بعد أسابيع طويلة،توقفت المعارك العنيفة بين ميليشيات متناحرة جنوبي طرابلس والتي أسفرت عن خسائربشرية ومادية كبيرة،وفتح ذلك الباب لعودة النازحين وإعادة فتح المطار الوحيد العامل في العاصمة الليبية،فيما إستبشر الكثيرون بعودة الهدوء إلى المدينة وتحقيق لمن والإستقرار فيها.

لكن واقع الصراع مازال يفرض نفسه بين الميليشيات التي تواصل العبث بأمن العاصمة،حيث اندلع القتال مجددا في بعض ضواحي العاصمة الليبية طرابلس، ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط"،عن مصادر أمنية وسكان محليون إن معارك جرت مساء أول من أمس بالأسلحة الثقيلة في محيط مناطق قرقارش والمدينة السياحية وغوط الشعال (غرب طرابلس)، في أحدث انتهاك من نوعه لهدنة أعلنت عنها بعثة الأمم المتحدة وحكومة السراج مؤخرا.


** إستهداف متجدد

وفي مشهد متجدد، أغلقت ليبيا،الثلاثاء 02 أكتوبر 2018، مطار معيتيقة الدولي في العاصمة طرابلس، بعد إطلاق صواريخ باتجاهه. وقالت سلطات المطار: "نظرًا لتكرار سقوط قذائف ليلًا على مطار معيتيقة الدولي، من قبل جهة غير مسؤولة لا تراعي حرمة الدم أو تعب وإرهاق المسافرين من المرضى والشيوخ والنساء والأطفال، ولسلامة المسافرين والعاملين وكذلك الطائرات، فقد صدرت صباح اليوم تعليمات بتعليق الرحلات من وإلى مطار معيتيقة الدولي لحين إشعار آخر".

وبعد ساعات من الإغلاق، أعلنت مصلحة المطارات التابعة لوزارة المواصلات بحكومة الوفاق، استئناف الرحلات من مطار معيتيقة الدولي، وأكد المسؤولون في المطار، في بيان، أن "الرحلات استؤنفت".وقال لطفي الطبيب مدير المطار:"تم الاتفاق على عودة الرحلات لمطار معيتيقة الدولي، وسنعلمكم بأي مستجدات فور ورودها إلينا".

وأعلن "حراك شباب طرابلس"، تبنيه عملية استهداف مطار معيتيقة الدولي التي أسفرت عن أضرار مادية بالمطار وتعليق حركة الطيران به لساعات.ونشر "حراك شباب طرابلس"، عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مقطع فيديو للقصف، موضحا "أن العملية تم خلالها استخدام صاروخ نوع راجمة 170، سقط قرب صالة وقبل نزول أحد الطائرات بـ 10 دقائق فقط".وأوضح الحراك أن أسباب استهدافه للمطار هو تواجد قوة الردع الخاصة التابعة لداخلية الوفاق داخل المطار.

وسبق أن أعلن "حراك شباب طرابلس"،مسؤوليته عن قصف مطار معيتيقة الدولي ،الثلاثاء 11 سبتمبر الماضي.وأظهر الحراك، في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعى "الفيس بوك" مقطع مصور  يظهر من خلاله "عملية إطلاق الصواريخ نحو المطار".وطالب الحراك كل الموظفين والعاملين بالمطار من الخروج فوراً و تسليمه للدولة وذلك قبل نحو ساعة من قصفه، مشددا على أنه حال عدم الاستجابة لمطالبه فإنه سوف يقوم بقصف المطار بالصواريخ.

وهدد الحراك،في بداية الأحداث قوة الردع التي تسيطر على مطار معيتيقة وسجنها الذي يتواجد به أكثر من 300 سجين، أغلبهم متهمون بالانتماء لجماعات إرهابية، مطالبًا إيّاها بضرورة إطلاق المساجين بعد صدور قرار من وزارة داخلية حكومة الوفاق بذلك.كما حذَّر جميع شركات الطيران سواء المحلية أو الأجنبية من استئناف رحلاتها من  مطار معيتيقة وإليه، في الوقت الراهن، مشددا على أن "المطار سيظل تحت قصف صواريخنا حتى تتحقق مطالبنا".

وتعرض المطار للقصف في عدة مناسبات من قبل الميليشيات المصارعة في العاصمة الليبية،وكان المبعوث الأممي غسان سلامة هدد في وقت سابق بكشف المسؤول عن إستهداف المطار،وقال سلامة:"نحن نعلم تمامًا من قام بقصف مطار معيتيقة مرتين،مضيفا نحن نعلم بهذا الطرف وهو يعلم أننا نعلم. ولذلك أستفيد من هذه اللحظة لأقول له: "المرة المقبلة سنسميه بالاسم.

وفي تصريح خاص لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية"،طالب أستاذ التاريخ السياسي بالجامعات الليبية، المختار الجدال، المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، بالكشف عن الجهة الواقفة وراء استهداف مطار معيتيقة الدولي.وقال الجدال،"قبل أسبوعين صرح غسان سلامة ممثل الأمين العام بخصوص مطار أمعيتيقة وإنه يعرف من يستهدفه إذا عاود الكرة، هاهو المطار يستهدف من جديد ونطلب من السيد غسان فضح الجهة التي تستهدفه، كذلك يجب أن نسلم بأنه ما لم يكلف الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر بدخول طرابلس وطرد المليشيات منها، فأننا سنرى هذا المشهد يتكرر".


** الترتيبات الأمنية

إلى ذلك،كشفت إدارة التواصل والإعلام برئاسة مجلس الوزراء التابعة لحكومة الوفاق،عن لقاء وزير الداخلية المفوض بحكومة الوفاق عبد السلام عاشور، الثلاثاء 02 أكتوبر 2018،مع عدد من مديري الأجهزة الأمنية، بديوان رئاسة الوزراء،وذلك لبحث آلية التنسيق الأمني بين الوحدات الأمنية.

وأشارت الإدارة إلى أن الاجتماع ضم كلاً من مدير أمن طرابلس "صلاح السموعي"، ومدير جهاز حماية البعثات الدبلوماسية "وسام بن جامع"، ومدير جهاز الأمن العام "جمال باشا"، ورئيس جهاز التمركزات الأمنية "عماد الطرابلسي"، وتم خلاله الاتفاق على وضع خطة أمنية بإشراف مديرية أمن طرابلس لتأمين العاصمة، والمقرات والمؤسسات والبعثات الدبلوماسية.

وفي غضون ذلك،طالبت القوة الثامنة – النواصي،المجلس الرئاسي بضرورة التعجيل بوضع جدول زمني لاستلام المقرات ومؤسسات الدولة للجنة الترتيبات الأمنية والقوة النظامية المكلفة.

وأوضح المكتب الإعلامي للقوة، أن اجتماع عقد،الاثنين،01 أكتوبر 2018،بمقر المباحث العامة بطريق السكة، ضم كل من المستشار الأول لرئيس المجلس الرئاسي ولجنة الترتيبات الأمنية والقيادات الأمنية المكلفة بتأمين العاصمة طرابلس، وبحضور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا حيث أبدت القيادات الأمنية استعدادها لتنفيذ الترتيبات الأمنية المتفق عليها بالتنسيق مع البعثة الأممية وذلك بتسليم مؤسسات ومقرات الدولة التي تحت حمايتهم للجنة الترتيبات الأمنية.

وبدورها،أصدرت لجنة الترتيبات الأمنية لطرابلس الكبرى بيانها رقم (2)، أشادت فيه بالجهود المبذولة من جميع الأطراف سواء على المستوى الأشخاص أو المؤسسات أو المكونات الاجتماعية ، والتي توجت بالاتفاق لوقف إطلاق النار.وأكدت اللجنة إستمرارها في عقد اجتماعات يومية خلصت أولاً إلى إحالة توصية إلى المجلس الرئاسي بتاريخ 25 سبتمبر المنصرم بشان حماية وتأمين مطار معيتيقة الدولي من خلال مؤسسات النظامية المختصة وبعناصر نظامية مؤهلة من الجيش والشرطة. 

وكانت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق قد أعلنت قبل أسبوعين، إعادة نشر قوات نظامية لتأمين مطار معيتيقة الدولي بالعاصمة طرابلس، وهو جزء من الترتيبات الأمنية الجديدة.وأعلن وزير داخلية الوفاق المفوض، عبد السلام عاشور، تكليف العميد خالد زهو التابع للإدارة العامة للأمن المركزي رئيسا لقوة مهمتها حماية منفذ مطار معيتيقة الدولي،بعد أن كانت  قوة الردع الخاصة التابعة لوزارة الداخلية تتولى تأمين المطار.

والأسبوع الماضي،كما أكد مبعوث الأمم المتحدة للدعم في ليبيا غسلان سلامة، على أن الاشتباكات التي حصلت خلال الفترة الماضيه "خلفت 120 قتيلًا و400 جريح و5000 نازح وعمليات خطف ونهب" وأن البعثة دفعت "باتجاه اتخاذ خطوات ملموسة ومتوازنة لبناء المؤسسات الأمنية" الوطنية.

وقال سلامة في كلمته إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة،أن "على السلطات الليبية مراجعة الترتيبات الأمنية في طرابلس لتغيير الوضع الراهن غير المحتمل وغير القابل للاستمرار". مشددًا على أن "الأمن لا يمكن أن يظل في قبضة المجموعات المسلحة".


** وضع خطير

وعلى مدى أكثر من شهر جرت اشتباكات بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة جنوب غرب طرابلس بين الميليشيات المسلحة،وتواصل سقوط القذائف العشوائية على السكان المدنيين في طرابلس داخل الأحياء السكنية وسقط العديد من الضحايا فيما نزحت العائلات والأسر الليبية الواقعة في مناطق الاشتباكات إلى مناطق أكثر أمنا.

وفي تقرير صادر عنها،الثلاثاء 02 أكتوبر 2018،وثَّقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مقتل 34 مدنيًّا وإصابة 23 آخرين بجروح، في الاشتباكات التي شهدتها العاصمة طرابلس، منذ 26 أغسطس الماضي وحتى أواخر سبتمبر،مؤكدة أن "استخدام الأسلحة واسعة المدى والقصف العشوائي تسبب في معظم الإصابات وسط المدنيين في طرابلس".

وقالت البعثة الأممية،حول "الإصابات في صفوف المدنيين - سبتمبر 2018"، إن "الاقتتال بين المجموعات المسلحة المتمركزة في طرابلس من جهة ومجموعة الكانيات المسلحة ومجموعة الصمود المسلحة وحلفائها من جهة أخرى، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 15 مدنيًّا وإصابة 22 آخرين خلال شهر سبتمبر، ليصل عدد الضحايا المدنيين منذ تصعيد القتال في طرابلس في 26 أغسطس إلى 34 حالة وفاة و23 إصابة بجروح".

وألقت إشتباكات طرابلس الضوء على مسألة إستتباب الأمن في المدينة،ورغم إتفاق وقف إطلاق النار فإن مراقبين عبروا عن خشيتهم من تجدد الفوضى أمام إستمرار إنتشار الميليشيات وعجز الحكومة عن كبحها. وفي تقدير للمخابرات الإيطالية نشره موقع "ديفسا"، الأربعاء 26 سبتمبر 2018، فإن المعركة الأخيرة أثبتت أمرين، الأول أن السراج غير قادر على إدارة الأمن في العاصمة الليبية، ففي الواقع قبل أن يحدث هجوم يوم الـ26 من آب/أغسطس بفترة وجيزة، أصدر السراج عدة قرارات أمنية وعسكرية كان يعول عليها بأن تجعل العاصمة في أمان ضد أي هجمات محتملة، وهو ما لم يحدث.

أما الأمر الثاني فإن الميليشيات التابعة لحكومة السراج ليست بالقوة التي تظهر بها، ولا تملك قدرات دفاعية متوسطة إلى طويلة الأجل، ولا يمكن أن تقاوم لفترة طويلة أمام هجوم مركز، ولا يستطيعون التعامل مع الكثير من الأعداء.وخلص تقرير "ديفسا" إلى أنه "من المرجح أن هذه الأيام لم تشهد المعركة الأخيرة في العاصمة".

وبدوره،قال قائد الجيش الوطني، المشير خليفة حفتر إن الوضع في العاصمة طرابلس لا يزال خطيرًا رغم محاولات الأمم المتحدة للتأسيس لهدنة بين الجماعات المسلحة.وأرجع المشير السبب إلى "شرعنة مليشيات مسلحة والاعتماد عليها في تأمين طرابلس وحماية مؤسسات الدولة فيها، وعدم وجود أي ضامن للسيطرة عليها، والتعامل معها وكأنها مؤسسات محترفة ومنضبطة".وفق ما أوردت وكالة "رويترز".

وأكد المشير أن الحل الدائم يحتاج الى إجراءات حازمة لإنهاء هذه المأساة، والا فان المواجهة المسلحة بينهم ستندلع في أي لحظة.كما انتقد المشير عدم الالتزام بموعد 16 سبتمبر لوضع إطار دستوري للانتخابات،مجدد دعمه لإجراء الانتخابات في موعدها،وأكد على إلتزام القيادة العامة للجيش بتأمين الانتخابات كما تعهدت.

ويأتي ذلك،في أعقاب تشكيك المبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة،في إمكانية إجراء الانتخابات الليبية في موعدها،حيث أكد في مقابلة مع "فرانس برس"، مساء السبت 29 سبتمبر/أيلول،أنه من الصعب الالتزام بالموعد المحدد في الجدول الزمني الذي أقر في باريس للانتخابات في ليبيا في العاشر من ديسمبر، بسبب أعمال العنف والتأخر في العملية الانتخابية.