ليبيا إلى الهاوية شعار اطلقه عبد الرحمن السويحلي أحد أبرز قادة ما يعرف بجماعة فجر ليبيا والتقفه يوسف أمين شاكير ليجعل منه عنوانا لأحدث اصدارته، واللافت أن مطلق الشعار وكاتب الكتاب كلاهما عارض العقيد معمر القذافي من الخارج وكلاهما تصالح معه ليفترقا في فبراير 2011 حيث رأى السويحلي في اسقاط القذافي انقاذا لها من الهاوية قبل أن يغير رأيه بعد سنة من انهيار النظام الليبي، في حين رأى شاكير في سقوط القذافي بتلك الطريقة ذاهبا بليبيا نحو الهاوية وهو ما يوافقه عليه السويحلي .
شاكير والجبهة :
شاكير انضم للمعارضة الليبية في الخارج ليكون أحد مؤسسي ما عرف وقتها باسم الجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا بقيادة وزير الدولة السفير الليبي السابق في الهند منتصف السبعنيات محمد يوسف المقريف، ليعلم استقالته من الجبهة في 1 ديسمبر 1987م حيث نشر استقالته في أربع صفحات تحدث فيها عن انحراف الجبهة عن ما وصفه بالخط الوطني لانقاذ ليبيا قائلا : " تدحرج خطأ الجبهة ككرة الثلج ليصبح خطيئة متكاملة الأبعاد ... فقد بات موقف القيادة من أي عضو مرهونا بما ينقله إليها أحد المساعدين.. لقد تراكمت لدى قيادة الجبهة ترسانة كاملة من المفردات اللغوية المخصصة للاتهام بالعمالة، فهذا عميل للموساد، وذاك للقذافي، وذاك للروس، ورابع لمدغشقر" ، مضيفا بلسان حال اليوم كأنما ينظر للغيب من وراء ستر رقيق : " فإذا قلتم إن النظام الذي نواجهه شرس وإن خبرة المجتمع الليبي بالسياسة محدودة، وإن منظمات المعارضة حديثة النشأة وإن المؤامرة الدولية لدعم النظام مؤامرة محكمة ..... إن المعارضة الليبية كما تمثلونها تحتاج بدورها إلى معارضة تنظفها مما علق بها من ممارسات خاطئة ومن عقول نضب معينها إلا من عبارات التبرير للقيادة وسب من ينتقدونها" ، ليختم استقالته بالقول : "إنني كمواطن ليبي عادي اخترت صفوف المعارضة حين رأيت ما حل بالوطن من كوارث"
الكتاب :
بهذه العبارة التي ختم بها استقالته من الجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا منذ 30 عاما بدأ كتابه الموسوم (ليبيا إلى الهواية .. الناتو وتمكين القاعدة في ليبيا) مسهبا : " الغربة الثانية التي أعيشها الآن أشق على النفس بسبب موقف سياسي أردت التعبير عنه ولكن هذه المرة بانضمامي للوطن ضد من كانوا رفقاء الأمس الذين خبرتهم بشكل لا يدعو للتأويل السياسي وعرفت مدى اختراق أجهزة الاستخبارات الأجنبية لهم"
جاء كتاب (ليبيا إلى الهاوية .. الناتو تمكين القاعدة في ليبيا) في 847 صفحة من القطع العادي، عن مكتبة مدبولي الصغير في القاهرة، تكون من فصل تمهيدي وثلاث أبواب كل منها تكون من عدة فصول.
في الفصل التمهيدي تحدث فيه تحت عنوان (ادراك الحقيقة المرة) تحدث فيه عن مفهوم الثورة معتبرا عدم وجود قيادة لثوارت ما يعرف بالربيع العربي في مصر وتونس أحد مقومات نجاحها في البداية " التنظيم والقيادة الهرمية إن كانت موجودة لكان من السهل وأد هذه الثورة بسهولة من خلال استقطاب القيادة سياسا وماليا" ، مستعرضا ما جنته الأنظمة الاستبداية في تونس ومصر بحسب وصفه على شعبيهما من مذلة ومهانة !!
أما عن ما جرى في ليبيا فيعتقد شاكير أن الاعلام المعادي للقذافي قام بشيطنته والعمل على عسكرة الحراك السلمي في ليبيا الذي بدا متماهيا في البداية مع الحراك في تونس ومصر، مضيفا أن السلطات الليبية تفاجأت بالانهيار السريع للأجهزة الأمنية والعسكرية في المنطقة الشرقية، بل وصل الأمر لترك السلاح في متناول المتظاهرين بعد هروب الجنود من ثكناتهم .
ويمضي شاكير في الفصل التمهيدي تبيان ما يصفه بالتشويش الاعلامي المتعمد وتزييف الحقائق عن الوقائع بحيث تم تصوير ما يحدث على أنه إبادة جماعية بحق المدنيين ، متهما دول الخليج العربي بتمويل عسكرة الحراك الشعبي في ليبيا بنحو ملياري دولار اضافة إلى 8 مليار دولار ميزانية الناتو في حربه لاسقاط القذافي .
ويعتقد شاكير إن عسكرة الحراك الشعبي كان بهدف تمكين معارضة الخارج مع مؤيدهم من الداخل من فرض واقع مسلح يستدعي التدخل العسكري الأطلسي "بهدف الاطاحة بالنظام السابق الذي يبدو أنه استنفذ غاياته لدى الغرب"
ويمضي المؤلف في تعديد المواقف الذي وقف فيها القذافي حجر عثرة أمام مخططات غربية وأمريكية في المنطقة العربية والافريقية والاسلامية ليخلص إلى القول : " إذا كان التغيير السياسي في مصر وتونس قد لبى مطالب استقلالية القرار الوطني وانهاء التبعية المذلة للخارج، فإن التغيير السياسي في ليبيا عمق من تبعية القرار السياسي وارتهان الوطن الليبي للخارج بشكل غير مسبوق ... فلولا النفط وانهاء احتكار الدولة الليبية له ما كان ليتدخل الغرب في ليبيا عسكريا تحت أي دعاوى انسانية أو سياسية، والدرس السوري خير شاهد"
ويواصل المؤلف تشخيصه لما حدث ويحدث إذ يقول : " تواجه ليبيا لأول مرة في تاريخها مخاطر الردة السياسية لوضعية ما قبل 24 ديسمبر 1951"
شاكير لا ينسى في هذا الفصل تحميل نظام معمر القذافي جزءا من المسؤولية فيما آلت إليه الأمور : " ثورة سبتمبر 1969 أخفقت في تلبية العديد من تطلعات وطموحات الليبيين على أكثر من صعيد" ، ليختم فصله التمهيد بالخشية أن تتحق مقولة ماركس " أخشى أن تصبح الحقبة التاريخية الحالية في ليبيا بشخوصها جزء من الأزمة وليس الحل المأمول"
الباب الأول : ثورة تسليم مفتاح للثوار
يمهد الؤلف لفكرته بالقول : " يكاد من الصعب توصيف ما حدث في ليبيا بكونه ثورة شعبية حقيقية لكون التغيير الذي حدث افتقد لأبسط مقومات الثورة بسبب عمليات التوظيف السياسي الخارجي الذي استند لاستراتيجيات ومصالح قوى اقليمية ودولية توافقت في لحظة تاريخية مع مطالب التغيير والاصلاح الداخلي"
ويمضي شاكير شارحا لهذه الفكرة ويعقد مقارنات بين الحالة الليبية ومثلها في اليمن والبحرين مبرزا تساؤل عن سر التحول في الموقف الغربي تجاه القذافي رغم العلاقات الوطيدة بينهما !!
إدارة الأزمة وسقوط النظام
تحت هذا العنوان طرح شاكير سؤالا يقول : " هل من كان من الممكن تفادي التغيير السياسي بمثل هذا العنف والتكلفة الباهظة التي دفعها الشعب الليبي من حاضره ومستقبله من خلال عمليات اصلاح شاملة تلبي مطالب التغيير الذي تم التعبير عنه بقوة السلاح؟"
وفي محاولته الاجابة على هذا السؤال ناقش "قابلية الأوضاع الليبية للانفجار الاجتماعي – السياسي" مقارنا بين ليبيا وتونس ومصر في عدة مجالات اقتصادية واجتماعية وسياسية، كما ناقش أيضا ما وصفه بـ"فشل النظام في إدارة أزمة التغيير السياسي" من خلال افراد مساحة للحديث عن ما وصفه بـ"مرحلة ما قبل الأزمة : مخاطر التحدي وفشل الاستجابة" ، و "مرحلة الأزمة السياسية ولحظة سقوط الأوهام" ، معددا ما سماه : "حقائق غابت عن وعي السلطة" حيث يرى بأن " النظام عبر ادارته غير الحكيمة سواء بالاستجابة الخلاقة للأزمة أو الدفع بالخيار الأمني لمداه بعث رسائل مباشرة بإمكانية سقوطه سريعا" ، ليطرح سؤالا ثانيا "لماذا ثار الليبيين على القذافي"، رغم أنهم غير محتاجين ماديا !! محاولا ايجاد جواب لهذا السؤال الذي تلهج به ألسنة عامة الشعوب في دول الجوال الليبي !!
ويكشف شاكير عن مقترحات قدمها لخلية إدارة الأزمة التي يأسف أنه رفضت بالكامل بسبب أحداث 25 فبراير 2011 في طرابلس، واستبدالها بالحل الأمني .
وفي فصله الثالث من الباب الأول تحدث شاكير عن "مرحلة ما بعد الأزمة : فشل الحفاظ على تماسك وقوة النظام" الذي بدأ مع تدخل حلف الأطلسي في الصراع الليبي الليبي حيث يرى أن القيادة السياسية لنظام القذافي أدركت بعد فوات الأوان أهمية الخيار السياسي، معددا خططا ومقترحات عرضت للخروج من المأزق قوبلت إما بالرفض أو تشويه التنفيذ ، مواصلا شاهدته على الأحداث حتى يوم تاريخ مقتل القذافي متسائلا : "أين الأشخاص الذين كانوا محتشدين أثناء القبض على القذافي؟ هل اعدموا لكي لا يدلون بأقوالهم ويسردون القصة الحقيقية؟ هل المعلومة التي تقول أن هؤلاء الأشخاص متواجدين في مساكن فخمة في ايطاليا صحيحة؟ لماذا قتل عمران المصراتي في فرنسا بعد تسليمه من بني وليد إلى ذويه؟ أين تقرير الـDNA الخاص بالعقيد معمر القذافي والذي قام به الاتحاد الأوروبي؟ لماذا اختفت جثة القذافي مثلما اختفت جثة أسامة بن لادن؟ لماذا لم تتواجد أي محطة تلفزيونية أو عربية أثناء الحدث ؟ "
ويختم شاكير الفصل الأول من كتابه بالقول أن "أكبر خطأ ارتكبه القذافي ووزير دفاعه أبو بكر يونس عدم مراقبة الضباط الخونة لفترة طويلة داخل المؤسسة الأمنية.... لقد سقط النظام ورموزه الأساسية لا لسبب سوى لحالة الانكار السياسي التي سيطرت على الجميع بما فيهم القذافي الذي لم يصدق أنه بعد كل التنازلات التي قدمها للغرب والانفتاح عليه سيتم زاحته بتلك السهولة"