من المغري أن يتم النظر إلى الفوضى في ليبيا اليوم على أنها أحد تجليات عدم جدوى التدخل العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة. هذا هو تحديدا ما يتحدث عنه ألان كوبرمان في مقاله )"فوضى أوباما في ليبيا" مارس/إبريل 2015)  والذي يؤكد فيه أن تدخل الناتو في 2011 في ليبيا كان "هزيمة صريحة" أطلقت مخزون ليبيا المهول من الأسلحة التقليدية وأظهر الجماعات المتطرفة وحتى أنها فاقمت الصراع في سوريا. اليوم لا يوجد شخص متورط في السياسة الليبية منذ إقصاء معمر القذافي راضي بمسار الأمور. كما يلاحظ كوبرمان عن حق فقد قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن ما حدث هناك هو أحد أكبر أسباب ندمه والتي يستقي منها دروس عن يفكر في التدخل العسكري الأمريكي في أي مكان أخر.

ولكن كوبرمان يذهب إلى أبعد من ذلك قائلا أن الموقف الذي أدى إلى تدخل الناتو لم يكن سيئا – أن تهديدات القذافي للمدنين تم المبالغة فيها وأن الولايات المتحدة وأوروبا خدوعوا كي يعتقدوا أن هناك طوارئ إنسانية. المسار الأفضل بالنسبة لكوبرمان كان المن المفترض أن يكون السامح للنظام بهزيمة الإنتفاضة وهو ما كاد أن يحدث عندما تدخل الناتو وبدلا من ذلك أن يستثمر في حل سياسي للوضع مع أبن القذافي، سيف الإسلام. مثل هذه المقولات مغرية بأثر رجعي ولكنها لا تلقي أي ضوء على ما واجهه السايسيون في ذلك الوقت وفي حالة الإعتقاد الخاطئ بخصوص سيف كانوا مضللين.

عندما إندلعت الأزمة ليبيا في فبراير 2011 أتت تقارير من جميع الأرجاء – تقييم دبلوماسي وإستخباراتي من الولايات المتحدة وأوروبا وتقارير صحفية وشهادات شهود عيان – بأن النظام كان يقوم بإعتقالات عشوائية وتعذيب وقتل. نظرا لسجله إصطف العالم للضغط على القذافي كي تراجع. في نهاية فبراير وافق مجلس الأمن بالإجماع على قرار يدعو للوقف الفوري للعنف ويفرض حظر أسلحة على ليبيا وعقوبات على عائلة القذافي القذافي وشخصيات رئيسية في النظام.

بالظبع إزدادت الأمور سوء. أفعال القذافي نفسه وخطابه جعلت من الواضح لنا في واشنطون (وحتى للروس المتشككين عادة وجامعة الدول العربية المتحفظة) أنه لن يتنحى بسهولة وأن كارثة إنسانية تلوح في الأفق. إذا إستمرت الإنتفاضة فإن قوات القذافي ستتجمع مرة أخرى وتقتلع الثوار في الشرق بفضل الأسلحة الأكثر تقدما.

يصف كوبرمان القذافي على أنه يمنح طمئنة وإفتتاحيات سلام ولكن ما رأه كل شخص أخر كان القذافي الذي لجئ إلى الإذاعة ووعد بأنه "لن تكون هناك رحمة" وأن قواته ستذهب من بيت إلى بيت بحثا عن "الخونة". قال لأتباعه "أقبضوا على الجرذان". في 15 مارس 2011 وبينما تقصف قوات القذافي مدينة أجدابيا قال النيو يورك تاميز من الصفوف الأمامية للرحيل المحموم الحاصل: "مئات من السيارات متخمة بالأطفال والفرشات وحقائب السفر – أي شيء يمكن الأمساك به وحزمه – تتخبط عبر الشوارع بينما السكان يهربون. يمكن أن ترى طوابير طويلة من السيارات على الطريق السريع تتجه شمالا إلى بن غازي وهي مدينة على بعد 100 ميل". وبينما تنقض قوات القذافي على بن غازي يبلغ تعداد سكانها 700000 شخص رأى العالم مذبحة وشيكة.

مع ذلك فإن القرار بإستخدام القوة العسكرية كان وشيكا. قرارا قسم القيادات الأمريكية العليا التي إقترب منها أوباما بحرص. وزير الخارجية الأمريكي روبرت جاتس الذي عارض التدخل سيتذكر في مذكراته أن الرئيس قال له أن القرار كان بنسة "51-49". الحملة العسكرية التي صممتها وقادتها الولايات المتحدة (ولو من وراء الكواليس) كانت محدودة بوقف الهجمات على المدنين والتوصل إلى وقف لإطلاق النار يمهد الطريق للإنتقال السياسي. لسوء الحظ وبالرغم من المجهودات الدبلوماسية للولايات المتحدة وأخرون – مبعوث أمريكي ومبادرة من الإتحاد الأوروبي ومبعوث خاص أمريكي وحتى لاعب شطرنج روسي- فإن ترك السلطة كان أخر ما ثبت أن القذافي مهتما به. نتيجة لعناده كان القذافي نفسه وليس الناتو هو ما حول التدخل من قبل بعثة لحماية المدنين إلى شيء أدى إلى تغير النظام.

في إجتماع في يوليو 2011 مع ممثلين القذافي في تونس قام المبعوثين الأمريكين (أحدنا، ديريك شولت كان من بينهم) قاموا بمحاولة أخيرة لعرض مخرج. بدلا من بحث شروط صفقة كي يتنحى القذافي لوح الليبيون بأن الثورة يحركها "عملاء أجانب" والقاعدة وأن واشنطون يجب أن تساندهم بدلا من قصفهم. وقد عبروا عن إحباط حقيقي مصدقين أنها منذ إعادة فتح العلاقات في 2003 كانت "ستحميهم". بعد الحرب إعترف بعض هؤلاء المسؤولين لمسؤولين أمريكين أنهم فهموا الطبيعة الوحشية للنظام الذي كانوا جزء منه وأن عائلة القذافي ودائرته المقربة لم تكن تصدق في أي وقت في الشهور الاولى للقصف أنهم سيهزموا –وأنه في كلامات أحد أقرب المقربين من القذافي أنهم قد عانوا من "تعالي وسؤ حسابات فائق". لذلك يبدو أن الطريقة التي أنه بها القذافي حكمه –هاربا ومختبئا في ماسورة مجاري قبل قتله- كانت حتمية.

حتى وإن كان هناك أعضاء في النظام مستعدين للتفاوض على خروج القذافي فإن تأكيد كوبرمان أن سيف أبن القذافي كان سيكون بديلا مقبولا بعيد الإحتمال. (من الجدير بالذكر أن مساعد سيف الأساسي شارك في إجتماع تونس). للأسف بالنسبة للشعب الليبي كان سيف جزء من المشكلة وليس الحل. هو بالفعل لعب دول المصلح في عيون المجتمع الدول لفترة وجيزة ولكنه ركز بشكل أساسي على إخراج ليبيا من قائمة العقوبات لجذب المستثمرين. ليس هناك دليل حقيقي على أنه كان هناك مكان للإصلاح السياسي الحقيقي على أجندة سيف بالرغم من أنه دفع بسخاء لبعض الأكاديمين الأمريكين لإلقاء محاضرات في ليبيا كما دفع أخاه لنجوم البوب كي يقوموا بتأدية عروض على يخوتهم الخاصة. بالفعل إن أي تحرر سياسيي أو شفافية زائدة كانت ستتعارض مع قدرة القذافي على إستخدام ثروة الدولة لمصلحة عائلته الخاصة.

المسؤولين الأمريكين الذين تعاملوا مع سيف بعد نبذ ليبيا للإرهاب وتخليها عن طموحتها في الأسلحة النووية في 2004 إعتبروه مبالغ في تقديره وبحلول الحرب وجدوه غير مستعد للنقاش. إن كان قد تبقى أي أمل أن يتصرف سيف كتأثير ملطف على أبيه ويقنع أباه بالتخلي عن الحكم فقد تحطم في مساء 20 فبراير، بعد ثلاثة أيام من إندلاع الأحتجاجات في بن غازي. في حديثه المضطرب في منتصف الليل والذي تماشى مع لهجة أبيه في غلها، حذر سيف الثوار من أن الحكومة الليبية ليست ضعيفة مثل الأنظمة التي سقطت في تونس ومصر. وقد إقترح أن الإحتجاجات مبالغ فيها ويتحكم بها لاعبين من الخارج وتوعد بأن "يحارب حتى أخر رصاصة". كانت خطبة سيف هي السبب الذي دفع موظفين ليبين مثل علي عجيلي، الذي كان في ذلك الوقت سفيرا لدى الولايات المتحدة كانت خطبة سيف هي ما دفعتهم للهروب إلى المعارضة.

بالقول أن الولايات المتحدة لم يكن يجب أن تتدخل في المقام الأول يتفادى كوبرمان المشكلة الأصعب: كيف كان يمكن أن تتعامل بشكل أفضل مع ليبيا ما بعد الحرب خاصة أخذا في الإعتبار تأثيرها المحدود على حكومة لم تكن متحمسة لتلقي مساعدتها وقدرتها المحدودة على إيصال هذه المساعدة حتى إن أردتها الحكومة.

إن معضلة ليبيا ما بعد الحرب هي أن ليبيا والشعب الليبي وحكوماتهم المتتالية الإنتقالية طالبتا بإستقلالهم وصمما على المعونات الدولية. وقد تسببت هذه الديناميكية في إحباط مستمر في المجتمع الدولي بينما هو يسعى إلى إعادة بناء المؤسسات الليبية التي أنهكها القذافي. لهذا السبب فإن المجتمع الدولي خطا بحرص موكلا بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في ليبيا والممثلين الممتابعين لأمين عام الامم المتحدة بالإشراف على تصميم وتنسيق وتطبيق برامج المعونة. وعلى عكس تأكيدات بعض النقاد لم يكن هناك إختيار واقعي لتأسيس ألية دولية لحفظ السلام أو الأمن بعد الصراع لأن الليبين لم يريدوه. ولم يتقدم مرشح صالح من الغرب أو المنطقة لقيادة أو تكوني تلك القوة لأن لا أحد يريد أ يشارك في مشروع قد يبدو نيو كولونيالي.

بدون مجهودات لحفظ السلام فإن UNSMIL والحلفاء الأساسين لليبيا سعوا لتجميع تشكيلة من برامج المساعدة التي قد تبدأ في إعادة بناء الإقتصاد والقضاء الليبي والأهم المؤسسات الأمنية. لا شك أن تلك العروض كان من الممكن أن يتم تنسيقها بشكل أفضل ولكن الليبين أستغرقوا أسابيع إن لم يكن شهور لقبول أي برنامج مساعدة – ووقت أطول كي يبدأ بسبب المساحة المعذبة لصنع القرار وإفتقرت الوزارات الليبية لسلطة وضع الميزانيات وإفتقر القطاع العام لأقل القدرات البيروقراطية. على سبيل المثال عملت إيطاليا وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة عملوا جميعا لبناء "قوة عامة" ليبية كي تحل محل الميلشيات ولكن فشل الإدارة الليبية وإنعدام الموارد المجندين وقفت في طريق ذلك. بالرغم من المجهود الضخم إنهارت تلك المبادرة. بل أن ما عدا بعض المجتمع المدني الفعال وبرامج مساعدة الإنتخابات  عمل برنامج واحد فقط تم تصميمه وتطبيقه بين 2012 و 2014 كما كانت النية في مجال الأمن: تدمير ما تبقي وما لم يتم الإعلان عنه من الأسلحة الكيميائية.

نعم كان من الممكن أن يطلب المجتمع الدولي أكثر من ذلك من الليبين. بإعادة النظر ربما كان يراعي بشكل زائد الحساسيات الليبية حول التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد وربما كان على المسؤولين أن يضغطوا على الليبين أكثر كثيرا لنزع السلاح وتوقيف المليشيات وإعادة دمجهم داخل هيكل عسكري يتم إصلاحه. ولكن قدرة الأخرين على الضغط كانت محدودة. الولايات المتحدة وشركائها لم يسطيعوا فرض قرارات والتوقيع على وثائق أساسية أو إستصدار مدفوعات من عملية موازنة غير فعالة. بدلا من ذلك إنتشرت الميلشيات وتم إضفاء شرعية عليها من قبل الحكومة الليبية مما إدى الي الفوضى اليوم.

المشكلة الكبرى التي واجهتها الولايات المتحدة كانت عدم وجود عاملين على الأرض يمكنهم تقييم الموقف بشكل أولي والعمل مع الحكومة الليبية والتنسيق مع الحلفاء والرجوع لواشنطون بتقارير وتوصيات. في 2012 كان هناك عشرة مسؤولين أمريكين فقط يمارسون هذه المهام في طرابلس كنتيجة للقلق الأمني ولحقيقة أنه كان يجب السفارة الأمريكية تغير السفارة الأمريكية بالكامل بعد إخلائها ونهبها في 2011. وبعد مقتل السفير الأمريكي في الولايات المتحدة كريستوفر ستيفنز في 2012 أصبحت أولوية الولايات المتحدة بشكل مفهوم هي إعادة جعل التعافي من مأساة موته أولوية والتأكد من حماية الموظفين الباقين مما جعل من الصعوبة الشديدة التحرك لمساعدة الحكومة الليبية. في العام الماضي قامت الولايات المتحدة وأغلب الدول الأخرى بتغطية سفارتها في طرابلس بسبب المخاوف الأمنية.

تلك كانت بعض الدروس الأولية من التدخل وتبعاته. وعلى عكس التدخل في البلقان وأفغانستان والعراق والتي تضمنت ألاف القوات فإن التدخل في ليبيا لم يعطي الدبملوماسيين الأمريكيين ومسؤولي المعونة أي من مقومات (وأحيانا نقاط ضعف) الجيش الأمريكي. إعادة بناء الوزارات المدنية والتفاعف مع السكان المحليين أسهل مما لا شك فيه تحت حماية قوات الولايات المتحدة أو التحالف. كما أوضح أوباما فإن المزيد من التخطيط ضروري لمثل هذه التوجهات الحريصة لفرض الإستقرار فيما بعد الحرب.

وبينما نختلف مع النتائج التي توصل لها كوبرمان فإن بحثه المبهر في التدخلات في ليبيا يبين المعضلات التي يواجهها صناع القرار خاصة التحديان المتلازمان للمعلومات والوقت. كما أنه تعيد إلى الأذهان التوجهات المختلفة للمحللين وصناع القرار. كما لاحظ هنري كيسينجر في كتابه الدبلوماسية فإن المحللين قد يختارون مشاكل يريدون دراستها "بينما تفرض مشاكل رجال الدولة عليهم". وبينما يملك المحللين جميع الحقائق ولديهم متسع من الوقت للوصول إلى نتائجهم ومواجهة مخاطرة ضئيلة للوقوع في الخطأ فإن ضغط الوقت كما كتب "تحدي كاسح" لصناع القرار الذين "يجب أن يعملوا على أساس تقيمات لم يمكن إثباتها فورا" وتلك "الأخطاء غير قابلة للإسترجاع".

ديريك شولت مستشار وكبير ومستشاري صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة. في 2011-12 وكان كبير مديري التخطيط الإستراتيجي في مجلس الأمن القومي. في 2012-15 كان مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشوؤن الأمن الدولي. بن فيشمان كبير مستشاري زملاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجة. في 2011-13 كان مدير شمال أفريقيا والأردن في مجلس الأمن القومي

كوبرمان يرد

أقدر أن ديريك شولت وبن فيشمان قد إعترفا بأحدى المبادئ المركزية لمقالي الأخير: أنه عشية تدخل الناتو في 2011 ". الحملة العسكرية التي صممتها وقادتها الولايات المتحدة" هناك "فوضى في ليبيا اليوم". ولكن هؤلاء المسؤولين السابقين في مجلس الأمن القومي الأمريكي يحاولون وضع اللوم على كل الناس ما عدا من هم مسؤولين: الرئيس باراك أوباما وكبار مستشاريه الذين دفعوا من أجل هذا التدخل.

يقول شولت وفيشمان أن الإدارة لم تخطئ بالتدخل على الأساس الزائف بقرب حلول حمام دماء لأن "العالم (بأكمله) رأى المذبحة وهي تكاد تحدث". ولكن ببساطة ذلك غير حقيقي. أهم منظمتان لحقوق الأنسان في العالم، منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس واتش لم تحذر أبدا من مذبحة مترقبة في ليبيا. كما أن مجتمع المخابرات الأمريكي لم يحذر أيضا حسبما قال أحد كبار مسؤوليه الذي قال لواشنطون تايمز في يناير الماضي أن التدخل "كان قرار خفيف في معلوماته". 

إن معرفتي بهذا الأساس الخاطئ للحرب لا يعكس فقط نظرة إسترجاعية سليمة تماما لأكاديمي كما يشير شولت وفيشمان. على العكس لقد حذرت من الخداع الليبي منذ مارس 2011 كاتبا في يو إس إيه توداي: "بالرغم من الإنتشار كاميرات هواتف التليفون في كل مكان إلا أنه لا يوجد صورا لعنف التطهير العرقي وهو إدعاء تفوح منه رائحة دعاية الثوار". أخذا في الإعتبار أن خبراء في الإستخبارات وحقوق الإنسان والمجتمع البحثي عبروا عن شكوك قوية في ذلك الوقت حلو تحذيرات الثوار من حمام دماء وشيك إلا أن إدارة أوباما يجب أن تتحمل المسؤولية عن قيادة التدخل الكارثي على أرضية مزيفة.

في مرواغة أخرى إدعى شولت وفيشمان أن الفشل في المفاوضة على نتيجة سلمية هو ذنب معمر القذافي "بالرغم من الجهود الدبلوماسية للولايات المتحدة وأخرين". الحقائق تدل على العكس. بعد ثلاثة أيام فقط من حملة القصف قطعت إدارة أوباما المفاوضات بين الولايات المتحدة والقيادة الأفريقية ونظام القذافي من جانب واحد.

قال تشارلز كوبيك الأدميرال المتقاعد في البحرية الأمريكية والذي توسط في المفاوضات لواشنطون تايمز أن قادة القذافي العسكريين قد عرضوا خطة سلام بموجبها "يتوقف الليبين عن جميع عمليات القتال ويسحبون جميع القوات السكرية إلى ضواحي المدن ويتخذون وضعا دفاعيا". يتذكر كوبيك أن القذافي "كان مستعدا للتنازل والسماح بحكومة إنتقالية بشرطان: أن يضمن لدائرته المقربة خروجا أمنا من البلاد وأن يبقي الجيش الليبي ما يبكفي من القوة لمحاربة الإسلاميين الراديكاليين. بنظرة إستعادية يطرح كوبيك سؤالا محوريا عن توجه أوباما وفريقه: "إن كان الهدف هو إخراج القذافي من السلطة فلما لا يتم طرح هدنة لمدة 72 ساعة للمحاولة؟". لهؤلاء المسؤولين الإداريين خم "لم يكن كافيا إقصائه عن الحكم، كانوا يريدونه ميتا".

غير مدركا لذلك إستمر القذافي في السعي وراء محادثات سلام بلا جدوى. في 10 إبريل 2011 قبل عرضا من الإتحاد الأفريقي لوقف إطلاق نار فوري يعقبه حوار وطني. ولكن الثوار أعلنوا أنهم سيرفضون أي وقف لإطلاق النار حتى يرحل القذافي عن الحكم ودعمت الولايات المتحدة هذا الموقف المتمرد. مع ذلك وحفظا للسلام عرضت حكومة القذافي أن تدفع تعويضا للضحايا. رفض الثوار هذا العرض سريعا ومرة أخرى كانت تدعمهم إدارة أوباما.

قال الكتاب أن شولت والمفاوضين الأمريكين الأخرين في يوليو 2011 بعد أربعة شهور من قصف ناتو عرضوا "صفقة لتنحية القذافي" يدعون أنه لأن القذافي رفض مثل تلك المطالب لإستسلام أحادي الجانب "فالقذافي نفسه وليس الناتو هو الذي حول التدخل من مهمة لحماية المدنين إلى شيء تغير النظام".

ولكن هذا التأكيد يقلب المنطق رأسا على عقب. لقد أصرت إدارة أوباما على تغير النظام منذ البداية. في 3 مارس 2011 وقبل أسبوعان من تدخل الناتو أعلن أوباما أن القذافي يجب أن يتنحى من السلطة ويرحل". هذا يفسر لما أمرت وزارة الخارجية القيادة الأفريفية بوقف محادثات السلام يوم 22 مارس ولما إستمرت الناتو في القصف حتى بعد أن رفض الثوار المفاوضات بشكل متكرر.

أكثر مقطع منفر من رد شولت وفيشمان يأتي عندما يلمون القذافي على تعذيبه وإعدامه. يصرون أن ذلك كان ذلك بسبب رفض الرئيس الليبي القبول بقصف الناتو ويصرون أن الطريقة "التي أنهى بها القذافي حكمه – هاربا ومختبئا في ماسورة مجاري قبل قتله- كانت حتمية".

الأمر ليس كذلك. إن تلك النتيجة القبيحة لم تكن حتمية. بل إنها كانت نتيجة  لسلسلة أخطاء إدارة أوباما: بدأ حرب إختيارية على أسس مزيفة، وتتجاوز تفويض الأمم المتحدة بحماية المدنين ورفض العروض السلمية للقذافي بإصرار على تغير النظام ودعم المعارضة المكونة من إسلامين راديكالين وميليشيات مقسمة.بعد أن تأكد موت القذافي في أكتوبر 2011 أعلنت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون  بشماتة للصحفيين التلفزيونين "أتينا وشاهدنا، لقد مات!" لقد كانت محقة في إدعاء الفضل لإدارة أوباما في النتيجة في ليبيا بما في ذلك مقتل القذافي الوحشي. في ذلك الوقت مع ذلك أمنت هي وزملائها أن تدخلهم كان نجاحا. ولأن مع تحوله لفشل ذريع فالوقت متأخر لرفض المسؤولية. كما تعلم الرئيس جورج دبليو بوش بالطريقة الصعبة، يمكن أن تعلن "إنجاز المهمة" ولكن الأحداث التالية ستطاردك.