كلثوم كنو، أول إمرأة تونسية تدخل السباق إلى القصر الرئاسي بقرطاج، لم "تتجرأ" أية إمرأة في بلد يفاخر بحرية ومكتسبات المرأة المتعددة أن فعلتها طيلة ستة عقود في عمر دولة الاستقلال.

هذا اللقب الشرفي لا يرضي طموح القاضية التي حرمت عليها السياسة بحكم وظيفتها التي تقوم على الاستقلالية وعدم الانتماء الحزبي والسياسي، رغم أن السياسة غير بعيدة عنها، فهي درست الحقوق والعلوم السياسية في بداية ثمانينات القرن الماضي وانضمت إلى الاتحاد العام لطلبة تونس، ذي التوجهات اليسارية، عندما كانت هياكله مجمدة من قبل نظام بورقيبة وينشط عبر "الهياكل النقابية" وقتئذ.

كلثوم كنو ورغم أنها تدخل السباق الرئاسي كمستقلة، إذ لم يعرف لها إنتماء حزبي ربما بحكم مهنتها صلب القضاء، فإن ميولاتها اليسارية لا تخفى على الذين يعرفونها ويعرفون فصائل اليسار وخاصة منها التي تكون اليوم ائتلاف الجبهة الشعبية. قد يكون طموح كلثوم كنو، التي ولدت بجزيرة قرقنة من محافظة صفاقس، عاصمة الجنوب التونسي، أكبر من مجرد المشاركة في السباق الرجالي من
أجل قصر قرطاج، بل إنها تهدف إلى تأنيث منصب رئيس الجمهورية لتكون أول إمرأة عربية مسلمة تصل إلى سدة الحكم وتدك بكعبها العالي عرش المجتمع العربي الذكوري واحتكار الرجال لهذه المسؤولية العليا في الدولة.

كنو وأنصارها يدركون صعوبة التحدي في سباق رئاسي يشارك فيه 24 رجلا أمام سيدة وحيدة في مجتمع مازالت تحكمه عقلية ذكورية رغم تقدمه الكبير والمنفرد في مكاسب المرأة مقارنة مع غيره من المجتمعات العربية، لن تقبل بسهولة أن تتولى إمرأة قيادة شؤون البلاد، لأسباب دينية وعرفية وحضارية، لكن المستحيل ليس تونسيا، والمرأة التونسية رائدة، هكذا يقول رافعوا التحديات من أنصار كنو، مكابرة وتحفيزا للنفس وإمعانا في التحدي.

القاضية تريد إقناع ناخبيها بجدارتها بمنصب رئيس الجمهورية من خلال الحديث عن كفاءتها العلمية واستقلاليتها ونضاليتها ضد النظام السابق وتوفقها في رئاسة جمعية القضاة، في فترة عصيبة من تاريخها وتاريخ البلاد عامة وخاصة قدرتها على خلق التوافق بين مختلف ألوان الطيف السياسي، الذي يسيطر عليه الرجال، وأيضا خلق التوازن السياسي المفقود إلى حد الآن.

كما تدفع المترشحة لقصر قرطاج بسبب موضوعي يمكن أن يدعم التصويت لها ومفاده أن انتخاب إمرأة رئيسة للجمهورية لأول مرة في بلد عربي مسلم سيكون حدثا عالميا بامتياز ويزيد من نصاعة صورة تونس في الخارج ليس كبلد متجه نحو الديمقراطية ويتعايش فيه العلمانيون والإسلاميون فحسب، بل وتتساوى فيه النساء والرجال في الوصول إلى مواقع القرار الأولى في البلاد، وهو ما من شأنه أن يجعل تونس وجهة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية ولتدفق السياح لاكتشاف طبيعة هذا الشعب المتفرد في منطقته.

ولكن القاضية الطامحة إلى قصر قرطاج، ورغم كفاءتها العالية وتاريخها النضالي ينقصها الاحتفاء بها في الشارع التونسي وعلى صفحات التواصل الاجتماعي حيث لا تثير فضول التونسيين كما تثيره بعض الأسماء الأخرى من المترشحين، ربما على خلفية أن كلثوم كنو غير متحزبة وبمنأى عن الانتماء السياسي. في حين أن التونسي أصبح لا يحلو له خلال السنوات الأخيرة إلا الحديث عن السياسة وعن السياسيين ، إن سلبا أو إيجابا، وربما بحكم أن القاضية اكتشفها المواطن التونسي بعد سقوط نظام بن علي رغم نضاليتها التي انحصرت على أوساط النخبة والمثقفين، وربما بسبب هيمنة العقلية الذكورية على المجتمع التونسي الذي رغم حداثته ما زال لا يقبل أن تقوده إمرأة.

كنو تعاني كذلك من صعوبات الترشح بصفة خاصة، فهي لا تملك الإمكانيات المادية واللوجيستية ولا تحمي ظهرها ماكينة دعم مادي على غرار تلك التي تمتلكها الأحزاب السياسية. كما أن أكثر مؤيديها من المواطنين العاديين ومن بعض النخب المثقفة خصوصا بمسقط رأسها بمحافظة صفاقس وكذلك بمحافظات تونس الكبرى وقفصة والقيروان، ولعل القاضية واعية بذلك وسبق وأن صرحت بوجود هذه العوائق. لكنها في المقابل أكدت أنها واثقة من دعم التونسيين لها وواثقة كذلك بكفاءتها العلمية التي ستفرش لها البساط الوردي نحو قرطاج لأنها الأجدر بالمنصب من كل المترشحين حسب تعبيرها.

القاضية كلثوم كنو التي قدمت ترشحها رسميا لانتخابات الرئاسة التونسية بتاريخ 20 سبتمبر 2014 أعلنت صراحة أن سوء أداء الرئيس المتخلي منصف المرزوقي وفشله في مهامه هو سبب ترشحها لمنصب رئيس الجمهورية، معلنة تحد آخر في ذات الوقت، وهو منافستها للباجي قايد السبسي المرشح الأبرز للفوز في الانتخابات الرئاسية. وأكدت أن تونس في حاجة إلى إمرأة في مقود القيادة وهي رسالة أرادتها مضمونة الوصول إلى بعض الأطراف الداخلية والخارجية التي تسعى إلى فرض نمط مجتمعي دخيل على التونسيين.

القاضية المتقدمة إلى السباق الرئاسي بحوالي 18 ألف تزكية تعهدت بإعادة العلاقات الديبلوماسية مع سوريا فور وصولها إلى سدة السلطة. كما وعدت بضمان استقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية معلنة بصوت عال، وخلافا لغيرها، أن القضاء في تونس غير مستقل.

كلثوم كنو، الاسم الذي تم تداوله في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، حيث تم إبعادها عن جمعية القضاة التونسيين إثر مؤتمر الجمعية "المفتعل" عندما عمد بن علي إلى إبعاد عدد من القضاة المنادين بتكريس استقلالية القضاء وبنزاهة مرفق العدالة، وهو ما لم يرق للنظام آنذاك، فقرر إبعاد القاضية المتمردة، يحظى كذلك بدعم بعض القوى المستقلة خصوصا في الوسطين القضائي والحقوقي.

لكن ورغم تاريخ كنو النضالي الناصع ومواقفها المطالبة باستقلالية القضاء التي لا يمكن إنكارها، فإن حظوظها تبدو ضعيفة في مشهد سياسي يطغى عليه الاستقطاب الثنائي، وأمام مترشحين من الحجم الثقيل على غرار السبسي والهمامي ومرجان والزنايدي والنابلي.إضافة إلى عدم وجود سند مادي أو دعم لرجال أعمال في حملتها الانتخابية. ولكن، وفي ظل مشهد عام لا يخلو من المفاجآت قد تصنع كنو المفاچأة وتبلغ الدور الثاني مسنودة بأبناء شعبها ومن آمن بصدق نضالها ومواقفها، يقول متابعون.