مازالت أصداء عملية إلقاء القبض على الإرهابي الهارب هشام عشماوي، من قبل الجيش الليبي يتردد صداها بقوة،حيث مثلت ضربة قاصمة للإرهاب، ليس في ليبيا فقط بل في المنطقة بصفة عامة، لكونه أحد أخطر العناصر الإرهابية، ويعتبر صندوقاً أسود يحوي الكثير من المعلومات التي يمكن أن تقود إلى ضربات أقوى للعناصر الإرهابية في المرحلة المقبلة، وتدعم جهود مكافحة الإرهاب خلال المرحلة المقبلة.

لكن هذه الضربة الجديدة للتنظيمات الإرهابية،ورغم أهميتها الكبيرة،،إلا أنها لا يمكن أن تكون كافية لتلمس حالة من الاطمئنان حول زوال خطر التنظيمات الإرهابية،خاصة في ظل مؤشرات إنتشار عناصرها في عدة مناطق في البلاد،وتواصل حالة الفوضى والانقسام في البلاد،التي تمثل بيئة خصبة للمتطرفين والعصابات المختلفة.

الانتخابات

وأمام خطورة الاوضاع فيها،يطرح خيار الإنتخابات بوصفه الحل الأبرز لتجاوز الإنقسامات.وأعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية،الأحد 14 أكتوبر 2018، عن "جاهزيتها العالية" لتأمين أية عملية انتخابية في البلاد من خلال حماية مراكز الاقتراع في مناطق سيطرتها.بحسب بيان نشره المكتب الإعلامي لقيادة القوات المسلحة عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك".

وأكدت القيادة في البيان أنه "يقع ضمن مسؤوليتها الوطنية والدستورية والقوانين واللوائح المنظمة لعمل المؤسسة العسكرية، وأنها معنية بحماية المسار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة".

ويأتي بيان القيادة العامة بعد أقل من أسبوعين على تصريحات لقائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، أكد فيها تأييده لإجراء انتخابات عامة في ديسمبر المقبل.ولم يُعلن حفتر في تصريحاته لـ"رويترز"، موقفه مما إذا كان سيترشح لها أم لا، داعيا إلى تأجيل الجواب إلى موعد تتقرر فيه الانتخابات".

وتطرق القائدالعام للجيش الليبي، في حديثه إلى أطراف لم يسمها قائلا إنها تحاول ألا تجري الانتخابات لأنها تُهدّد مكتسباتها السياسية، مؤكدا أن الجيش الوطني جاهز لأداء دوره في "حماية وتأمين الانتخابات".

وقال رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، في 25 سبتمبر/أيلول الماضي إن "المجلس سيلجأ لبدائل تمكّنه من إجراء الانتخابات، وتمكين الشعب من اختيار ممثليه وحكامه، وإنهاء هذه المرحلة بجميع مؤسساتها السياسية والتشريعية".

وشدد السراج خلال مداخلته في اجتماع وزاري حول ليبيا عقد في نيويورك، الشهر الماضي حسب بيان لمكتبه الإعلامي، على أن "المسار الديمقراطي لن يستمر رهينة لمجلس النواب (في إشارة لمجلس نواب طبرق شرقي البلاد)".

وطرح المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، في 21 سبتمبر 2017، خارطة عمل أممية تتضمن عدة نقاط من بينها إجراء انتخابات نهاية العام الحالي 2018.وعقد في باريس نهاية مايو/أيار الماضي،إجتماع ضم الأطراف الرئيسية في ليبيا، نص على مبادرة فرنسية تتضمن إجراء انتخابات في العاشر من ديسمبر/كانون الأول المقبل.

أزمة الشرعية

وفي غضون ذلك،أكد المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة،أن مشكلة "شرعية المؤسسات" لا تزال قائمة في ليبيا، وأن الخلاف في هذا الشأن معضلة لا تحل إلا بانتخابات؛ قال إنه يعمل على إجرائها في أمد قريب، مشيرا إلى العوائق التي قد تحول دون تنفيذ هذا الاستحقاق بحلول نهاية العام.

وأبدى سلامة،في مقابلة مع جريدة "الشرق الأوسط"،الأحد، معارضته لهيمنة أي ميليشيا على طرابلس، سواء من داخلها أو من خارجها، وذلك بعد أسابيع قليلة من وقف لإطلاق النار برعاية البعثة، بين ميليشيات عدة كانت تتنافس بالأسلحة الثقيلة للسيطرة على العاصمة. وقال: إن طرابلس "كيكة" يتطلع إليها الكل، لكن ليس هناك طرف قادر على فرض وجوده عليها بسبب تنوع أصول أبنائها قبلياً وجهوياً.

وشدد على أن البعثة الأممية لن تعترف بأي طرف عسكري يدخل إلى طرابلس بالقوة، ويمس الحكومة القائمة، كما أنها لن تقبل بتغول الميليشيات داخل طرابلس على الحكومة. وأوضح:"نحن نقبل بتغيير الحكومة وتغيير أعضاء المجلس الرئاسي، ولا نتمسك بأي شخص بعينه، ولكن لا نقبل بتفكير انقلابي، أو أن تأتي مدينة أو ميليشيا من خارج طرابلس وتغير الأوضاع السياسية بالقوة.

من جهة أخرى،قلل المبعوث الأممي، من تأثير التنافس الإيطالي الفرنسي في ليبيا على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، والذي كان مزمع عقدها في شهر كانون الأول/ ديسمبر المقبل، مشيرا إلى أن الانتخابات ستجرى في موعد لاحق، ولكنها "لم توضع على الرف" على حد قوله..

وأشار سلامة إلى أن "تاريخ العاشر من كانون الأول/ ديسمبر هو من اختيار الليبيين، الذين كانوا موجودين في فرنسا، وليس من اختيار ماكرون. وهو خيار الرجال الليبيين الأربعة الذين كانوا موجودين، وهم اقترحوا هذا التاريخ، وأنا كنت موجودا، ويمكن لي أن أشهد على ذلك"

وأضاف سلامة،"لو لم يكن الهجوم الإرهابي وقع على مفوضية الانتخابات، ولو كان لدينا قانون للانتخابات، لربما كنا استطعنا أن نجري هذه الانتخابات خلال شهر أو شهرين من الآن، ولكن هذه الأحداث أجلت الانتخابات. إذن تأجيل الانتخابات ليس سببه الخلاف الإيطالي — الفرنسي، الذي كان حادا وخفت وتيرته الآن".

مخاوف

على صعيد آخر،استقبل أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية،الأحد، غسان سلامة،رئيس بعثة الدعم الأممية في ليبيا، الذي يزور القاهرة حاليا،حيث أكد السفير،محمود عفيفي المتحدث الرسمي باسم الأمين العام، أن أبو الغيط ناقش مع سلامة آخر تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا والجهود التي تقوم بها الأمم المتحدة لحلحلة الأزمة الليبية، واستكمال المسار السياسي الذي يرعاه المبعوث الأممي، خصوصًا من أجل تجاوز الصعاب التي تقف أمام إتمام الاستحقاقات الدستورية والانتخابية التي يتطلع إليها الشعب الليبي.

وأوضح المتحدث الرسمي أن أبو الغيط جدد الإشادة بهذه المناسبة بالجهود التي يضطلع بها سلامة للتوصل إلى اتفاق وقف النار بين الميليشيات المتناحرة في العاصمة طرابلس، ووضع وإنفاذ الترتيبات الأمنية التي تهدف إلى تثبيت الأمن والاستقرار في المدينة.وأكد أبو الغيط أهمية التوصل إلى حل جذري وشامل ودائم للتهديد الذي تمثله الميليشيات والتشكيلات المسلحة كشرط أساسي لإنجاح المسار السياسي، وتهيئة الأجواء السياسية والأمنية المطلوبة؛ لإنهاء المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد.

وشهدت العاصمة طرابلس في سبتمبر المنقضي، اشتباكات وصفت بأنها الأعنف منذ سنوات وأدت إلى مقتل أكثر من مئة شخص وجرح العشرات، علاوة على الخسائر المادية الكبيرة.وتدخلت الأمم المتحدة لفض النزاع بين الميليشيات، ورغم الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فإن الكثير من المتابعين للشأن الليبي قد شككوا في إمكانية إلتزام الميليشيات.

ويرى مراقبون، إنه طالما أن السلاح لازال بحوزة الميليشيات، فلا يمكن أن يتوقف الصراع المسلح، وستشهد البلاد المزيد من الاقتتال والإنقسامات.وتتصاعد المخاوف من إستغلال التنظيمات الإرهابية للأوضاع المتردية في ليبيا وغياب سلطة الدولة،لتجاوز هزائمها وتنظيم صفوفها.

وفي تقرير لها،الإثنين الماضي،حذرت مجلة "ذي ناسيونال انترست" الأميركية،من أن الوضع الراهن في ليبيا بات ملاذا آمنا لتشكيل نسخة مستحدثة من تنظيم داعش الإرهابي، الذي يعد أكثر خطورة من التنظيم الراهن، مرجحة بأن يصبح أكثر فتكًا وقدرةً ،على شنّ عمليات أكثر تأثير ممّا كان عليه تنظيم داعش  نفسه في ذروة نشاطه في العام 2015.

وفي سبتمبر الماضي،قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية،أن الضربات الأمريكية التي بلغت نحو 500 ضربة تقريبا في عام 2016 دعما لعملية برية تقوم بها القوات الليبية، طردت تنظيم "داعش" من مدينة سرت، التي كانت أهم معاقله خارج العراق وسوريا.لكن الموارد والأموال التي نهبها التنظيم من سرت ساعدته في العودة من هزيمته ليُجند المسلحين ويعرض عليهم أجورا أفضل مقارنة بأي تنظيم آخر، كما حصل في الآونة الأخيرة على أموال من توفيره للحماية لعصابات الاتجار في البشر، بحسب مسؤول أمني غربي طلب عدم الإفصاح عن هويته كونه يتناول شأنا مخابراتيا.

وأوضحت الصحيفة أن الفراغ الأمني الآخذ في الاتساع فضلا عن تزايد العنف، أعطى التنظيم هذا المجال للمراوغة، مشيرة إلى أن ليبيا وهي موطن أكبر احتياطيات نفطية في أفريقيا، منقسمة بين حكومتين متنافستين وخليط معقد من الجماعات المسلحة مختلفة التوجهات وتفتقر لوجود حكومة فعالة.