مع اقتراب الذكرى الأولى للتوقيع على "اتفاق الصخيرات"، الذي يمثل الإطار العام لحل الأزمة الليبية، تبدو الأطراف الفاعلة في الملف الليبي، عربيًا وإقليميًا، أكثر حرصا على التعامل مع الوضع قبل الدخول في أزمة دستورية يوم 17 ديسمبر الجاري، وهو موعد إعلان انتهاء العمل بالاتفاق المذكور.

نقاط خلافية عديدة بين مكونات العملية السياسية في ليبيا، شكلت حجر عثرة أمام تنفيذ بنود الاتفاق الذي تم توقيعه ديسمبر 2015، وهو ما يهدد بعودة الأزمة الليبية إلى نقطة الصفر بعد عام من الاتفاق.

تحركات كثيرة شهدتها دول الجوار الليبي في الفترة الماضية، من أجل إعطاء قبلة الحياة لاتفاق الصخيرات، كان آخرها بالقاهرة، حيث تم الإعلان عن استعداد الأطراف الليبية لقبول مناقشة تعديل اتفاق الصخيرات في المواد الخلافية، خصوصًا في ما يتعلق بوضع المؤسسة العسكرية وشكل المجلس الرئاسي، وكان لابد للوسيط الأممي الحضور إلى القاهرة للتعرف على المقترحات التي صاغتها شخصيات ليبية، برعاية مصرية ومحاولة التوفيق بين الأطراف.

** إعلان القاهرة والدور المصري..

"بوابة الأهرام" التقت مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، مارتن كوبلر، للتعرف على توجهات الأمم المتحدة بشأن الأزمة الليبية في الفترة القادمة، وما هي البدائل والمقترحات للتعامل مع الخلافات بين الفرقاء الليبيين، حيث أشاد بالدور المصري في جمع الليبيين، معتبرًا أن الاجتماع الأخير الذي احتضنته القاهرة بحضور شخصيات، في حجم رئيس أركان حرب القوات المسلحة، الفريق محمود حجازي، ووزير الخارجية، سامح شكري، أدى إلى إنجاز خطوات مهمة في التوصل لصيغة توافقية بشأن بعض البنود الخلافية في اتفاق الصخيرات، لافتًا إلى المصلحة المصرية في الأزمة الليبية من حيث علاقة الجوار التي تفرض على القاهرة العمل على استعادة الأمن والاستقرار في ليبيا.

كانت شخصيات ليبية مجتمعة بالقاهرة أصدرت بيانًا، الثلاثاء الماضي، فيما عرف بـ"إعلان القاهرة"، أكدوا خلاله أن ليبيا دولة واحدة لا تقبل التقسيم، واقترحوا تعديل لجنة الحوار بشكل يراعي التوازن الوطني، والفقرة الأولى من البند الثاني من المادة الثامنة من الاتفاق، من حيث إعادة النظر في تولي مهام القائد الأعلى للجيش، من أجل تجاوز أزمة الاتفاق السياسي، وطالبوا بمعالجة المادة الثامنة من الأحكام الإضافية من الاتفاق السياسي، بما يحفظ استمرار المؤسسة العسكرية واستقلاليتها وإبعادها عن التجاذبات السياسية.

كما كانت من أهم المطالب، إعادة النظر في تركيبة مجلس الدولة ليضم أعضاء في المؤتمر الوطني العام -المنعقد بطرابلس- المنتخبين في يوليو 2012، وإعادة هيكلة المجلس الرئاسي، وآلية اتخاذ القرار، لتدارك ما ترتب عن التوسعة من إشكاليات وتعطيل.

** أزمة دستورية..

"كوبلر" أكد لـ"بوابة الأهرام"، أن اتفاق الصخيرات سيظل هو المرجعية الوحيدة، وأن أي حديث عن إلغاء الاتفاق ليس صحيحًا، لافتا إلى أن كل الأطراف الليبية تدرك أهمية هذا الطرح، وأبدوا استعداداهم لقبول التعديلات حفاظًا على ما تم إنجازه، واصفًا مضمون بيان القاهرة بالـ"الجيد".

وعلق المبعوث الأممي على مسألة انتهاء المدة القانونية لاتفاق الصخيرات في 17 ديسمبر الجاري، بقوله: "إن الاتفاق لم يبدأ بعد، وإنه من ضمن شروط الاتفاق أن ينتهي خلال سنة من تصديق البرلمان عليه، وهو ما لم يحدث، ويمكن تمديد الفترة القانونية لسنة أخرى أو سنتين، وطالما أن البرلمان حتى الآن لم يصدق عليه، فإنه بذلك لم يبدأ أصلا حتى يمكن أن نقول إنه انتهى".

وطالب مارتن كوبلر كل الأطراف الفاعلة في الملف الليبي، ضرورة العمل من أجل تعديل الإعلان الدستوري، حتى يمكن مناقشة باقي المسائل فيما بعد، حيث يتطلب تنفيذ اتفاق الصخيرات موافقة البرلمان عليه، وحتى يمكن تضمينه في الإعلان الدستوري، فيجب عقد جلسة في البرلمان بأغلبية الثلثين، وهناك صعوبة في الحصول على النصاب المطلوب لتعديل الإعلان الدستوري بسبب اختلاف توجهات النواب بالبرلمان حول التعامل مع اتفاق الصخيرات، بين مؤيد ورافض، وهو ما عطل العمل بالاتفاق حتى الآن.

الإعلان الدستوري المؤقت هو القانون الأسمى الحالي لليبيا، أُقرَّ بعد الإطاحة بحكومة القذافي في الحرب الأهلية الليبية الأولى، تم الانتهاء من صياغته في 3 أغسطس 2011 من قبل المجلس الوطني الانتقالي، وينبغي أن يكون ساري المفعول حتى تتم كتابة دستور البلاد الدائم، ويصادق عليه في استفتاء شعبي، تم الإعلان عن الوثيقة بمؤتمر صحفي في 10 أغسطس من قبل عبدالحفيظ غوقة، نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي، الناطق الرسمي له.

** هيكلة المجلس الرئاسي..

ويعتبر المجلس الرئاسي ومجلس الدولة، اللذان يعتبران أحد مخرجات اتفاق الصخيرات من ضمن البنود الخلافية في العملية السياسية، حيث تطالب أطراف ليبية بضرورة تعديل هذه الهياكل من حيث الشكل والتركيبة، بالإضافة إلى اتهامات بأن هذه الكيانات لا تمثل كل الأطياف الليبية، ناهيك عن مسألة العدد التي كانت محورا للتشكيك في قدرة المجلس الرئاسي على إنجاز مهامه، حيث يتكون المجلس الرئاسي من صيغة "8+1"، وهو ما اعتبره البعض عائقا وطالبوا بتعديله.

** وضع عناصر النظام القديم..

كوبلر قال لـ"بوابة الأهرام"، إن مسألة تشكيل وهيكلة المجلس الرئاسي هو أمر وارد ومطروح للمناقشة، لافتا إلى أن هناك صيغ مختلفة في هذا الأمر، وخصوصا صيغة "2+1" أي رئيس للمجلس ونائبين، ربما تكون الأقرب حيث يتبناها بعض الأطراف، وإن كان الأمر لم يتحدد بعد، ومتروك لليبيين أن يقرروا بأنفسهم.

وأشار المبعوث الأممي، أنه لا توجد تحفظات على عناصر النظام القديم"نظام القذافي"، ومن الممكن أن يكون هناك عناصر من النظام السابق ضمن التركيبة الجديدة لمجلس الدولة والمجلس الرئاسي، طالما لم يكن هناك عوائق قانونية، لافتًا إلى أن هناك عناصر محسوبة على النظام القديم وموجودة في حكومة الوفاق الوطني، نافيًا أن تكون هناك ترتيبات أو إجراءات لتغيير فايز السراج، وأن الموضوع لا يتعلق بأشخاص ولكن يتعلق بآلية اتخاذ القرار.

** أزمة التسليح..

وشكلت مسألة رفع الحظر عن توريد الأسلحة إلى ليبيا محورًا مهمًا في حديث "بوابة الأهرام" مع المبعوث الأممي إلى ليبيا، حيث تمثل هذه القضية أهمية كبيرة في حسم الأمور بالداخل، وما هي مطالب الأمم المتحدة حتى يتسنى رفع الحظر عن توريد السلاح.

كوبلر قال: "إن مجلس الأمن هو من يقرر رفع الحظر عن الأسلحة، وهناك معايير واضحة لرفع الحظر عن السلاح، أي أنه سيتم الإعفاء لمن يعترفون بالقيادة العليا في ليبيا، وأيا كان من يعترف بالقيادة العليا للمجلس الرئاسي سيحصل على الأسلحة، وكل من يعترف بالقيادة العليا بالشكل الذي سيتم تعديله سيحصل على الإعفاء، لافًتا إلى أن المقصود أن يكون هناك جيش ليبيًا موحدًا، وتحديد من هو قائد الجيش، ومناقشة تسلسل القيادة، وهذا قرار الليبيين أنفسهم، ونحن لا نريد التدخل في ذلك، والمهم أن يتم تشكيل الجيش الليبي بتوافق، وبعد ذلك يطلبون رفع الحظر، وهو قرار يعود للجنة العقوبات بمجلس الأمن".

ونوه المبعوث الأممي، إلى أن جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن تحترم الحظر على استيراد الأسلحة، وفي هذه المرحلة لا يمكن أن يكون هناك تسليح قانوني لأي طرف، وجميع الدول الأعضاء تتبع ذلك الأمر، ولكن يجب أن ينتهي ذلك في يوما ما، وأن يتم دعم الجيش الموحد الليبي، عندما يتم التوصل لتوافق بين جميع الأطراف.

كانت تقارير إعلامية قد ربطت بين زيارة المشير، خليفة حفتر، الشهر الماضي، إلى روسيا، وبين مسألة توريد السلاح إلى الشرق الليبي، وهو ما حرص كوبلر على توضيحه في الحوار، مؤكدًا أن الجميع ملتزم بقرار مجلس الأمن، ولا أظن أن هناك دولا ترغب في مخالفة ذلك.

** إشكالية الحرس الرئاسي..

وحرص المبعوث الأممي على تبرير مسألة التركيبة التي يتكون منها الحرس الرئاسي، -وهو الكيان العسكري لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج-، حيث كانت هناك اتهامات بأن تلك القوات تم تشكيلها من عناصر مسلحة تنضوي تحت لواء الميليشيات، وهو ما يطرح استفهاما بشأن التناقض في مواقف الأمم المتحدة تجاه الإرهاب.

كوبلر أكد أن المرحلة الحالية في احتياج إلى قوات لحماية المؤسسات الليبية والسفارات والوزارات، لافتًا إلى أن مهمة هذه القوات ستنتهي فور الإعلان عن تشكيل جيش موحد يتفق عليه الجميع، مؤكدا أنها ليست بديلا عن الجيش الليبي الموحد، سيتم بعدها بحث إمكانية دمج تلك القوات ضمن الجيش.

** الميليشيات في ليبيا..

وفرق كوبلر بين نوعين من الميليشيات في ليبيا – في إطار تبريره لتشكيل قوات الحرس الرئاسي- الأول: عصابات ترهب الأطفال والأهالي في مدن ليبيا المختلفة، وهو النوع الذي اعتبره كوبلر غير صالح للتفاوض، ويمكن تصنيفه ضمن الكيانات الإرهابية، الثاني: جماعات مسلحة جادة ولها أجندة ويمكن التعامل معها، وهذا هو النوع الذي لا يمكن تسريحه والاستغناء عنه إلا إذا كان هناك بديل، وهو الجيش الليبي الموحد، مؤكدا أنه لاتوجد دولة في العالم يحكمها الميليشيات.

** عام الضغوط الدولية..

ويبدو أن مهمة مارتن كوبلر التي تعدت العام، حيث تم تكليفه بالمهمة في نوفمبر 2015، لم تخل من ضغوط دولية بسبب أهمية الملف الليبي في حركة التوازنات والتحالفات الإقليمية، وهو ما لم ينفه كوبلر، وإن بدا متحفظا بشأن تسمية أطراف محددة.. وقال: "هناك ضغط دولي كبير على البعثة للتوصل إلى حل للأزمة الليبية، وإننا على تواصل مع كل الأطراف الدولية والإقليمية، والأهم هو
دول الجوار الليبي مثل مصر والجزائر وتونس، وهناك ضغوط لأن تكون ليبيا آمنة، وأن لا يمتد العنف خارج الإطار الليبي".

وتابع كوبلر، "أطير بين الدول من أجل النقاش مع كل المحيطين بليبيا، مشيرًا إلى أن المجتمع الدولي سواء كان قريبًا أو بعيدًا، فالجميع متفقون على أهمية الاتفاق السياسي الليبي، وهذا كان إنجازًا كبيرًا خلال العام الماضي، فمجلس الأمن، الجامعة العربية، الاتحاد الإفريقي، الاتحاد الأوروبي، يتكلمون بصوت واحد لدعم الاتفاق السياسي الليبي، ولكن فقط التنفيذ هو الأمر الصعب، مشيرًا إلى أن البعثة الأممية لا تستطيع أن تقوم بذلك بمفردها، ولابد من التعاون مع مصر وبعض الدول، مثل النيجر وتشاد والجزائر وتونس، ونعمل يدًا بيد، وتستغل تلك الدول علاقاتها الخاصة بجيرانهم لإعادة توحيد البلاد".

** صراعات السلطة والبترول والمال ..

وتمثل جماعات الإسلام السياسي في ليبيا نسبة كبيرة من الميليشيات المسلحة، وتسيطر على أجزاء كبيرة من طرابلس ومصراته، مما جعل العنصر الديني أحد عناصر المشهد الليبي في الغرب تحديدا.

المبعوث الأممي قلل من فكرة تأثير العنصر الديني في المشهد الليبي، معتبرا أن الصراع الرئيسي في ليبيا بشكل أساسي يدور حول السلطة والبترول والمال، لأن ليبيا دولة غنية، ولديها 60 مليار دولار أمريكي في حسابات خارجية للبنك المركزي الليبي، وتصدر 800 ألف مليون برميل نفط يوميا.

وتابع كوبلر، وظيفتي هي التحدث مع الجميع ماعدا الإرهابيين، وأنا لا أتحدث مع القاعدة أو أنصار الشريعة أو داعش، ولكني أتحدث مع الجميع والإرهابيين يجب محاربتهم بالقوة، وأدعو بقوة للحوار بين الجميع.

** عزاء الكنيسة البطرسية..

وفي ختام اللقاء، أشار كوبلر إلى زيارته التى قام بها إلى الكنيسة القبطية بالقاهرة، لتقديم واجب العزاء في أحداث الكنيسة البطرسية، وحديثه مع أحد القساوسة، حول أنه لا يوجد ما يبرر الإرهاب، ولا يمكن المناقشة مع الإرهابيين.

نقلا عن الاهرام المصرية