في ذات الوقت تخضع العاصمة طرابلس لسيطرة مجموعة من "الميليشيات الإسلامية،" أعادت إحياء المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته، الذي كلف بدوره عمر الحاسي برئاسة حكومة إنقاذ وطني.
وتأتي على رأس هذه المجموعات المسيطرة على العاصمة "ميليشيات" تنحدر من مصراتة، وهي من أهم المجموعات المسلحة التي دعمها حلف شمال الأطلسي (الناتو) إبان حربه ضد القذافي، مخلفا آلاف القتلى المدنيين، جراء القصف المتواصل طيلة ثمانية أشهر.
وأفاد الكاتب الإسباني أن نفوذ حكومة الحاسي يشمل أيضا مدينة بنغازي ثاني أكبر مدينة في البلاد، أين تواجه قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي أعلن منذ منتصف مايو الماضي حملة عسكرية ضد "الجماعات الإسلامية" في ليبيا.
يذكر أن مدينة بنغازي تعد منطقة استراتيجية ، حيث يوجد بها الميناء الرئيسي إضافة إلى مواردها الطبيعية.
وإضافة إلى هذه القوى هناك أيضا "ميليشيات إسلامية" أخرى تنشط في كل من الزنتان وسرت.
وأوضح الكاتب أن كل من هذه القوى ومراكز السلطة تحظى بدعم خارجي سواء من "ممالك الخليج" أو مصر وحتى من دول غربية.
انقسام
ولفت كاتب المقال إلى أن الفوضى الحاصلة في ليبيا لم تقف عند هذا الحد، بل انضافت إليها تطورات جديدة تمثلت خاصة في قرار المحكمة الدستورية العليا حل مجلس النواب المنعقد في طبرق والمعترف به دوليا.
وينضاف إلى ذلك الرسالة التي أعلنها زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي أن "الخلافة" قد تمتد من سوريا والعراق إلى السعودية واليمن ومصر وليبيا والجزائر(والغريب أنه لم يذكر المغرب الدولة المجاورة للجزائر، وهي دولة حليفة للولايات المتحدة).
وأفاد ألباني أن هذا الإعلان ليس بالغريب، خاصة وأن عديد المقاتلين قد وقع تدريبهم في ليبيا والتحقوا بعد ذلك بتنظيم "الدولة الإسلامية".
وذكر أيضا أن القذافي أشار إبان الأزمة في بلاده إلى وجود عناصر من "القاعدة" في ليبيا، لكن الولايات المتحدة -التي تقدم نفسها على أنها المحارب الأول للإرهاب-، لم تهتم لذلك ، بل على العكس قامت بشن حربها على ليبيا ، وقصف البلاد لمدة ثمانية أشهر وقتل الآلاف من المدنيين.
وأضاف ألباني أن العنف في ليبيا قد ازدادت حدته في الآونة الأخيرة ، حيث وقعت هجومات استهدفت سفارتي مصر والإمارات في طرابلس، علاوة على مقتل ثلاثة نشطاء وجدوا مقطوعي الرأس في درنة، بالإضافة إلى تفجيرات مدينة شحات ، أين كان المبعوث الخاص للأمم المتحدة يعقد اجتماعا مع وزراء حكومة عبد الله الثني.
وأفاد كاتب المقال أنه في ظل هذا المناخ الفوضوي تتجلى أكثر معالم الانقسام في ليبيا في إعلان جماعة غير نظامية بقيادة إبراهيم الجضران أنها ستضطر لإعلان استقلال شرق ليبيا في صورة دعم المجتمع الدولي للمؤتمر الوطني في طرابلس.
ومن المثير للسخرية حسب تعبير ألباني أن القوى التي كانت رأس حربة الإطاحة بنظام معمر القذافي ودعمت وسلحت "الميليشيات المتمردة"، أصدرت بيانا مشتركا تعلن فيه عن "قلقها العميق" بشأن "الاستقطاب السياسي" في ليبيا.
كما تعهدت حكومات هذه الدول (إسبانيا وألمانيا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا ومالطا والمملكة المتحدة) "بمساعدة الليبيين في هذا الوقت العصيب"، معتبرين أن "التحديات" الحالية "تتطلب حلولا سياسية".