بعد مرور أكثر من 30 عاماً على كارثة إسقاط الطائرة «بان أم 103» الشهيرة ب«حادثة لوكيربي» في 21 ديسمبر 1988، يكشف كتاب جديد للأمريكي دوجلاس بويد يصدر خلال أيام تحت عنوان «لوكيربي.. الحقيقة» عن أن المتهم الحقيقي وراء الحادث هو المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية روح الله الخميني الشهير بآية الله الخميني ويحمله مسؤولية إزهاق أرواح 259 راكباً، إضافة إلى 11 آخرين كانوا على الأرض لحظة ارتطام الطائرة بها، مؤكداً أن اتهام ليبيا كان بمثابة «مستنقع من الأكاذيب» بني على القليل من الأدلة التي يمكن أخذها على محمل الجد، مشيراً إلى أن عدم الكفاءة والرغبة في الانتقام، والنفعية السياسية كانت سمة التحقيقات التي حمّلت نظام القذافي المسؤولية عن الحادث، متسائلاً عن مصير «أبو الياس الغامض» منفذ العملية بوضع الحقيبة التي حملت المتفجرات على متن الطائرة، ومؤكداً على أنه ينعم بالحياة في الولايات المتحدة تحت غطاء برنامج حماية الشهود.
 
في تقرير مطول نشرته صحيفة دايلي ميل البريطانية عن الكتاب الذي يتوقع إثارته جدلاً واسعاً يعيد القضية إلى الواجهة من جديد، ويدفع للتساؤل حول التلاعب بالحقيقة الذي ما زال يكتنف الحادث الذي يعد أسوأ كارثة طيران تشهدها بريطانيا، تقول «تم اختصار وتحديد ذنب مقتل الركاب وطاقم الرحلة المنكوبة ولكن ليس في ليبيا بل قبل خمسة أشهر من وقوع الكارثة وتحديداً في طهران وذلك عندما تم إسقاط طائرة إيرباص 300 الإيرانية من قبل السفينة الحربية الأمريكية يو إس إس فينسين في 3 يوليو 1988». وتضيف «كانت السفينة تبحر بشكل غير قانوني في المياه الإيرانية وبشكل غير مألوف حددت طائرة ركاب إيرانية كهدف مقاتل ومعاد، وعلى الرغم من حقيقة أنها كانت ضمن المجال الجوي الإيراني وكانت الطائرة تعرف بوضوح على أنها طائرة مدنية، إلا أنه تم استهدافها وقتل كل من كانوا على متنها وعددهم 290 شخصاً.و
 
ينقل الكتاب عن أحد ضباط المخابرات الإيرانية السابقين قوله بأن المرشد الإيراني آية الله الخميني رد على الحادثة بطلبه القصاص - أي بتدمير طائرة أمريكية - للانتقام بالمثل وكانت إيران بحاجة إلى وكيل قابل للإنكار، وكانت دائرة استخباراتها تعرف من الذي تلجأ إليه ألا وهو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة وقد ناقشت معها التعاون قبل بضعة أشهر من كل ذلك

وأشار التقرير إلى أن وزير الداخلية الإيراني الأسبق علي أكبر مهتاشامبور هو الذي أمر وموّل الاعتداء بعد تواصله مع أحمد جبريل قائد الجبهة الشعبية الذي استعان بدوره بخبير المتفجرات الأردني مروان خريسات لتصميم قنبلة يمكنها المرور عبر تفتيش أمتعة المطارات والانفجار فوق الماء، وتدمير طائرة، وكانت نفس الجماعة قد أثبتت بالفعل أن قنبلتها يمكن أن تنجح عندما قامت بتفجير رحلة طيران سويسرية في 21 فبراير 1970، ما أسفر عن مقتل جميع الركاب والطاقم البالغ عددهم 47 وتفخيخ طائرة نمساوية في نفس اليوم لكنها تمكنت من الهبوط بسلام في مطار فرانكفورت.
 
ويشير الكتاب إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والموساد «الإسرائيلي» نجحا في مراقبة المكالمة الهاتفية غير المشفرة من لبنان إلى طهران حيث توفرت أدلة على أن السعر المتفق عليه بين جبريل والإيرانيين كان 7.7 مليون جنيه إسترليني يدفع منها 1.5 مليون جنيه إسترليني مقدماً عند التخطيط والبقية ما بعد التنفيذ.
 
وتنقل «دايلي ميل» عن «لوكيربي.. الحقيقة» أنه في عام 1988، أرسل جبريل شخصاً يدعى حافظ محمد حسين دلقموني من مقر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة إلى مدينة كروسيفاتش الصربية، حيث تم تخزين الأسلحة والمتفجرات والمواد الأخرى. وكانت مهمته تنشيط خلايا جبريل العديدة في ألمانيا. وفي الشهر التالي، تم إرسال صانع القنابل خريسات إلى نيوس بالقرب من دوسلدورف، حيث رصدته الشرطة الألمانية، إذ كانت ألمانيا تشك في أن هجوماً على مطار فرانكفورت يجري التخطيط له ولوحظ من خلال التحقيقات شراء المجموعة الفلسطينية أجهزة الراديو والكمبيوتر والبطاريات والمفاتيح وساعات المنبه والكابلات وجميعها مواد تدخل في صناعة القنابل كما تم رصد المكالمات الهاتفية وفي إحداها جرت بين جبريل وخريسات، قال إنه أجرى تغييرات على «الدواء» الذي أصبح الآن «أقوى من ذي قبل».
 
وبناء عليه شنت الشرطة الألمانية مداهمات واسعة، في مدينتي نيوس وفرانكفورت واعتقلت خريسات ودلقموني و12 آخرين وفي حيازتهم أسلحة ومعدات لصنع القنابل وساعة منبهة معدلة لتكون بمثابة جهاز توقيت وقد تحول مشغل كاسيت توشيبا بالفعل إلى قنبلة كما تم ضبط 5 كيلوجرامات من مادة «سمتكس» المتفجرة المصممة في تشيكوسلوفاكيا، مع 5.7 كيلوجرام من متفجرات بلاستيكية أخرى غير معروفة، وثلاثة كيلوجرامات من مادة تي إن تي، و89 جهاز تفجير.
 
وتابعت «دايلي ميل» قائلة: «في الواقع، قام خريسات بوضع خمس قنابل، مخبأة داخل مشغلات راديو كاسيت توشيبا، تحتوي كل منها على مفتاح بارومتري مصمم بحيث يبدأ تشغيل جهاز التوقيت عندما ينخفض الضغط داخل الطائرة إلى مستوى محدد مسبقاً، وهذا يعني أن الطائرة ستدمر بعد حوالي 38 دقيقة من إقلاعها وهو ما تم بالفعل».
 
وتساءلت الصحيفة بناء على هذه الأدلة «كيف إذاً تم اتهام ليبيا بالتورط في الهجوم رغم وجود كل هذه الدلائل الساطعة، ولماذا؟ خاصة وقد حكم على عبد الباسط المقرحي، ضابط الأمن في الخطوط الجوية الليبية، بالسجن مدى الحياة في عام 2001، لكنه أطلق سراحه في عام 2009». 

وتجيب بأن الجواب يكمن في غزو صدام حسين للكويت في أغسطس 1990 الأمر الذي دفع إلى اندلاع حرب الخليج الأولى حيث كانت واشنطن ولندن بحاجة إلى امتثال إيران وسوريا وكان لابد من العثور على مشتبه به جديد لإلباسه ثوب التورط في قضية لوكيربي. وفي يونيو 1991 قال ضابط التحقيق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إنهم اكتشفوا مؤشرات على أن نظرية تورط إيران/ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطينالقيادة العامة، كانت زائفة! وبدلاً من ذلك، رأى الضابط أوجه تشابه بين عملية لوكيربي والقبض على اثنين من الليبيين في السنغال يحملان 20 رطلاً من المتفجرات وأجهزة تفجير كالتي ظهر منها على ما يبدو بقايا شظايا الطائرة المنكوبة وقد اكتسبت هذه النظرية الزخم المطلوب لإلصاقها بنظام القذافي.
 
وهنا يقول دوجلاس بويد مؤلف الكتاب «كانت ليبيا تعاني في ظل عقوبات اقتصادية صارمة، وكان من المحتمل رفع هذه العقوبات لذلك بحث الأمريكيون عن كبش فداء جديد وهو جهاز الاستخبارات الليبي. وهنا برز اسم المقرحي الذي تصادف وجوده في الخارج للقيام بأعمال تجارية في الفترة ما بين 20 21 ديسمبر ماراً بمطار لوركا في مالطا وهو كل ما كانت تحتاجه CIA لإثارة الشبهات حوله».
 
ويضيف «بعد 11 عاماً من الكارثة، أدين المقرحي (47 عاماً) في الحادث بناءً على نسج من الأكاذيب تركزت على زعم صاحب متجر مالطي يدعى توني جوتشي قال إنه رأى المقرحي يشتري ملابس مشابهة لتلك التي كانت في الحقيقة مع القنبلة». كما وصفت شهادة الليبي عبدالمجيد جعاكة (الميكانيكي في الخطوط الجوية الليبية) بأنه أحد الشهود السيئين في القضية حيث تقدم للإدلاء بإفادته بعد رصد مكافأة كبيرة لمن يدلي بمعلومات عن الحادث، فادعى هو الآخر رؤية المقرحي يحمل حقيبة سامسونايت بنية اللون من صالة القادمين بمطار لوكا في مالطا بتاريخ 20 ديسمبر 1988. وفي صباح اليوم التالي زعم أن الحقيبة تم تحميلها على متن رحلة إلى فرانكفورت، حيث سيتم نقلها إلى لندن في رحلة طيران «بان آم103» لتنفيذ الهجوم».
 
ويشير الكاتب إلى رواية مختلفة تماماً حول الجهة التي وقفت وراء الاعتداء، قائلاً، إن التحقيقات البريطانية - الأمريكية المشتركة توصلت بعد ثلاث سنوات من الحادث إلى أدلة تؤكد مسؤولية «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة»، حيث تم العثور على بقايا متفحمة من جهاز ماركة «توشيبا» بين حطام الطائرة، والذي كان يحتوي على قنبلة ودائرة كهربية. ويضيف أن منظمة التحرير الفلسطينية أصدرت تقريراً بعد وقوع الحادث بفترة قصيرة تؤكد فيه أنها منظمة سياسية وتنفي عن نفسها شبهة الإرهاب، وزعمت أن إيران هي التي دفعت أموالاً ل«الجبهة الشعبية» لتفجير الطائرة، واتهمت رجلاً يدعى أبو إلياس باعتباره المشتبه به الأول الذي نجح في الوصول إلى منطقة مناولة الأمتعة في مطار هيثرو وزرع القنبلة قبل وقت قصير من إقلاع الرحلة المنكوبة».
 
ويختتم بويد كتابه قائلاً «أغلب المشاركين في القصة رحلوا عنا دون أن يخبروا بالحقيقة»، فالمقرحي توفي بمنزله في مايو (أيار) 2012، بينما قتل جبريل في تفجير نفذته جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة في أغسطس 2014. وتردد أن خريسات توفي في أكتوبر (تشرين الأول) 2016، مشيراً إلى أن أبو إلياس الذي على الأرجح هو من وضع القنبلة على متن رحلة «بان إير» 103، يعتقد أنه لا يزال على قيد الحياة، ويعيش في واشنطن بموجب برنامج حماية الشهود، وتم توظيفه من جانب سلطات التعليم المحلية تحت اسم باسل بوشناق.

شهادة كاذبة

يكشف كتاب «لوكيربي.. الحقيقة» عن أنه في الأيام التالية لسقوط الطائرة، انتشر الآلاف من المحققين المختصين بالحوادث الجوية في بريطانيا للبحث عن الحطام المنتشر على مساحة 1500 ميل مربع، وشاركهم البحث محققون من هيئة الطيران الفيدرالية الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي إضافة إلى عملاء CIA، ولأسباب لم تُكشف أبداً، تم إرسال عينات من الحطام للتحليل في «فورت هالستيد كنت» وهي مؤسسة أبحاث تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، حيث حدد مسؤولها العلمي توماس هايز، اكتشاف أجزاء من البلاستيك الأسود المعدني وشبكات أسلاك تعود إلى مشغل كاسيت «توشيبا».
 
وقال هايز «كانت هناك أدلة الطب الشرعي أيضاً، حيث تم تحديد جزء من لوحة الدائرة الكهربائية التي عثر عليها بعد أشهر من التحطم في غابة أسكتلندية قريبة من لوكربي، على أنه جزء من الجهاز الذي أسقط الطائرة المنكوبة، وكما ذكر ضابط مكتب التحقيقات الفيدرالي توماس ثورمان، فإن ذلك كان جزءاً من جهاز توقيت إلكتروني صنعته شركة «ميبو»، وهي شركة سويسرية تصنع لوحات رادارات كهربائية للأجهزة المنزلية، وقد صُدِّرَ بعضها إلى ليبيا، وكان أحد الفنيين في الشركة وهو أولريش لومبيرت على استعداد للإدلاء بشهادته بأنه صنع هذه اللوحة خصيصاً بناء على طلب المقرحي. وفي 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1991، اتهم المقرحي والأمين خليفة فحيمة بالتورط في الهجوم، وذلك عبر مؤتمرات صحفية متزامنة عقدت في إدنبره وواشنطن التي طالبت بتسليمهما، لكن ليبيا رفضت وعرضت محاكمتهما على أراضيها».
 
لم يتم حل هذا المأزق وفقاً لديلي ميل إلا بعد مرور حوالي عشرة أعوام عندما تم الاتفاق على أن يواجه الليبيان العدالة في محكمة أسكتلندية حددت المقرحي كمذنب وبرأت الأمين فحيمة، وهنا المفاجأة الأخرى التي يفجرها الكتاب الذي قال إن إدوين بوليير وهو شريك في شركة ميبو رفض عرضاً من مكتب التحقيقات الفيدرالي بعدة ملايين من الدولارات مقابل شهادته للمحكمة بأن الدارات الكهربائية جزء تم توفيره خصيصاً لليبيا.
 
وأكد هايز أن أولريش لومبيرت اعترف بكذبه. كما اعترف بسرقة جزء من لوحة توقيت من مصنع ميبو وتسليمه إلى شخص رسمي يحقق في قضية لوكربي، وفي وقت لاحق تم الكشف عنه وهو ثيرمانو خبير المتفجرات في مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي).
 
حتى شاهد الإثبات الأساسي صاحب متجر جاوتشي المالطي كان وفقاً لديلي ميل غير نزيه، ولم يتم إخبار المحكمة بأنه قد تعرف في البداية إلى صورة لمشتبه فيه بالإرهاب مختلف تماماً عن المقرحي، ولم يتطرق في شهادته من خلال 18 شهادة إضافية إلى تغيير وصف الملابس في الشهادة بما يتلاءم مع ما كان يرتديه المقرحي، فيما لم يتم الكشف عن المكافأة التي تحصَّل عليها من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.