تعيش ليبيا مؤخرا تطورات وأحداث متسارعة على جميع الأصعدة السياسية والأمنية والاجتماعية،وسط تحركات مكثفة اقليميا ودوليا لجمع الفرقاء الليبيين على طاولة الحوار بحثا عن حلول سياسية من شأنها انهاء الأزمة المستعصية في البلاد.

آخر هذه التطورات جاء مع اعلان إعلان رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، أمس الأربعاء، استعداده للاستقالة الشهر المقبل.وقال السراج في كلمة نقلها التلفزيون الرسمي "أعلن للجميع رغبتي الصادقة تسليم مهامي في موعد أقصاه آخر شهر أكتوبر.. على أمل أن تكون لجنة الحوار استكملت عملها واختارت مجلسا رئاسيا جديدا ورئيس حكومة".

وأشار  السراج إلى أن لجنة الحوار المعنية بتشكيل مجلس رئاسي ستختار رئيس حكومة يتسلم مهام رئيس وزراء خلفا له.واتهم أطرافا لم يسمها ووصفها بالمتعنتة بالعمل على عرقلة الحكومة بشكل لافت ومتكرر، مؤكدا أن كل هذه الأمور "جعلت الحكومة تواجه صعوبات وعراقيل جمة في أداء واجباتها على النحو الأمثل.

ووقال خلال حديثه "هذه هي الحقيقة وليست هربا من المسؤولية وإنما إقرار بالواقع. آثرنا الصمت لفترة طويلة لسبب وحيد وهو رغبتنا الصادقة في احتواء الجميع والتوصل إلى توافقات مرضية علنا نستطيع أن نعبر بهذا البلد إلى شاطئ الأمان".

ويأتي اعلان السراج بعد يوم من تأكيدات وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، أن السراج، يعتزم تقديم استقالته قريبا، وبقائه في منصب مؤقت من خلال المفاوضات لتشكيل حكومة جديدة، في جنيف الشهر المقبل.ونقلت الوكالة الإخبارية عن مصدرين قولهما إن السراج بإعلان استقالته فإنه يخفف بعض الضغط عن نفسه بينما يمهد الطريق للخروج بعد محادثات جنيف.

ويرأس السراج حكومة الوفاق منذ تشكيلها في طرابلس عام 2015 إثر اتفاق الصخيرات بوساطة أممية.وشهد المجلس الرئاسي تصدعات كثيرة كشفت عنها الاستقالات العديدة لأعضائه كما تصاعدت حدة الخلافات خلال الفترة الماضية بين السراج ونائبه أحمد معيتيق ثم بين السراج ووزير داخليته فتحي باشاغا والتي وصلت حد ايقاف الأخير عن العمل ثم عودته بضغوط تركية وفق تقارير اعلامية.

ومن جهة أخرى،يشهد غرب ليبيا منذ 23 أغسطس/آب الماضي، مظاهرات واحتجاجات ضد حكومة السراج، اعتراضا على تردي الأوضاع المعيشية وتدهور الخدمات وتفشي الفساد تحت شعار "ثورة الفقراء" بطرابلس والزاوية.كما شهدت مصراته احتجاجات هي الأولى من نوعها في المدينة منذ عام 2015

وسقط عدد من الجرحى إثر إطلاق نار من قبل المليشيات المسلحة على المتظاهرين سلميًا في طرابلس، كما ألقي القبض على عدد من المنظمين، وسط إدانات واسعة من منظمات محلية ودولية على رأسها بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا وهو ما وضع حكومة الوفاق في موقف حرج وزاد من حدة الخلافات في أروقتها.

التطورات في غرب ليبيا،تتزامن مع تطورات مشابهة في شرقها حيث أعلنت الحكومة المؤقتة، الأحد الماضي، استقالتها لمجلس النواب،وذكر الموقع الرسمي لمجلس النواب الليبي، أن الحكومة برئاسة عبدالله الثني تقدمت باستقالتها لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح وسيتم عرضها على المجلس للنظر فيها.

وجاء ذلك خلالاجتماع طارئ في مدينة القبة، جمع صالح بكل من: عبدالله الثني، ونائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الخدمات، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي، ورؤساء اللجان النوعية في مجلس النواب، ووزراء المالية، والصحة والاقتصاد.وبحث الاجتماع ضرورة "تلبية مطالب الشارع بشأن تردي الأوضاع الخدمية والمعيشية للمواطن، وفي مقدمتها أزمة انقطاع الكهرباء"، بحسب موقع المجلس.

وشهدت مدن شرق ليبيا،وعلى رأسها بنغازي والمرج والبيضاء، احتجاجات شعبية لـ3 أيام متتالية،بسبب انقطاع الكهرباء ونقص السيولة في المصارف وارتفاع سعر الدولار بالسوق الموازي والفساد الاداري والمالي بمؤسسات الدولة.

وأعلنت القيادة العامة للجيش الليبي في بيان لها عن "دعمها لحق التظاهر للشعب الليبي ضد تفشي الفساد، والأزمات السياسية والاقتصادية، وتردي الخدمات".وأكد الناطق باسم القيادة العامة للجيش الليبي اللواء أحمد المسماري، في بيان على "حق الشعب في التظاهر السلمي ضد هذا الواقع المرير الذي تسبب فيه بعض الخونة للوطن، وحصد شره المواطن الليبي".

هذه التطورات السياسية رافقتها تطورات أمنية لعل أبرزها عودة تنظيم "داعش" الى واجهة الأحداث في البلاد،وجاء ذلك مع اعلان الجيش الوطني الليبي مقتل عدد من عناصر التنظيم الارهابي خلال عملية نوعية استمرت 9 ساعات في حى عبد الكافى بمدينة سبها جنوب البلاد.وأوضح الجيش الليبى أن العملية نفذتها الوحدات العسكرية بالكتيبة 116 مُشاة والكتيبة 160 مُشاة التي تمكنت من القضاء بالكامل على الخلية الإرهابية التابعة لتنظيم داعش.

وقال المتحدث باسم الجيش الليبي أحمد المسماري، خلال مؤتمر صحافي،إن "منطقة الجنوب الغربي تتعرض لخروقات من قبل التنظيمات "الإرهابية"، وإن "الجيش تعامل مع عدة تجمعات".وأكد المسماري "مقتل أبو عبد الله الخليفة الجديد لتنظيم داعش في ليبيا خلال العملية".

وتاتي هذه العملية بعد شهر من اعلان الجيش الوطني الليبي   أن وحداته تمكنت من القضاء على خلية تابعة لتنظيم داعش، كانت تجهز لمهاجمة مواقع نفطية جنوب البلاد.وقال مسؤول عسكري من عمليات المنطقة الجنوبية في القيادة العامة للجيش وقتها، إن مجموعة داعش التي تم القضاء عليها في بلدة "غدوة" كانت تخطط لمهاجمة مرافق نفطية مهمة في الجنوب.

وتشير هذه الأحداث الى محاولات لاعادة احياء تنظيم "داعش" في ليبيا،خاصة بعد الحديث عن استعادة التنظيم لنشاطه بشكل لافت في مدينة صبراتة الواقعة غرب البلاد، حيث استقر آلاف المرتزقة الذين نقلتهم تركيا، ما بات يشكل خطورة على هذه المدينة الساحلية وإمكانية تحوّلها إلى بؤرة للإرهابيين.

وكان الجيش الليبي قد حذر في عدة مناسبات من نقل تركيا لعناصر إرهابية، ومتطرفة إلى الأراضي الليبية، واتهمها بتحويل غرب ليبيا معسكراً للدواعش.وتحدث خالد المحجوب، مسؤول التوجيه المعنوي في الجيش، عن استقدام تركيا "ثلاثة آلاف من عناصر المرتزقة السوريين، ومن بينهم أحد قيادات تنظيم داعش الإرهابي"، متهماً أنقرة بمحاولة إعادة "دولة داعش" في الغرب الليبي.

وعلى وقع هذه التطورات المتسارعة، تشهد الساحة الليبية تحركات دولية مكثفة للوصول الى تسوية سياسية في البلاد.فالأسبوع الماضي، استضافت مدينة مونترو السويسرية اجتماعاً تشاوريا بين الأطراف الليبية توافق خلاله المشاركون على إجراء انتخابات خلال 18 شهراً والبدء بإعادة تشكيل المجلس الرئاسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية.

وقبل ذلك استضافت بوزنيقة بالمملكة المغربية محادثات برلمانية ليبية-ليبية، بهدف توحيد المؤسسات السيادية في البلاد.كما اتّفق الطرفان على مواصلة الحوار و"استئناف هذه اللقاءات في الأسبوع الأخير" من شهر سبتمبر الجاري "من أجل استكمال الإجراءات اللازمة التي تضمن تنفيذ وتفعيل هذا الاتفاق".

وتعيش ليبيا منذ سنوات انقسامًا سياسيًا حادًا يمنع توحيد مؤسسات الدولة، فيما يتواصل وجود الميليشيات والتنظيمات الإرهابية والعصابات الإجرامية، التي مازالت تستبيح الأراضي الليبية وتسعى لإستنزاف ثرواتها بدعم من دول تقودها أطماعها في البلد الغني بالنفط، وهو ما يشكل خطرًا كبيرًا على المواطن الليبي الذي يعيش في دائرة معاناة مستمرة منذ سنوات.