الأيام الماضية وكل صباح بعد ان أوصل الأولاد للمدرسة وهربا من عزلتي لأكثر من ثلاث سنوات والتي قررت ان اكسر لها انفها ..اذهب وصديقي (خالد الإدريسي ) لنجلس بمقهى بالمدينة القديمة بجوار سور مدرسة (احمد قنابة ) لنترافق مع اصدقاء من الماضي الجميل نتحدث في كل شي إلا السياسة .
 
 

(لماذا  أقرر على كل مادار بيننا ، هذا التمني فقط..فالحقيقة إننا كنا نتجنب الحديث عنها لكنها بالمقابل كانت تفرض علينا بلادتها فلم نستطع أن نمنعها لكننا كنا نتداولها بالتقطير الممل ).


 
وفي مجمعنا ذاك كان يأتي مع احد أصدقائنا رفيق له دائم الابتسام ( ولما حدث بعد ذلك ولأنه ابن اسرة كريمة سأتجنب ذكر اسم ).


 كان رفيق جلستنا تلك نحن الفارين من انفسنا لانفسنا ، ومن حلا ل جمعنا بما تبقى من اطلال واسوار  مدينتنا  ، هناك حيث تزهر الذكريات  ، لكننا  ايضا صنعنا بعضها اثناء تبادلنا الحديث معا رفقة ماتناولناه من سجائر واكواب القهوة بذاك المكان العبق بعطر الماضي، باقواس طرابلس القديمة وبيوتاتها العتيقة  وبنسيم بحرها . 


 
في المرات الاخيرة كان  صديقنا هذا يختار أن يسحب كرسيه ليجلس لجواري كان يقارب الخمسيمن ا من العمر  كان لشوشا وعذب لحديث ..وكان يخصني بالحدي دنا عن الجمع المحيط وكأنه يعرفني من الف عام ، تحدثنا عن رفاق كانوا في الزمن القديم بيننا رغم كوننا لم نكن نعرف بعضنا حينها، حدثني إنه رغم ما يحدث وحدث له من مواجع .. ان له رغبة شديدة في الحياة فهو على ابواب الخمسين ولم بتزوج بعد ..  واضاف فرحا حين استشعر لمحة التشجيع بعيني .. نعم ارغب بذلك ولقد اخبرت والدتي برغبتي هذه .وقد وعدتني خيرا .
 
استمر لقائنا الطرابلسي الجميل لأيام ..لكني وفي اخريوم لامتحان صغيري وبعد أن اوصلته للمدرسة ..عدت لالتقي بخالد كي نمضي معا كما العادة لذك الهروب الجميل الذي احببته وتلك الجلسة بالقلب العتيق لمدينتي .


 
كان خالد في غير حالته ويشيح بوحهه بعيدا عني .. وعندما اصريت عليه ان يتحدث  الي ويطرد هواجسي  اخبرني أن اؤجل الذهاب لذاك المقهى هذه الايام ..استغربت لهجته واصراره على تغيير الحديث. لكننا بطرابلس في هذه السنوات العصيبات وكأن على رؤسنا جيعا ا الطير  وكأن قلوبنا تعودت على طعنات الفقد فماتت احاسيسها ..فلم يتركني خالد لحيرتي طويلا .كما إنه لم يطل علي في الشرح فسكب كاس اللوعة مباشرة بحلقي، قائلا: ماحدث باختصار يازكريا ..لقد افاقت ام صديقنا  باكرا هذا الصباح فوجدته بتارجح من سلم البيت وعنقه يتدلى بحبل .


(رحمه الله وغفر له ) قال خالد هذا وتركني بعد ان سحب مني ركبتّي ومضي هاربا لحال اكيد إنه ليس سبيله.


 
بدوري بالكاد تمالكت نفسي عائدا للبيت لكني عكس خالد فقد كنت هاربا لحال سبيلي .


 
عدت لعزلتي (وصوتا براسي يقول لما غادرت سجنك الصغير ايها المعتوه هل لتعرف ذاك الشاب وتحبه لايام ثم تفقده في ظرف ايام ايضا .. كثير علي قلبي الصغير هذا الذي يحدث ياربي ).


 
كان الاولاد عند جدتهم ( هذه النعمة الوحيدة التي حظيت بها بذاك النهار ) فاخدت ادور كمجنون بالبيت ..تارة اضع موسيقاي الصاخبة باذني ..ثم كمجنون ارمي السمعات وارفع صوت المرسكاوي من جهاز التسجيل ...ثم الوذ بالصديق المنشاوي لاستعيد تركيزي فاجدني من فرط مدامعي اكاد افقده هو الأخر فاسحبه عنوة كي لا افقده .. فاقفل علي نفسي زيادة في العزلة باب غرفتي (رغم كوني وحيد بالبيت ) اسحب قلم الرصاص من حقيبة الاولاد لأكتب وهذه المرة (ليس بالكيبورت ) على الورق مالم افهمه ابدا في الصباح التالي ..وووو..ياربي هذا الفقد الا متناهي يكاد يفقدني صوابي فهون علي مافات منه وامنحني صبر ايوب كي احتمل قوادمه ...
 
أما انت ( ايتها الذئبة  ..فخذيني من فمي بدات اتعب)

.
 
 

(احتراما للفقيد ولوعة اسرته تجاوزت ذكر اسمه)


مابين القوسين للشاعر (مفتاح العماري ) فشكرا مفتاح حتى في لوعة الفقد اجدك تهون علي