كانت "غروغي"، إلى وقت قريب، بلدة هادئة، تمضي أيام سكانها على وقع رتيب، ولا تشوب العلاقات بينهم ضغينة أو حقد. لكن، ومنذ وصول الشركات الأجنبية الباحثة عن الذهب، تجرّدت الحياة عن مقوّماتها البسيطة، لتستحدث مقاربة جديدة مبنية على حسابات الربح والخسارة. ثروة معدنية هامة مثّل اكتشافها في المنطقة لعنة يبحث سكانها سبل الخلاص منها، وفقا لشهادات متفرّقة للأناضول.

"برينس إدوارد كوتونو"، رئيس فئة الشباب في بلدية "دجيكانو" التابعة لغروغي أكد في حديث للأناضول أنه منذ قدوم الباحثين عن الذهب، تضاعفت الاعتداءات والسرقات واستشرت الجريمة في البلدة. وبلغت الفظاعة مداها حينما تعرضت المدعية العامة للاغتصاب في بيتها.

الحكاية انطلقت منذ بضعة أشهر، حين قدم إلى البلدة الواقعة شمالي البلاد نحو 5000 من الباحثين عن الذهب بمعداتهم ومعاولهم، أغلبهم من البوركينيين والماليين، استغلوا سذاجة الأهالي لاستخراج المعدن النفيس بأبخس الأثمان، على حد قول "برينس".

أحد القرويين يروي للأناضول ما حصل بشيء من الذهول غير مصدق ما يجري في القرية التي كانت في يوم ما تنعم بالسكينة: "انطلقت أولى الأشغال في شهر مايو (أيار الفارط). لم يكن الناس يدركون خطورة الأمر. بعد ذلك انتصبت ورشتا عمل إضافيتان إحداهما تشتغل على كمية كبيرة من الذهب، ما اسال لعاب بوركينيين آخرين سارعوا بدورهم إلى القدوم. انطلاقا من تلك اللحظة المشؤومة، أصبح الأمر لا يطاق".

الباحثون عن الذهب استغلوا سذاجة السكان المحليين وقدموا لهم مبالغ زهيدة مقارنة بما سيجنونه من أرباح عبر استغلال أراضيهم، إذ لم تتجاوز قيمة ما سيغنمه السكان من إيجار الأراضي مبلغا يترواح ما بين 1 و 3 مليون فرنك إفريقي (ما بين 1800 و 5000 دولار) حيث تتجاوز الأرباح هذه الأرقام بخمسة أضعاف على الأقل.

" يقومون بالتفاوض مع مالكي الأراضي التي يجدون فيها الذهب، بهذا الشكل وصلوا إلى أرض إحدى قريباتي، ويقدمون مقابل ذلك المال والسيارات والدراجات النارية، بحسب "فرانسيس كواسي كوفي"، أحد سكان البلدة.

وتجري عملية استغلال الذهب بطريقة غير مشروعة في عدة بلدات في كوت ديفوار على غرار "بوافلي" و "ديفو" و "دجيكانو" (وسط). وتدفع هذه البلدات ثمنا باهضا مقابل السماح بما يجري على أراضيها.

إذ تتسبب معاول الحفارين في إتلاف زراعات القهوة والكاكاو التي لم تعد تصلح للزراعة بالنظر لامتداد الحفريات التي قد يصل عمقها إلى 60 مترا ولاستخدام مادة الزئبق التي تقوم بتحويل غبار الذهب إلى مادة صلبة، دون اكتراث بالضوابط البيئية.

"إيتيان بوغري"، خبير بيئي ومستشار في البنك الدولي يوضح الآثار التي تسببها هذه الحفريات: "استعمال الزئبق في استخراج الذهب يؤدي إلى تدمير مائدة المياه الجوفية كما أن النظام البيئي برمته سيتعرض إلى أضرار وسيستمر التلوث على مدى 20 أو 30 عاما بعد وقف عملية التنقيب، فيما تظل الأضرار في الأرض، بشكل دائم لتصير غير صالحة للزراعة.

ومنذ 4 أشهر، تحولت بلدة "دجيكانو" الصغيرة إلى منطقة لا يطبق فيها أي قانون مع انتشار الدعارة والجريمة والتهريب بجميع انواعه بحسب شهادات السكان.

برينس" الذي لا يروقه ما يحصل بتاتا، وجه أصابع الاتهام للسلطات المحلية بالتساهل مع ما جرى للبلدة التي كان يسودها الهدوء قبل قدوم هؤلاء: "لم يقع إعلام البلدية أو المحافظة بشكل رسمي، ولكن هذه السلطات كانت على علم بما يخطط له في منطقة "غروغي".

ويقوم الباحثون عن الذهب، بحفر آبار واستخراج الحصى، إثر ذلك تقوم آليات بعملية سحق لهذه الحصى تحولها إلى غبار ثم يراق عليها الزئبق المحروق لتصير صلبة. وتنطوي هذه العملية على مخاطر صحية كبيرة لاسيما خلال مرحلة السحق التي تتحول السماء خلالها إلى قبة سوداء كبيرة بفعل غيم الدخان الذي تخلفه العملية.

من جانبه، يشرح "بريس ديلانيو"، رئيس منظمة "أميستاد" في كوت ديفوار بشكل مفصل الأضرار المدمرة التي يتسبب بها الزئبق: " مع هطول الأمطار، يتسرب الزئبق تحت شكله العضوي إلى الأرض ويصرف مع مياه السطح للتحول إلى ميثيل الزئبق الذي ينتقل بعدها إلى الخضروات والغلال والأسماك ويتسبب استهلاكها في امراض رئوية وحكة بالجلد واضطراب الجهاز العصبي وتدمير للحيوانات المنوية لدى الرجال على المدى البعيد".

الحكومة الإيفوارية من ناحيتها تبدو كمن أفلت الأمر من زمامها في هذه المنطقة من البلاد، بعد أن كانت أعلنت في بداية سبتمبر/أيلول الماضي إغلاق نحو 150 منجما ذهبيا غير قانوني شمالي ووسط البلاد.

وتعتزم الحكومة إنشاء برنامج وطني لترشيد عمليات استخراج الذهب وإعادة تنظيم القطاع عبر أنشطة قانونية تحت تاطير الإدارة المنجمية. ولا يشكل النشاط المنجمي أكثر من 5 بالمئة من الناتج القومي الخام لكوت ديفوار.