سلط موقع منظمة مشروع مكافحة الجريمة المنظمة والفساد –موقع أسسه الصحفيان بول رادو و دروسوليفان لتتبع ومكافحة الفساد والجريمة المنظمة- الضوء على حجم فساد كل من المسؤول الليبي السابق علي إبراهيم دبيبة وصديقه رجل الأعمال الليبي أحمد لملوم.

وقال الموقع إنه يجري التحقيق مع رئيس سابق لهيئة حكومية ليبية خدم في ظل فترة حكم الزعيم الليبي الراحل معمرالقذافي وكذلك في الفترة التي أعقبت ذلك لأنه يعتقد أنه سرق 20 في المائة من قيمة العقود التي تعاملت بها الهيئة.

ويكشف مستند جديد مسرب أن المسئول السابق ربما استخدم ما لا يقل عن 16 حسابًا مصرفيًا وسبع شركات في قبرص لتنفيذ هذه الجرائم المزعومة.و تشكل الآليات التي تم الكشف عنها حديثًا جزءًا من إمبراطوريته العالمية المخفية التي تضم أكثر من 100 شركة وممتلكات عقارية فاخرة وأصولًا أخرى.

ومن عام 1989 حتى عام 2011  سيطر علي إبراهيم دبيبة  -الذي كان في السابق عمدة مدينة مصراتة - على مركز تنمية  وتطوير المراكز الإدارية  وهي منظمة حكومية كبرى مكلفة بتطوير البنية التحتية للبلاد. وخلال فترة توليه منصبه  منح دبيبة 3091 عقد بقيمة إجمالية 45.4 مليار دينار ليبي -33 مليار دولار أمريكي-. وفي مقابلة مع مجموعة أكسفورد للأعمال  قال دبيبة إن ميزانية المنظمة الحكومية في عام 2008 كانت 6.8 مليار دولار.

وتعتقد السلطات الليبية التي تتخذ من طرابلس مقرا لها أن دبيبة قد اختلس ما بين 6 إلى 7 مليار دولار من هذا المبلغ باستخدام تقنيات مثل فرض "عمولات" مفرطة ومنح عطاءات لشركات مرتبطة به أو يمتلكها سراً. وفي عام 2013  أطلقت السلطات تحقيقاً جنائياً في أنشطته بالإضافة إلى شقيقه يوسف إبراهيم دبيبه وابنيه إبراهيم علي دبيبة وأسامة دبيبة. كما قاموا بتجنيد محققين دوليين في محاولة لاستعادة الأصول التي تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة، حتى أنهم عرضوا نسبة من الأموال كمكافأة مكتسبة.

وعقب أحداث 2011 حوّل دبيبة ولاءه إلى المتمردين. مع انزلاق ليبيا إلى حرب أهلية وحشية أودت بحياة الآلاف من أبناء البلد، كانت إمبراطوريته الخارجية مستعدة لخدمته بشكل جيد من أجل حياة في المنفى -يعتقد أن دبيبة يعيش في اسطنبول-.

وتكشف الوثائق المالية الجديدة التي تسربت إلى المراسلين  وكذلك المقابلات مع مسئولين ليبيين يحققون في ملفات دبيبة عن كيفية عمل مخططاته.

وتورطت قبرص في جزء من معاملات المسؤول الليبي. إذ استخدام دبيبة نظام الخدمات المالية للبلد شديد الحساسية نظرا إلى جهودها الأخيرة لتحسين صورتها التقليدية كملاذ لمجرمي غسيل الأموال.

ولقد أمضى مراسلون من منظمة إيطالية تكافح الفساد ومراسل مستقل يعمل لحساب مشروع مكافحة الجريمة المنظمة والفساد في قبرص الأشهر الستة الأخيرة في تتبع مسار بعض هذه الاموال المفقودة والأغراض التي استخدمت فيها.

كان صعود علي دبيبة سريعا مربحا له، فمدرس الجغرافيا الذي ولد على الأغلب في عام 1945  أصبح  رئيس بلدية مدينة مصراتة الساحلية بعد فترة قصيرة من تولي القذافي السلطة في عام 1969. وفي عام 1989 بدأ دبيبة العمل في منظمة تنمية المراكز الإدارية  حيث عمل كمدير لها في الفترة من عام 1989 إلى عام 2011.

كان الغرض من هذه المنظمة استخدام بعض الثروة النفطية الكبيرة في ليبيا لتطوير البنية التحتية العامة في البلاد. وبصفته رئيسها  لعب دبيبة دورًا حاسمًا في التفاوض على العقود والإشراف على المدفوعات للموردين. لكنه كان لديه أيضا ولاءات أخرى. وتظهر الوثائق أنه بينما كان يعمل في المنظمة أدار عدة شركات في الخارج استفادت من دوره الرائد في الوكالة.

ويبدو ان حكام ليبيا الجدد ليسوا على استعداد لغض الطرف عن تغيرات ثروات دبيبة. وفي عام 2012  إلى جانب الليبيين الآخرين الذين يحتفظون بأصول مسروقة  تم وضعه على القائمة السوداء من قبل المجلس الوطني الانتقالي في طرابلس، عند هذه اللحظة فر دبيبة  من ليبيا.

وطلبت السلطات الليبية  من الإنتربول اصدرا مذكرة توقيف دولية  في محاولة للقبض عليه بتهمة اختلاس الأموال العامة وغسيل الأموال وإساءة استخدام السلطة والفساد، لكن الوثيقة لم تعد سارية. ووفقاً لموقع إخباري ليبي نقل عن وسائل الإعلام الاجتماعية   فقد أدت مذكرة الإنتربول إلى توقيفه في سبتمبر  2014. -ولم يعلق الإنتربول على سبب سحب المذكرة وأحال  المراسلين إلى السلطات الليبية التي لم ترد على طلبات التعليق-.

ومن بين الوثائق التي حصل عليها المراسلون عشرات الفواتير التي صدرت للعديد من الشركات المملوكة لدبيبة ، والتي تبين كيف أنه منح عقوداً لشركات تابعه له أو تقاضى عمولات تصل إلى 20 بالمائة على العقود الحكومية التي تفاوض بشأنها.

وتحتوي الملفات المسربة أيضًا على سجلات رقمية لما لا يقل عن 16 حسابًا مصرفيًا شخصيًا لدبيبة في قبرص مع كل من البنوك القبرصية والأجنبية. كما تظهر مجموعة من الاستثمارات تبلغ قيمتها ملايين الدولارات الأمريكية، وهو مبلغ يصعب جمعه على دبيبة إذ قال المحققون الليبيون إنه راتبه الرسمي ODAC – 12000كان بين 12 ألف  جنيه إسترليني فقط في السنة.

وفي المجمل يتتبع المحققون الليبيون أكثر من 100 شركة حول العالم تتعلق بدبيبة  بما في ذلك 65 في بريطانيا، و 16 في جزر فيرجن البريطانية، و22 في مالطا، وستة في الهند، وثلاثة في ليختنشتاين. وقد طلبت السلطات الليبية من وكالات إنفاذ القانون في جميع هذه الدول المساعدة القضائية في التحقيق.

لكن كل جرائم دبيبة بدأت في شرق البحر المتوسط  في جزيرة قبرص  حيث عاش دبيبة لفترة من الزمن.

وكانت قبرص موقعًا جذابًا لأي مسؤول ليبي لإنشاء شركات خارجية بينما كان بلده يخضع لعقوبات الأمم المتحدة. إذ قدمت الجزيرة خدمات مصرفية سرية وليس لديها إطار لمكافحة غسيل الأموال وتتمتع بمعدل ضرائب منخفض للشركات.

ويبدو أن دبيبة استخدم ما لا يقل عن سبع شركات في قبرص، واثنتين في كندا وثلاث في ليختنشتاين ، لإرسال الفواتير إلى المنظمة الحكومية الليبية ولتحريك واستثمار الأموال المسروقة.

كان دبيبة يعمل أو يمتلك بعض هذه الشركات وكلها مرتبطة بصديق قديم له أثبت أنه شريك مفيد في الجريمة وهو رجل الأعمال الليبي أحمد لملوم.

وقام لملوم  -أحد معارف دبيبة القدامى الذي توفي في عام 2014 - بمساعدة دبيبة على تأسيس إمبراطوريته الخارجية والحفاظ عليها ،بالإضافة إلى المشاركة في الغنائم.

إن مقدار متانة علاقتهما تظهر بوضوح  في الثقة التي يبدو أن دبيبة وضعها في صديقه. وكما كتب المحاسب الرئيسي لشركة "لملوم" في رسالة أرسلها في عام 2000 إلى مدير مصرف كريديه سويس ، فقد كان لدى لملوم توكيل رسمي لتمثيل دبيبة أمام البنك السويسري. وفي عام 1998  تزوجت ابنة دبيبة آمنة من ابن شقيق لملوم هاني لملوم.

وإحدى الشركات التي استخدمها الرجلان معاً - وربما كانت الأكثر أهمية في خططها - هي شركة Fabulon Investments ومقرها قبرص ، والتي أعيدت تسميتها فيما بعد إلى Global Business Network International.

وفقا لموقعها على شبكة الإنترنت  هذه الشركة اليوم متخصصة في المعدات المكتبية ، لكنها كانت أكثر من ذلك ، حيث لعبت دوراً رئيسياً في سرقة أموال الدولة الليبية. فبالإضافة إلى حصولها على جزء كبير من الأموال عملت الشركة كمقر رئيسي لبعض الشركات الأخرى  المملوكة لدبيبة.

وتم تسجيل لملوم كمالك لشركة " Fabulon Investments" مما يعني أن أرباح الشركة في نهاية المطاف تراكمت لديه على الورق على الأقل. أما بالنسبة لدور دبيبة فإن الوثائق المسربة تشير إليه بشكل مختلف كموظف في الشركة ورئيسها ، وأيضاً "الموقّع الوحيد على معظم الحسابات المصرفية للشركة في قبرص وسويسرا وإنجلترا". وثيقة تتعلق بحساب Fabulon المصرفي في قبرص فرع من بنك Hellenic يعطي دبيبة منصب مدير إداري.

بين أغسطس 1997 وسبتمبر 1998  قدمت الشركة ما لا يقل عن تسع فواتير إلى الوكالة الليبية للحصول على طلبيات كبيرة من مواد البناء والمفروشات. وكان إجمالي مبلغ الفواتير يتجاوز 5.4 مليون دولار.

وفي عام 1994  ادعى دبيبة أنه مستشار أعمال لشركة Nuvest Consultancy وهي شركة مقرها قبرص.

وليس من المعروف ما هي نسبة هذه الأموال التي قد تجد طريقها إلى حسابات دبيبة الشخصية أو ما إذا كان قد تلقى أي عمولات مقابل عقود الوكالة الحكومية الليبية التي وجهها نحو شركته بقبرص،  -المعروف أنه عندما كان يكسب 12ألف جنيه إسترليني سنوياً من الوكالة الليبية ، كان يسحب أيضاً مبلغ 90 ألف دولار من الشركة كراتب سنوي-. 

بالإضافة إلى شركة Fabulon - التي لا تزال نشطة حتى يومنا هذا تحت اسم Global Business Network International – استخدم دبيبة ولملوم العديد من الشركات القبرصية الأخرى للحصول على أموالهم وأضفاء الشرعية عليها.

ومن بين هذه الشركات شركة Midcon Ltd، وشركة Berk Holding Ltd، وشركة Olexo Ltd. ، وشركة Murhead Ltd ، وكلها إما كانت لديها معاملات مع الوكالة الليبية الحكومية  أو أخفت الأصول المزعومة، أو قامت بالامرين.

وواحدة من هذه الشركات Olexo كانت تستخدم لإدارة أصول دبيبة العقارية، واستئجار عقار واحد في مقاطعة سري البريطانية مقابل 3الاف جنيه إسترليني في الشهر في عام 2006. وعقار في نفس المقاطعة بـ  3500 جنيه استرليني في الشهر. -كانت هذه الممتلكات التي كانت تبلغ قيمتها مليوني جنيه استرليني في عام 2014 مملوكة لشركة أجنبية آخرى  تابعة لدبيبة).

وتقدم الوثائق المتعلقة بـ Olexo أدلة ثابتة على علاقة العمل الوثيقة بين لملوم ودبيبة  وعمل شركة المحاماة القبرصية التي ساعدتهما على جعل المخطط ممكنًا.

بعد سنة 2011  لم تعد الخطط السابقة للرجلين ممكنة فاضطرب دبيبة ولم يعد في وضع يسمح له بتأمين عقود مربحة. لكن هناك أدلة على أنه لمرة واحدة على الأقل  تمكن لملوم من الاستمرار في عقد صفقات مربحة على حساب الدولة الليبية. ففي عام 2013  قامت إحدى الشركات التي كانت تحت سيطرته ببيع أرفف لمزود خدمات الاتصالات في الدولة مقابل 182 ألف يورو بمساعدة "وسيط" حصل على عمولة بنسبة 10٪ دون المشاركة فعليًا في الصفقة. وتشهد المراسلات الداخلية التي يراها المراسلون على حقيقة أن السعر قد تم تضخيمه بشكل مصطنع لمراعاة عمولة اللجنة.

وجلبت أصول لملول أخيرا الانتباه في قبرص، فبعد وفاة لملوم في سبتمبر عام 2014  طلبت سلطات الضرائب القبرصية من مديري أملاكه  وشركة أندرياس نيوكليوس وكريستوس للخدمات القانوينة  وابن لملوم سامي شرح أصوله ووجود 2.6 مليون دولار في حساباته المصرفية في اثنين من البنوك في الجزيرة بين عامي 2008 و 2013.

وكتب مسئول الضرائب القبرصي تاسوس كونستانتينو في عام 2015 إلى شركة المحاماة وابن لملوم سامي يقول إن لملوم "كمقيم ضريبي في قبرص هو يخضع للضريبة على دخله العالمي"، وأضاف المسئول القبرصي "أن الدخل من 40 ألف جنيه استرليني إلى 45 ألف جنيه استرليني في السنة غير كافي في رأيي لتغطية النفقات المعيشية الكبيرة للأسرة والحفاظ على المنزل".

وقد يشير المنزل المعني إلى منزل أرملة أحمد لملوم  -منيرة قدور- الذي يستأجر من الشركات المرتبطة بدبيبة بالقرب من مدينة ليماسول. هذا ما يؤكده مصدر الوثائق التي تم تسريبها. ويضم المنزل ست غرف نوم وسبعة حمامات ومساكن للخادمة ومدافئ وسينما منزلية وساونا وجاكوزي وأرضيات مدفئة وجيم وإطلالة على البحر ومسبح. في وقت رسالة المسئول القبرص كانت قيمته 3.5 مليون يورو.

وقد استغل دبيبة ولملوم النظام المالي في قبرص لإخراج الأموال من ليبيا، لكن هذا ليس المكان الذي انفقوا فيه معظم الأموال، فعبر شركات الظل استثمر الثنائي في العقارات من كندا إلى اسكتلندا مرورا بعدة دولة أوروبية.

وفي كندا  أنشأ دبيبة ولملوم ما لا يقل عن شركتين  بما في ذلك شركة Weylands International Trading Inc غير النشطة حاليا التي أنشئت في ديسمبر 1995.

ويبدو أن هذه الشركة كانت الوجهة التي يقوم عبرها الثنائي بتحويل أموالهم الليبية إلى كندا. وقد تلقت شركة Weylands ، التي ترأسها لملوم وكان نائب رئيسها دبيبة، قرضاً بقيمة مليون دولار كندي من شركة Transinfo  وهي شركة أخرى لدبيبة في ليختنشتاين تتعامل مع الوكالة الحكومية الليبية. إذ كان يقرض المال لنفسه ومن ثم استخدامه في العام التالي للحصول على ملكية بـ4.5 مليون دولار كندي في مونتريال.

بالإضافة إلى ممتلكات زوجته في كندا  يمتلك دبيبة شقة في مونتريال قيمتها 628 ألف  دولار كندي، وأفادت شركة Weyland  الشريكين في عامي 1997 و 1998 عندما قدمت فواتير للوكالة الحكومية الليبية في عدة مناسبات لبيع الإطارات والمعدات الطبية والأثاث المكتبي بأكثر من 2.3 مليون دولار أمريكي.

حتى أن شركات دبيبة شقت طريقها إلى المرتفعات الاسكتلندية، وتعتبر قلعة تياموث  واحدة من المباني الأكثر إثارة للإعجاب في اسكتلندا ، حيث احتضنت شهر عسل الملكة فيكتورياو الأمير ألبريت.

وتضم القلعة ملعبًا للغولف من 18 حفرة ، وتقع على مساحة تزيد عن 450 فدانًا. بنيت في عام 1552، ويعتبر المبنى أهم قلعة اسكتلندية في أيدي القطاع الخاص.

تعتبر القلعة وجهة للسياح، ولكن بدلاً من الإعجاب بجمالها ، فإنهم يناقشون كيف تحولت إلى  "ملكية يكتنفها الغموض مرتبطة بمؤامرة  غسيل أموال".

وللأسف هذه ليست قصة خرافية بالإضافة إلى العديد من العقارات الراقية الأخرى في بريطانيا، يشتبه في أن قلعة تايموث كانت من بين شبكة معقدة من الشركات الاسكتلندية التي يستخدمها دبيبة لغسل عوائده غير المشروعة.

وأدرج هذا الادعاء الذي قدمه المدعي العام الليبي  في طلب سري لتقديم المساعدة القانونية قدم للسلطات البريطانية  في عام 2014.

وقد لا تكون القلعة هي النطاق الكامل لإمبراطورية دبيبة العقارية في بريطانية،إذ أفادت صحيفة الجارديان بأن الشركات التي يبدو أنها تحت سيطرة دبيبة وابنيه وشقيقه استثمروا في ما لا يقل عن ستة عقارات إنجليزية راقية تبلغ قيمتها الحالية أكثر من 25 مليون جنيه إسترليني. علاوة على ذلك ذكرت صحيفة صنداي تايمز في الآونة الأخيرة أن دبيبة جمع إمبراطورية ممتلكات بقيمة 3 ملايين جنيه إسترليني في إدنبره.

كما عثر فريق استعادة الأصول الذي يعمل إلى جانب المحققين الليبيين على ممتلكات لدبيبة في براندنبرج وبرلين قيمتها غير معروفة.

تشير هذه القائمة الواسعة من العقارات حول العالم ليس فقط إلى أن محفظة عقارات علي إبراهيم دبيبة استمرت في الازدهار منذ فراره من ليبيا ، لكن عائلة لملوم تواصل الاستفادة ماليا من علاقتها الطويلة.