لا يزال محمد عبد السلام وأسرته ينتظرون يوم عودتهم إلى بيتهم بحي المغار بمدينة درنة وهو أحد سكان الحي حيث ولد وترعرع في هذا الحي منذ طفولته فهو الوريث الوحيد لعائلته التي تعتبر من عائلات المغار العريقة والتي ترجع أصولها الأندلسية إلى عشرات السنين .

وفي حوار أجراه مراسل "بوابة أفريقيا الإخبارية" مع رب الأسرة محمد يقول أنه "عاش في بيت أبوه وجده الذي ورثه عن سلالة أجدادهم والذي تربطهم علاقة أزلية مع المكان الذي عاشوا فيه بنفس الطباع والعادات والتقاليد بطيبة أهل المغار وعفويتهم ومرؤتهم وشهامتهم وكرمهم والتي أخذت طابعا مميزا لدى أهالي درنة" .

ويضيف محمد وهو أب لأربعة أولاد ثلاثة أولاد وبنت واحدة وزوجته وأمه العجوز المسنة والبالغة من العمر 86 سنة، "حينما بدأت الحرب في درنة على الجماعات الإرهابية وارتفعت أصوات الرصاص والمدافع مما جعل  المجموعات الإرهابية تتمركز في وسط المدينة".

فلم يكن أمام عائلة محمد، بحسب قوله، إلا "مغادرة بيتها في أول أيام شهر رمضان المبارك بعد أن استنفذت كل ما لديها من سلع وأطعمة والانقطاع المستمر للكهرباء فغادروا مجبرين لهربوهم من أصوات الرصاص والاشتباكات في داخل حيهم وأزقتهم رافعين الرايات البيضاء ليس للاستسلام ولكن بحثا عن السلم والسلام والخروج من ممر آمن إلى أحدى مناطق الجوار ".

وأضاف قائلا، نظرا لعدم امتلاكهم سيارة فكانت بداية رحلة نزوحهم على الأقدام من مسجد الرشيد إلى زاوية بن عيسي إلى نهاية شارع المغار الغربي حيث وصلوا إلى مدرسة عزوز وهم صيام ويلوحون براياتهم البيض حتى لا تصيبهم رصاصات الحرب في يوم لن ينساه محمد ولا أولاده ولا تلك العجوز التي ماكفت من الدعاء عليهم وعيونها تذرف الدموع .

واستطرد محمد في حديثه قائلا : "ما أن وصلنا انا وعائلتي إلى مصرف الجهورية واقتربنا من أول تمركز لقوات الجيش وعبرنا إلى بومسافر تحصلنا على سيارة نقلتنا إلى مدينة البيضاء حيث يسكن احد أقربائنا هناك حيث مكنا من الحصول على شقة صغيرة بالإيجار وكذلك تحصلت  على اعانات من منظمة إنسانية عن طريق صديق لي  تمثلت في أواني طهي وبعض السلع والبطاطين والمفروشات".

وهنا بدأ "محمد" مرحلة أخرى نازحا فيها من مدينته ويبحث عن عمل ليوفر ثمن الإيجار الشهري فكانت سيارة الأجرة التي استأجرها من أحد أقاربه لكي يعمل كسائق أجرة باليومية حتى يوفر السيولة لأسرته وجزء من إيجار تلك الشقة التي ضاقت بمحمد وأسرته بعد ذلك المنزل الكبير في درنة ، فالخبز والغاز والبنزين كلها طوابير وازدحام وأسعار السلع والمواد الغذائية كل يوم في ارتفاع ، فرغيف الخبز يوم متوفر واحيانا لا يوجد ويوم تجد الـ 5 ارغفة بدينار والـ10 بدينار وكذلك التاجر لا يعرف إلا 40 % نسبة عن كل قسيمة شراء .

وتقول آسيا أبنة محمد الصغيرة التي لم تتجاوز الخمس سنوات لوالدها "نريد الذهاب لدرنة يا أبي  ولا يهم حتى لو نموت المهم في درنة  فهي طفلة تعلقت بمسقط رأسها ، فلم تتنازل عنه ولا يزال محمد وأسرته ينتظرون يوم عودتهم إلى بيتهم ومغارهم.

ويختتم محمّد قصته بالقول "أملنا في الله كبير وثقتنا فيه أكبر من كل شيء"