تزامن الهجوم الاخير الّذي طال فندقا فخما بالعاصمة الليبيّة طرابلس - تبنّاه تنظيم الدولة الاسلامية فرع ليبيا - مع نشر هذا التنظيم بيانا مطوّلا اعتبر فيه بلاد عمر المختار بوّابته الإستراتيجيّة للتمدّد وتعزيز تواجده
في منطقة المغرب العربي معدّدا الخصال الّتي تتميّز بها ليبيا لتكون وجهة مغرية لمقاتليه باعتبار انها تغرق منذ اكثر من اربع سنوات في فوضى امنية وسياسية حادة.
تنظيم الدولة الاسلاميّة أكّد عقب الهجوم، أنّ عملّيتي تفجير السّيارة المفخّخة واقتحام فندق كورنثيا بطرابلس وماخلفاه من قتلى وجرحى، لن يكونا العمل الأخير في هذا البلد بل ستليهما هجمات اخرى، ممّا عزا بالبرلمان المعترف به من المجتمع الدولي الى طلب ضمّ ليبيا الى التحالف الدولي لمحاربة «داعش» في العراق وسوريا ، وهو مايطرح تساؤلات ملحّة وعاجلة عن شكل هذه المشاركة وحجمها .
ولئن تغيب الأرقام الدقيقة التي تحصي عدد مقاتلي تنظيم الدولة وعتاده وسلاحه في طرابلس، إلاّ أنّ المخاوف التي تستشعرها الحكومة اللييبة تتزايد يوما بعد يوم، لتظهر بشكل جلي حقيقة التهديد الارهابي المتنامي الذي يمثله الوجود الداعشي هناك ، حيث طالبت الحكومة الليبية كذلك برفع الحظر الدولي المفروض على سلاح جيشها نظرا للتهديدات الجدية التي توعّد بها التنظيم عبر شن هجمات متتالية ، تطال كل المرافق الحيوية في المدينة، وكذلك سفارات الدول الاجنبية والعربية على حدّ سواء . ويرى مراقبون ان هذه التطوّرات الاخيرة التي تعيشها ليبيا ستزيد من التحديات الامنية التي تواجهها السلطات المعنية بالإضافة الى الضبابية المخيمة منذ فترة طويلة على المشهد السياسي في غياب حلّ ينهي الصراع المحتدم بين مختلف الفرقاء.
بيان «داعش» الذي نشره موقع تابع للتنظيم بقلم احد قيادييه يدعى -ابو رحيم الليبي – جاء فيه انّ ليبيا تحتضن «مجاهدين» «لبّوا نداء الحق واستجابوا لأمر الله ورسوله ،قاموا بمبايعة خليفة المسلمين ابي بكر البغدادي الحسيني القرشي» ويقصد بذلك الجماعات المتطرفة التي اعلنت مؤخرا ولاءها للتنظيم ، واتخذت من عدة مناطق ليبية ملاذا آمنا لها على غرار مدينة «درنة» المتميّزة بجبالها المترامية وهو ما يسهّل اختباء المقاتلين فيها، هذا بالإضافة الى المعسكرات «الجهاديّة الحديثة» في شرق ليبيا ، والتي تضمّ أكثر من 200 مقاتل من جنسيّات مختلفة وفق ما أعلنته وزارة الدفاع الامريكية خلال شهر ديسمبر المنقضي بالإضافة الى انضمام « جماعة «انصار الشريعة» للقتال في صفوف هذا التنظيم ممّا يدلّ على توسّع رقعة نشاطه ونفوذه.
وتابع البيان الصادر عن «داعش» بالقول ان 99 % من سكان ليبيا من «اهل السنة المالكية» بالاضافة الى انّ لها» موقعا استراتيجيا وإمكانيات ضخمة يمكن الاستفادة منها بشكل كبير ، خاصة مع الانتشار المهول لأنواع السلاح والبعد الجغرافي للبلاد التي تطلّ على 6 دول هي مصر ، تونس الجزائر تشاد السودان النيجر».
وتبعا لما ذكره التّنظيم يرى مراقبون انّ إعلان عدّة تنظيمات جهاديّة متطرّفة في دول جوار ليبيا الستّ،ولاءها للخليفة «البغدادي» على غرار حركة «التوحيد والجهاد» بالجزائر المعروفة بتمركزها على الحدود الجنوبية والجنوب شرقية بين البلدين ، هذا بالإضافة الى انضمام كتائب جهادية اخرى تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب وجماعة «بيت المقدس» في شبه جزيرة سيناء المصرية ، و«جماعة الاعتصام بالكتاب والسنّة» في السودان، كلّ ذلك يضمن لداعش التمدّد واستغلال خلاياها النائمة في هذه الدول لتنفيذ مخططها التوسعي في منطقة المغرب العربي.
وعزا التنظيم توجهه لمنطقة المغرب العربي كذلك الى رغبته في تخفيف الضغط على التنظيم في كل من العراق وسوريا إلا ان المحللين المختصين في شؤون الجماعات المتطرفة أكدوا ان تقهقر «داعش في بغداد وسوريا هو من فرض على «داعش» البحث عن معقل بديل له ينتشر فيه السلاح المتطور باعداد تقدر بالملايين.
وللدلالة على أهمية القرب الجغرافي بين ليبيا وأوروبا، اشار ابو ارحيم في هذا البيان الى «كثرة الرحلات لما يسمّى الهجرة غير الشرعية في هذا الساحل، وبأعداد مهولة تقدر بحوالي 500 شخص يومياً على أقل تقدير، ونسبة كبيرة من هؤلاء يستطيعون تجاوز النقاط البحرية الأمنية، والوصول الى داخل المدن» معتبراً انه «إذا تم استغلال هذه الجزئية وتطويرها استراتيجياً بالشكل المطلوب، فسيقلب حال دويلات الجنوب الأوروبي للجحيم، وإذا توفرت الإمكانيات، يمكن إقفال الخط الملاحي واستهداف سفن الصليبيين وناقلاتهم».
ومع تنامي المخاطر الارهابية التي باتت تهدد منطقة المغرب العربي بكاملها ، يقف المجتمع الدولي عاجزا امام توسع نفوذ التنظيمات المتطرفة خاصة مع تنامي نشاطها في ليبيا هذه الفترة اذ يرى محللون انها باتت مرتعا للإرهاب تستقطب وتجند مقاتلين من جنسيات مختلفة ، لخلق جبهة صراع جديدة في القطر المغاربي لينضاف الى بؤر الصراع الموجودة في بقية اصقاع العالم.
جريدة المغرب التونسية