أصبحت أخبار توقيف المهاجرين الأفارقة عبر الحدود الجنوبية للجزائر، لا تخلوا من الأخبار وبيانات وزارة الدفاع الجزائرية ، وعادت مشاهد العائلات الأفريقية تتجول في شوارع المدن الجزائرية على الرغم من الظرف الصحي الذي تعيشه البلاد كباقي دول العالم جراء جائحة كورونا. الأمر الذي يكشف عن بداية موجات نزوح جديدة للأفارقة نحو الجزائر، فمنها من يستقر و منها من يواصل نحو ليبيا و تونس شرقا و المغرب غربا، لينتهي مصير بعض المهاجرين بين أيدي شبكات التهريب، أو الاستقرار في بعض المدن المغاربية تقضي أيامها بين احتراف التسول أو البحث عن لقمة العيش في ورشات البناء أو التجارة على ارصفة الطرقات 

وسبق أن تراجعت أعداد المهاجرين في الجزائر بسبب الترحيل إلى بلدانهم في السنوات الأخيرة، وتمكن آخرين من المغادرة ضمن رحلات الهجرة غير الشرعية نحو سواحل إسبانيا غربا بعد دخول المغرب، وإيطاليا من خلال ليبيا و تونس ، ولكن في المدة الأخيرة بدأت قوافل الأفارقة تلتحق بالجزائر هرباً من الفقر والحروب والإرهاب في الساحل الأفريقي، مع غياب ظروف العيش وانعدام التنمية في المناطق الصحراوية الشمالية خاصة بمالي و النيجر، وفي ظل التوتر الذي تشهده دولة مالي وتصاعد الاعتداءات الإرهابية في منطقة الساحل، واتجاه الوضع في ليبيا نحو الانفجار، تبقى الجزائر مهددة بنزوح كثيف مرتقب يثقل كاهلها، في وقت تواجه تحديات صعبة على كل المستويات وسط أزمة صحية خطيرة.


 و في هذا السياق صرح وزير الداخلية الجزائري كمال بلجود، أن ظاهرة تدفق المهاجرين الأفارقة تثير انشغال الجزائر، وخاصة في بعدها الأمني والإنساني. وشدد بلجود خلال لقاء مع وزراء داخلية عدد من دول الاتحاد الأوروبي شهر يوليو/ جويلية الفارط، "استعداد الجزائر وحرصها الدائم على توطيد التعاون مع مختلف الشركاء، من أجل التحكم الأفضل في تدفق المهاجرين غير الشرعيين وفق منظور متوازن أساسه التعاون والتضامن، مع مراعاة العلاقة بين الظاهرة وعاملَي التنمية والأمن لمواجهة تداعياتها على المنطقة".
 ووضعت الجزائر آلية جديدة من شأنها التكفل بالنازحين الأفارقة من دون تقييد حريتهم أو التعرض لكرامتهم، وفق التقاليد التضامنية مع الجيران والأشقاء، بحيث تسمح خطة العمل التي وضِعت بالتنسيق مع وزارات الداخلية والخارجية والدفاع والتضامن، بتتبع العدد الحقيقي للنازحين وتحديد سبل تقديم المساعدة لهم.
 
واعتبرت الحكومة الجزائرية خلال فترة النزوح اللافت للأفارقة في عام 2018، أن هؤلاء اللاجئين "يهددون أمن واستقرار الدولة في وقت تستغل فيه أطراف ملف الهجرة للضغط على البلاد". وأضافت أن "المهاجر غير الشرعي بحد ذاته لا يقلق الجزائر بقدر ما يقلقها ما وراء هذه الأعداد الهائلة من المهاجرين غير الشرعيين، لا سيما أن الأوضاع تشهد حالياً إعادة تصميم العالم وتوازن القوى بخاصة في قارة أفريقيا وما تزخر به من ثروات".

يمكن اعتبار الجزائر من بين أكبر البلدان المصدرة للمهاجرين إلى أوروبا، لأنها بلد حاضنة لعدد هائل منهم، و معظم أولئك الهاربين من الحروب والتقتيل والفقر والإرهاب في أفريقيا وبعض الدول العربية، وهي أيضا نقطة عبور مهمة لكثير من المهاجرين الأفارقة نحو الحلم الأوروبي

وبسبب الموقع الجغرافي الاستراتيجي للجزائر، واتساع حدودها البرية، جعلها بيئة خصبة لانتعاش ظاهرة المهاجرين غير الشرعيين بشكل متزايد، خاصة بالنسبة للأفراد القادمين من دول الساحل الأفريقي، والذين يعتبرون الجزائر وجهتهم المفضلة، خاصة مع تفاقم الاضطرابات الأمنية والاقتصادية التي عرفتها دولهم، لهذا يلجأون إلى الحدود متسللين عبر العديد من النقاط باحثين عن الملجأ والمأوى والاستقرار.

ويذكر أن الجزائر كانت  من بين الدول المصادقة على البروتوكول الخاص بتهريب المهاجرين برا وبحرا وجوا، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة العابرة للحدود، المعتمد من طرف الجمعية العامة سنة 2000 وترتب عن ذلك بعد سنوات، استخراج القانون رقم 09-01 المؤرّخ في 21 شباط/فبراير2009 هذه القوانين التي سعت الجزائر جاهدة لكي تطبقها بالتعاون مع دول الجوار والدول الأوروبية للحد من هذا التدفق.

وتدرك الدول الأوروبية، التي اتخذت في السنوات الأخيرة إجراءات صارمة بغلق حدودها والتضييق على موجات الهجرة بتشديد الرقابة على الموانئ والمطارات والطرقات، أن الجزائر هي من بين نقاط العبور المهمة إليها، لهذا سعت كثيرا للتعاون مع الحكومة الجزائرية بتشديد الخناق على موجات الهجرة، في المقابل، تعتبر الجزائر أيضًا مستقرًّا مؤقتًا أو دائمًا لكثير من العائلات والأفراد،  لهذا اتخذت سلطاتها وحكومتها الكثير من الإجراءات الرادعة خوفا من تفشي الجريمة والإرهاب العابر للحدود، بمراقبة وتحصين الشريط الحدودي من خلال التضييق الأمني على نقاط العبور والممرات السرية التي تسهل عمليات التسلل، وكذلك مراقبة تحركات الأجانب عبر التراب الجزائري، وعمليات تزوير الوثائق لتسهيل الإقامة، ومنع استغلال العمالة الأجنبية وإيوائها، وتسهيل نقلها عبر المواصلات العامة والخاصة.


ضغط موجات الهجرة

أكد رئيس المهمة بالمنظمة العالمية للمهاجرين في الجزائر العاصمة، باولو جيوسيبي كابوتو،  أن الجزائر تستقبل عددا مهما من المهاجرين يوميا، هذا العدد الذي يفوق نسبة المهاجرين التي تستقبلها كل الدول الأوروبية مجتمعة

وحسب تصريح المسؤول، فإنّ" الجزائر تخضع لضغط قوي من موجات الهجرة، ومن الطبيعي أن يتخذ المسؤولون إجراءات احترازية للتحكم في هذا التدفق، وقال متأسفًا أن هناك طرقًا تنتهجها الجزائر  للتحكّم في هذا التدفّق من بينها الإعادة القسرية، وهي الطريقة التي أكد أنها تُنتهج في العديد من الدول في العالم".

أضاف كابيتو أن"الجزائر تستقبل يوميًا تدفقًا هائلًا للمهاجرين غير الشرعيين، وأنه حسب إحصائيات الحكومة الجزائرية التي تمتلك السيادة على حدودها، فإن الوافدين عبر الحدود بلغوا معدل 500 شخص في اليوم وبطريقة سرية، منتشرين عبر كل التراب الجزائري، وهذا يشير إلى أن الجزائر لوحدها تستقبل عددًا هائلًا من المهاجرين، يفوق ذلك الذي تُحصيه  جميع الدول الأوروبية". 

من جهة أخرى، قال السيد كابيتو إن هناك "خيارًا آخر يُمَكِّن المهاجرين من العودة إلى بلدانهم لكن مع الكثير من المكاسب لهم وللدول العضوة في المنظمة العالمية للمهاجرين، وذلك من خلال مساعدتهم على العودة الطوعية وإعادة إدماجهم في بلدانهم".

وبحسب كابيتو فإن هذه الطريقة تمكن كثير من المهاجرين من العودة إلى ديارهم في ظروف حسنة وبكل كرامة، مع توفير أحسن الظروف الأمنية لهم، كما أنهم يستفيدون خلال هذه العملية من المساعدات الطبية، على حد تعبيره.

وفي السياق ذاته، أشار المتحدث إلى أن المنظمة العالمية للمهاجرين قد اعتمدت عنصر إعادة الإدماج في إجراءات العودة الطوعية، وهذا يسمح للمهاجرين حسبه، بالعودة إلى ممارسة حياتهم الطبيعية في بلدانهم بفضل الدعم البسيكولوجي والاقتصادي أيضًا.

يستطرد أن "هذا الإجراء يتلقى الدعم الكامل من طرف الدول العضوة في المنظمة العالمية للمهاجرين، ولا يقتصر فقط على دعم الدولة الجزائرية فقط".

تناول باولو جيوسيبي كابيتو أيضًا، مسألة السياسة المتبعة من طرف السلطات الجزائرية لمجابهة موجات الهجرة المستمرّة، خاصة تلك القادمة من المناطق الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى، وقال المتحدّث أن" الجزائر تمتلك القدرة على أن تكون الدولة القدوة إفريقيا في تسيير موجات الهجرة".


إحصائيات متباينة

كشفت المنظمة العالمية للمهاجرين في وقت سابق إحصائيات بين 50.000 و 75.000 مهاجرًا يعيشون على التراب الجزائري في وضع غير قانوني، من بينهم 42٪ لا ينوون الهجرة نحو أوروبا، بل في الحقيقة، هم يريدون العيش والعمل والاستقرار في الجزائر.

أما السلطات الجزائرية، فقد كشفت بدورها عن إحصائية لـ 100.000 مهاجر سرّي داخل الجزائر، من بينهم 25.000  وحدهم ، يعيشون في ولاية تمنراست، أقصى جنوب البلاد.

و تلتزم السلطات الجزائرية الصمت تجاه مشهد يتكرر يوميا، مهاجرون يعيشون في مخازن مهجورة ومتصدعة في إحدى محطات نقل المسافرين بمدينة وادي سوف جنوب شرق العاصمة. وقدم غالبية هؤلاء المهاجرين من دولة النيجر، واقع لا يمكن الفرار منه، يرسم حياة تعمها الفوضى لمهاجرين غير شرعيين أفارقة يعيشون في أكواخ وخيم كرتونية صنعوها بأنفسهم ولم تلتفت الدولة لهم. والأغرب هو أن السلطات الرسمية والأمنية للمدينة تلتزم الصمت المطبق حيال هذه المخيمات الشبيهة بالمعسكرات، دون ملاحقة أو عمليات توقيف أو ترحيل جماعي تذكر.

في المقابل لا يكترث هؤلاء المهاجرون لحجم المعاناة التي يتعايشون معها يوميا في هذه الأكواخ الرهيبة في ليالي الشتاء الباردة وفي أيام الصيف الحارة، حيث لا مراحيض فيها ولا حمامات، كل ما هنالك هو أربعة جدران فقط من الكرتون ملفوفة بقصاصات من النايلون تحميها بعض الشيء أمام الرياح والعواصف التي تشهدها المنطقة هذه الأيام.


جمع المال الكافي لمواصلة رحلاتهم نحو أوروبا

يستحيل الحصول على صفة لاجئ في الجزائر، كما تغيب سياسة استقبال اللاجئين فيها، في حين يتواصل قدوم المهاجرين الأفارقة بحثا عن لقمة العيش، بعضهم يضطر للتسول، وآخرون يعملون في ورشات البناء إن توفرت فرصة للعمل. ويسعى هؤلاء إلى جمع المال الكافي لمواصلة رحلاتهم نحو أوروبا، بسبب استحالة الحصول على وثيقة تثبت صفة اللجوء في الجزائر في ظل غياب سياسة للاستقبال حسب المعايير الدولية المعمول بها.

وبانتظار صدور إشعار أو قرار جديد في شأنهم، يعيش هؤلاء المهاجرون دون وثائق ثبوتية، بعكس ما يفرض القانون الجزائري. وهذا ينطبق على المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء الكبرى المجبرين على العيش في ظروف مزرية في هذه المخيمات العشوائية المنتشرة في الأماكن العامة.

وأصبحت هذه المخيمات مساكن يقصدها الوافدون الجدد من المهاجرين غير الشرعيين، خصوصا الشباب والرجال منهم الذين يعتقدون أن الجزائر حاليا تشكل أفضل وجهة للاستقرار المؤقت مقارنة مع باقي الدول الأفريقية التي يشهد أغلبها توترا وأوضاعا اقتصادية مضطربة، ولأن كسب المال هنا قد يكون أسهل بكثير من دول أخرى.


الوجهة المفضلة للمهاجرين

تعتبر الجزائر حاليا الوجهة المفضلة للمهاجرين الأفارقة مقارنة بالدول الأفريقية الأخرى، أما العين فتبقى على الحلم الأوروبي. وأصبحت الجزائر منذ عام 2011 الوجهة المفضلة للمهاجرين رغم المصاعب التي يرزحون تحتها في هذه الأكواخ وبين الجدران الكرتونية، لكنهم لا يترددون في القدوم إلى هنا لينتشروا بعدها في غالبية الأراضي الجزائرية للعيش حتى أجل غير مسمى داخل المدن والمناطق الجنوبية والصحراوية حيث تتوفر الحرية فيها أكثر من مدن الشمال الجزائري. وعليه يلبثون أشهرا، قد تمتد لسنوات طويلة، أملا بالانتقال لاحقا لبلوغ السواحل الأوروبية.