كشف الشاعر الليبي الكبير مفتاح العماري سبب رفضه الدعوة التي تلقاها من مهرجان أيام قرطاج الشعرية الذي افتتح الجمعة الماضي بتونس. 

وروى العماري أسباب رفضه الدعوة قائلا: مساء الثلاثاء 19 فبراير الماضي، تلقيت عبر خدمة sms Info رسالة من الشاعر عادل الجريدي (مشكورا) بوصفه عضوا بلجنة تنظيم أيام قرطاج الشعرية، تتضمن دعوتي للمشاركة. دعوة كريمة (في لحظتها) أسعدتني جدا.

وأضاف "استجابة مني لتلبية هذه الاستضافة التي تفضل بها الأشقاء في تونس، أرسلت في غضون ساعات معدودة، على البريد الالكتروني ما يفيد بقبول الدعوة، ومن ثم استعدادي للمشاركة، عبر رسالة تالية (ملحق)؛ لإرفاق الوثائق اللازمة (مستنسخ من الصفحة الرئيسة لجواز سفري، وملخص سيرة ذاتية)".

وأكد مفتاح العماري أن "الأمر انتهى عند هذا الحد؛ حتى مساء يوم أمس، الأحد 17 مارس 2019 لتصلني تذكرة سفر الكترونية (ذهابا وإيابا) حُدد فيها موعد رحلتي من طرابلس الى تونس يوم 26 مارس؛ أي بعد خمسة أيام من افتتاح أيام قرطاج الشعرية".

وأوضح "كنت قد قبلت الدعوة بامتنان، أولا: إكراما لقداسة الشعر الذي كرست له وفاء استثنائيا، كذلك للخروج من عزلتي التي دامت قرابة عشر سنوات بسبب علل الجسد من جهة، والأزمات التي يمر بها الوطن من جهة أخرى". 

وأكد العماري "كذلك كان المحرض الأكثر تحفيزا لقبول هذه الدعوة، يتعلق بالقيمة الجمالية التي تتمتع بها تونس كوطن ثان أودعته جزءا من ذاكراتي خلال عشريتي الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي، عبرت عنه مشاركاتي في عديد المناسبات الثقافية، تلبية لدعوات شرفت بها، من اتحاد الكتاب، ووزارة الثقافة وأخرى من مناطق الظل، مما ضاعف من ذخيرة الوجدان، وكسب أصدقاء أعتز بهم، وأحن أليهم وأتابع نشاطهم.

وأشار إلى أن الفترة ما بين موافقتي على تلبية الاستضافة، ووصول تذكرة السفر التي استغرقت قرابة ستة وعشرين يوما، لم أتلق (دعوة رسمية) أسوة ببقية الشعراء المدعوين من خارج تونس. 

وكشف مفتاح العماري "كذلك لم أخطر بأية إحاطة تتعلق بالاستقبال أو بعنوان الإقامة، أو بأجندة المهرجان؛ كإجراء تقليدي متبع في هكذا مناسبات، إجراء يُعفي الضيف من حرج السؤال. لهذا استعنت بوسائط الانترنت للاطلاع على بعض تفاصيل هذا الحدث الثقافي الدولي، قصد التعرف على البرنامج العام".

وأضاف العماري "خلال دقائق معدودة، كنت على إلمام بأهم عناوين هذا الحدث الشعري، بداية من حفل الافتتاح وأسماء الشعراء الذين اقترحوا لتدشين اليوم الأول، إلى يوم الشعر العربي، وأمسيتي الشعر الشعبي، مرورا بالمسابقات الشعرية وتلك الحصص التي خصصت لشعراء الضفة الأخرى".

ونوه الشاعر الكبير "في الأثناء تساءلت عن الحكمة الغامضة التي اقترحت تأجيل حضوري إلى اليوم الخامس من نشاط هذا المحفل، وعن المعايير التي سنتها اللجنة المنظمة في إضفاء قيمة احتفالية على من خصتهم بتلك الحظوة، دون غيرهم ممن يفوقون بعضهم خبرة وتجربة وقيمة، (سواء الذين انتخبوا ليوم الافتتاح أو لليوم الخاص بالشعر العربي) وعن المغزى من إيثار أسماء وتهميش أخرى. هل المسألة تتعلق بالقيمة الشعرية بوصفها تجربة ذات معنى جمالي وحمولة تاريخية لها ما لها من أرث أصيل يختزن تنوعا وخصوصية فنية، وإضافة حقيقية للمتن الشعري تستحق أن يحتفى بها دون غيرها؛ أم لدى القيمين في اللجنة المنظمة معاييرهم وحساباتهم وأسرارهم الخاصة بهم.

وقال "(بكل أسف وخيبة) لم أجد مسوغا لهكذا بروتوكولات مسيئة للشعر. الشعر الذي ينكل به تحت شعار " نحتفي بالشعر .. نحتفي بالحياة ". فهنا عوض تكريم الجمال، تستبدّ الأهواء وحدها، حيث لا براء من شبهة تشويه الجمال في محفله. وهذا ما يحدث حين تفسد النية، وتنحرف شعاراتُ الحفل، لتتواطأ مع غواية (المصلحة)، في حيزها المشخصن، وأن لا شيء يبدو نظيفا، أجل لا شيء، بما في ذلك وجه القصيدة التي عوض إنقاذها، تُمرغ في الوحل، وتتحول بفعل ثقافة الكسب إلى مسخ كريه". 

واختتم مفتاح العماري "لهذا؛ وفي غياب أي تفسير مقنع، كان لا مفر من التراجع عن الوعد، والاعتذار عن المشاركة، أولا: إنصافا للخيال الذي يفترض أن يُعد هذا المحفل بمثابة تكريم له، وثانيا: احتراما لكبر سني، وتجربتي الشخصية التي أفتخر بها وأذوّد عنها، وثالثا وأخيرا: إكبارا لمدونة الشعر في ليبيا، فلا يليق بنا الإيفاء بوعد قبول الاستضافة، طالما لم نلمس حدا أدى من الإنصاف تبعا لأجندة هذا المهرجان التي تضعنا في الخانة المهملة، لنكون فقط مجرد هامش مُزدرى. كنا نظن أن استضافتنا ستحاط بالمكرمة التي نستحقها، أي بما يليق بتجربتنا، بوصفها قيمة، بعيدا عن أية حسابات من خارج الشعر. لهذا أنا حزين. شكرًا أيها الأشقاء".