اصدر الإعلامي و الباحث التونسي منذر بالضيافي كتابا تعرض فيه الى تجربة حركة النهضة الاسلامية في الحكم عنونه : الإسلاميون والحكم تجربة حركة النهضة في تونس بين استحقاقات الثورة ومتطلبات الدولة ويعد الكتاب الاول من نوعه الذي رصد تجربة حكم النهضة الاسلامية وصدر بعد أسبوع فقط من خروجها من السلطة٠

الكتاب تضمن عشرة أبواب خصص كل واحد منها الى مرحلة من مراحل تجربة النهضة من بداية الثورة الى مشاركتها في الانتخابات ونجاحها فيها ووصولها الى الحكم انتهاء بخروجها منه و اتعاضها من التجربة المصرية انطلق الكاتب في كتابه ، الذي يؤرخ لفترة مهمة من تاريخ تونس بعد ثورة 2011 بسؤال قال فيه : "هل ستكون حركة النهضة قادرة على عدم استنساخ التجارب الفاشلة التي حكمت باسم الإسلام، في كل من أفغانستان وإيران والسودان ومصر؟. هو السؤال، الذي شغل كل المهتمين بالحراك السياسي في تونس، منذ صعود حركة النهضة الإسلامية إلى الحكم، اثر فوزها في أول انتخابات جرت بعد ثورة 14 جانفي 2011.

 

طرح مثل هذا السؤال، لم يكن اعتباطيا أو المراد منه التشكيك في قدرة إسلاميي تونس، على الحكم بسبب افتقارهم لبرنامج وللخبرة وللكفاءات القادرة على إدارة وتسيير بلد يعيش "حالة ثورية". و إنما غذته الصور القادمة من بلاد الأفغان، حيث مشاهد تلامذة وشيوخ طالبان يدمرون تماثيل بوذا، ويقتلون كل مظاهر الجمال والحضارة والحياة ويحولونها إلى أثر بعد عين..وهم يتوهمون أنهم بهذا يؤسسون لإمارة إسلامية، ستطبق شرع الله، لكنه غفل عنهم أنهم يعيدون الأمة الأفغانية إلى سنوات ما قبل الإنسانية، إلى عصور من الظلمات واحتقار للإنسان واغتيال للمدنية. ذات المشهد حصل في السودان، وان بصور وأشكال مختلفة. فمن انجازات "الإخوان" بعد أكثر من عشريتين في الحكم، تقسيم السودان إلى شمال مسلم وجنوب مسيحي، وتشريد شعب وتجويعه برغم أنه يملك أغني وأخصب الأراضي، كيف لا وهو الذي يشقه نهر النيل "واهب الحياة" كما قال المؤرخ الاغريقي هيرودورت.. لكن،  الإجابة لا يعرفها إلا الشيخ حسن الترابي ومريديه وتلامذته وزملائه –ومن بينهم الشيخ راشد الغنوشي-.

 

تخوفات التونسيين 

من حق التونسيين أن يتخوفوا، ومن حقهم أن يثيروا أكثر من سؤال، حول قدرة "إخوان تونس" - وهم يتولون عرش قرطاج- على نحت تجربة ناجحة، تقطع مع التجارب الفاشلة، وتؤسس لأنموذج يصالح بين الإسلام والديمقراطية. و لا يقسم أبناء المجتمع الواحد، إلى "إسلاميين" و "علمانيين" أو "مؤمنين" و"كفار"، بل يتم التعاطي معهم –كلهم- كمواطنين. خصوصا وأن تاريخ البلاد البعيد والقريب، عرف بانسجامه الثقافي والاثني وأيضا الطبيعي أو الجغرافي، وبتجذر الفكر الإصلاحي الذي يعود إلى أكثر من مائتي سنة . ما يعني أن البيئة الثقافية والسوسيولوجية، مهيئة لقيام "حزب إسلامي ديمقراطي"، يعيد إنتاج تجربة "الأحزاب المسيحية الديمقراطية" في أوربا، ولا يعيد إنتاج تجارب أفغانستان والسودان والصومال..."

 

 قراءة التاريخ

كان على الإسلاميين أن يقرؤوا جيدا تاريخ تونس – فهو ضروري ومهم - الذي عرف، بالتفاعل و التواصل بين برامج الإصلاح الديني (الثقافي) والمؤسساتي (السياسي)، حيث لم يتم الفصل بينهما. بل أن هناك ترابطا عضويا ومتينا بينهما. بين خير الدين باشا صاحب "أقوم المسالك"، والإمام الأعظم الطاهر بن عاشور صاحب تفسير "التحرير والتنوير". ما أوجد تعايشا بين "الأمير" و "الإمام"، قوامه عدم التداخل في الوظائف والمهام. ما جعل من تونس تعد "أنموذج" –سابق لأوانه- في الفصل بين "علمانية الدولة" (الذي لا يعنى إلغاء الدين وتهميشه، فقد كان خير الدين باشا حريصا على الملائمة بين تعاليم الإسلام والاقتباس من الغرب)  و "هوية المجتمع".  

 

 النهضة بين الأسلمة والمكاسب الاجتماعية

فهل ستكون حركة النهضة، وبعد أن انتقلت من موقع المعارضة إلى موقع السلطة، قادرة على تأكيد "مبدئية" قبولها بالخيار الديمقراطي، خاصة القبول بالتداول على الحكم، الذي هو أساس وجوهر الممارسة الديمقراطية؟ وهل ستحافظ على "النمط المجتمعي" الذي يتمسك به عموم التونسيين، ولا يقبلون المساس به؟ أم أنها ستحاول إجراء "تعديلات" أو "اختراقات" لخدمة مشروع "الأسلمة"؟ وهل ستبقي النخب الحداثية والطبقة الوسطى متيقظة ومدافعة عن المكاسب المجتمعية التي تحققت لفائدتها، وحمايتها من "التهديد الأصولي"؟ وما مستقبل التعايش بين "الإسلاميين" و "العلمانيين" في تونس؟

 

هذه الأسئلة، حاول الكاتب تقديم أجوبة لها من خلال تشريح تجربة حركة النهضة في الحكم.