جاءت الخطوة الثلاثية السعودية البحرينية الامارتية الاخيرة بسحب سفرائها من دولة قطر كتتويج للمسار المتشجنج الذي طبع العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي و قطر في الاونة الاخيرة ،فقد شهدت الايام السابقة ظهورا معلنا للخلافات على خلفية السياسة القطرية القاطعة مع التوافق الخليجي في ملفات عديدة أهمها ملف جماعة الاخوان المسلمين و الموقف القطري مما حصل في مصر في 30 يونيو 2013 الماضي و تبنيه لمقولات و تهجمات الداعية الاخواني يوسف القرضاوي ضد السعودية و الامارات و التي اتخذت في الاونة الاخيرة طبيعة مغايرة متخطية كل الخطوط الحمراء.

البيان المشترك للدول الثلاث أشار الى أن القرار اتخذ بعد فشل كافة الجهود في إقناع قطر بضرورة الالتزام بالمبادئ التي تكفل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد، سواءً عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي وعدم دعم الإعلام المعادي.

فشل جهود المصالحة و "نكث العهد"

الخطوة الخليجية الاخيرة كشفت بما لا يدع للشك أن جهود المصالحة التي قادها امير الكويت في وقت سابق قد بأت بالفشل ،فقد تعهد الامير القطري الجديد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في حضور امير دولة الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر اثناء اللقاء الثلاثي الطارئ في الرياض في كانون الاول (ديسمبر) 2013 ،بوقف دعم الاخوان المسلمين في الخليج ومصر، ووقف حملات قناة (الجزيرة) الفضائية على السلطات المصرية ودعم مظاهرات الاخوان المسلمين واحتجاجاتهم، والالتزام بسياسات مجلس التعاون الخليجي في هذا الاطار.

البيان المشترك قال في هذا السياق "وأشار إلى أنه "من منطلق الرغبة الصادقة لدى قادتها بضرورة بذل كافة الجهود لتوثيق عرى الروابط بين دول المجلس، ووفقاً لما تتطلع إليه شعوبها من ضرورة المحافظة على ما تحقق ولله الحمد من إنجازات ومكتسبات، وفي مقدمتها المحافظة على أمن واستقرار دول المجلس، والذي نصت الاتفاقية الأمنية الموقعة بين دول المجلس على أنه مسؤولية جماعية يقع عبؤها على هذه الدول، فقد بذلت دولهم جهوداً كبيرة للتواصل مع دولة قطر على كافة المستويات بهدف الاتفاق على مسار نهج يكفل السير ضمن إطار سياسة موحدة لدول المجلس تقوم على الأسس الواردة في النظام الأساسي لمجلس التعاون، وفي الاتفاقيات الموقعة بينها، بما في ذلك الاتفاقية الأمنية، والالتزام بالمبادئ التي تكفل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد، سواء عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي، وعدم دعم الإعلام المعادي".

مشيرا إلى أنه "مع أن تلك الجهود قد أسفرت عن موافقة دولة قطر على ذلك من خلال توقيع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، على الاتفاق المبرم على إثر الاجتماع الذي عقد في الرياض بتاريخ 23 نوفمبر 2013م بحضور الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، والذي وقعه وأيده جميع قادة دول المجلس، فإن الدول الثلاث كانت تأمل في أن يتم وضع الاتفاق - المنوه عنه - موضع التنفيذ من قبل دولة قطر حال التوقيع عليه".

قطر و سياسة «خلق المشاكل» في العالم العربي

منذ اطلاقها لقناة "الجزيرة" العام 1995 تحولت قطر من صديق لجميع الدول العربية تحتفظ معها بعلاقات ودية و عادية في أسوء الاحوال الى بلد يواجه بين الحين و الاخر موجة مشاكل و توتر في علاقته العربية ،فقد دأبت الجزيرة على شن الحملات الاعلامية على مختلف الدول العربية بين المغرب و المشرق متطرقة الى ملفات الديمقراطية و الفسالد و حقوق الانسان،و لكن دون الاشارة ابدا الى الوضع الداخلي القطري و الذي كان دائما فوق النقد بالرغم من تخلفه الشديد في المستويات السياسية و الحقوقية.

بدأت المشاكل مع تونس ثم الجزائر أواخر تسعينات القرن الماضي فقد اتهم البلدان قطر بمحاولة ارجاع الحركات الاسلامية المتطرفة كالنهضة و الجبهة الاسلامية للانقاذ الى الواجهة و دعمها اعلاميا كما اتهمت الجيش الجزائري بارتكاب مجازر كانت العديد من المصادر المستقلة قد اكدت ان من ارتكبها هي الجماعات الارهابية ،ثم تعكرت العلاقات مع المغرب الاقصى حول الملف الحقوقي بالرغم من الجهود التي بذلها الملك محمد السادس في اول عهده و عصر الانفتاح السياسي الا ان قطر و أداتها الاعلامية الجزيرة قد واصلت دعم الاسلاميين ،ليلتحق بقائمة المستهدفيين الاردن و السلطة الفلسطنية حين قرر النظام القطري دعم حكرة الحماس و من خلفها الجماعة الام في مصر جماعة الاخوان المسلميين .

غير أن الامور تسارعت فيما بعد اذ افتربت قطر أكثر فأكثر من الخطوط الحمراء و بدأت في مناكفت جيرانها في مجلس التعاون الخليجي و بدأت بدعم جهات معادية للدول الخليجية في السعودية و الكويت و الامارات و البحريين و في هذا الصدد نقلت تقارير اعلامية الى "إنه قد ترددت في الآونة الأخيرة تسريبات صحافية حول اتخاذ خطوة تصعيدية من جانب الدول الثلاث تجاه قطر، وذلك بعد أن ثبت لكثير من الأجهزة الحكومية في الدول الثلاث أن هناك نشاطات تصنف بأنها نشاطات معادية للدول الثلاث موجودة على الأراضي القطرية.و كذلك وجود منظمات ووسائل إعلام تنتهج منحى تصعيدياً ضد الدول الثلاث.من بينها منظمات دولية ذات النهج المعادي للبحرين موجودة الآن في الدوحة، مثل منظمة "أكاديمية التغيير" التي تعنى بالتدريب حول إثارة "الفوضى الخلاقة" وهي موجودة في الدوحة، ويترأسها الدكتور هشام مرسي، زوج بنت الشيخ القرضاوي، وهو في حد ذاته نوع من أنواع التدخل في الشأن البحريني".

قطر و القرضاوي و الاخوان

كنا في دراسة سابقة نشرها "مرصد بوابة افريقيا الاخبارية" عن الشيخ الاخواني يوسف القرضاوي و دراسة عن قناة "الجزيرة" قد أشرنا الى الدور الذي يقوم به الشيخ و القناة في السياسة القطرية الداعمة للجماعة الاسلامية و الارهابية و تعكير صفو العلاقات العربية في أكثر من موضع.

"و في الحقيقة إنّ الكلام عن دور "الجزيرة" في خدمة مشروع الإسلام السياسي و الحركي لا يحتاج لكثير من الحجج و الأدلّة التي ستكشف عن نفسها بسفور واضح لكلّ من تابع و لازال يُتابع أخبار و برامج القناة ,فالجزيرة و منذ بدايتها أتاحت أحد أشهر برامجها الأسبوعية لأحد أبرز الوجوه الإخوانيّة على الإطلاق و هو يوسف القرضاوي عبر برنامج "الشربعة و الحياة" الذي حضي منذ البداية بمتابعة كبيرة ,القرضاوي إبن جماعة الإخوان المسلمين و أحد بُناة جهازها الفكري و المفاهيمي و أحد دعاتها الكبار و المنتمي لها منذ شيايه الباكر و الحامل إلى اليوم همومها الثّقيلة و المسكون حتّى هذه اللحظة من عمره الطّويل بأمالها و ألامها ,و الذي لم يتوانى أبدًا في إستغلال برنامجه لتمرير أفكار الجماعة و تشويه خصومها و خدمة المشروع المناوء للدّولة الوطنيّة في الوطن العربي و خدمة المشروع الكبير الذي تتقاطع فيه الجزيرة و الإخوان و قطر .

و ليس عسيرًا أبدًا على المُتابع لقناة الجزيرة ملاحظة التّقديم الإحتفائي الكبير الذي حظيت به وجوه الإسلام السياسي عبر شاشة القناة ,فالسلسة الوثائقيّة "إسلاميون" –على سبيل المثال- لم تكن تصب في غير هذه الخانة التمجيديّة لرموز إخوانيّة وجهاديّة على رأسها السيّد قطب بأفكاره التكفيريّة التي قسمت المجتمع المسلم إلى "عُصبة مؤمنة" و "جاهليّة جديدة" كما تناولت تلك السّلسة من الوثائقيات بشكل إحتفائي تيارات و شخصيات الإسلام السياسي من حسن البنا و جماعة الإخوان مرورًا بالمودودي و أفكاره وصولاً الى الخوميني و ثورته ،و في ذات

السّياق كانت برامج و تقارير إخباريّة و ريبورتاجات و وثائقيات أخرى كثيرة تؤدّي نفس المهمّة التّلميعيّة لوجوه إخوانيّة بطرق الإبهار الإعلامي في توظيف الصّور و النّص من أجل صناعة رموز "بديلة" كأردوغان –مثلاً- الذي خصّته القناة بوثائقيّ رفيع الجودة موجّه بطريقة متقنة و مؤثّرة .

ثمّ إنّ نظرة صغيرة على قائمة موظفي الجزيرة ستكشف نهجها الإخواني الواضح ,فرفيق عبد السلام بوشلاكة وزير الخارجيّة التّونسي سابق و القيادي في حركة النّهضة و زوج إبنة رئيسها راشد الغنّوشي كان رئيس البحوث في مركز الجزيرة ,و مديرها العام السّابق وضّاح خنفر إخواني/حمساويُّ  تنظّم في الجماعة و نشط فيها سنوات طويلة و كان مديرًا بالجزيرة لمدّة ثماني سنوات قبل أن تُسقطه و تسقط معه أقنعة القناة حين كشفت الوثيقة رقم 05DOHA1765 من وثائق "ويكيليكس" و تاريخها 20/10/2005 التعاون الوثيق بين المدير العام للجزيرة والسلطات الاميركية من خلال ازالة مواد تضر بالصورة والجيش الاميركي في العراق .أحمد منصور أحد أبرز وجوه القناة من ببرنامجه الأسبوعي "بلا حدود" هو أيضًا إخوانيٌّ كرّس هذا المنبرالإعلامي  لنشر أفكار الجماعة و التهجّم على خصومها و تشويههم ,و طرح الأسئلة بطريقة موجّهة و إنطباعيّة بدرجة صفر من المهنيّة ،الرّجل الذي لا يخفي على الشّاشة و خارجها إنتمائه للجماعة و الدّفاع عنها و عن رموزها و خدمة مشروعها و الشتم بأقذع الألفاظ –و بدرجة صفر من المهنيّة- كلّ خصومها في معركة السياسة التي خسرتها مؤخّرًا في مصر" .في مصر الآن تحوّلت الجزيرة الى زيت مسكوب على نار الفتنة و الدّم في البلاد من خلال بيانتها التحريضية ضد الجيش و الأمن و الدّولة و تضخيمها بمجاهر الكاميرا لمسيرات صغيرة للإخوان و بثها لــ"تسريبات" لا قيمة لها غير دعاية مرتبكة لتشويه صورة خصوم الإسلاميين.بحيث لم يعد خافيًا أبدًا أن الجزيرة لا تتلزم –كما هو شأنها دومًا- بمواثيق العمل الصّحفي المهني و المواثيق الإعلامية ذات البعد الأخلاقي و خاصة مفهوم "إعلام الأزمات" الذي يرتكز على مبدئ "الحد من الضرر" في حال اشتعال أزمات سياسية أو إجتماعية قد تؤدي إلى نشوب حروب أهلية أو تؤدي إلى إضفاء الشرعية على حركات العنف المسلح السياسية.(1)

فأن تقبل قطر بالهجوم الذي شنه القرضاوي موخرا من احد مساجد الدوحة على القيادة الاماراتية و السعودية تلميحا ،هو قبول ضمني بما قاله و موافقة له على توجهاته ،ولا نعتقد أن القرضاوي يمكن أن يعود إلى منبر الخطابة، وأن يقول ما قاله دون موافقة السلطات القطرية الرسمية، بل من المحتمل أن تكون هي التي أوعزت للشيخ بالذهاب إلى المسجد وإلقاء خطبته الناريةنعلى حد قول احد المراقبيين،و هو امر لا يستطيع اي بلد يحترم سيادته الوطنية ان يوافق عليه ،بل ان خطوة سحب السفراء تعد الخطوة الاقل تشجنجا في الرد و من يعلم لعل خطوات عقابية جديدة يمكن ان تعمد اليها الدول الخليجية ضد قطر ان هي واصلت السير في ذات السياسات العدائية ضد جيرانها في القادم من الايام .

و في هذا السياق قد أشار البيان الثلاثي المشترك الى " حرصها على مصالح كافة شعوب دول المجلس، بما في ذلك الشعب القطري الشقيق الذي تعده جزءاً لا يتجزأ من بقية دول شعوب دول المجلس، وتأمل في أن تسارع دولة قطر إلى اتخاذ الخطوات الفورية للاستجابة لما سبق الاتفاق عليه، ولحماية مسيرة دول المجلس من أي تصدع، والذي تعقد عليه شعوبها آمالاً كبيرة".

-----

(1)- « الجزيرة و سقوط الأقنعة »: دور القناة «القطرية» في صعود التطرف الاسلامي    http://bit.ly/1cl6LGj