لا تكاد تكون مدينة ليبية قد سلمت من ويلات الحروب والاشتباكات خلال السبع سنوات الأخيرة، وما ترتب على ذلك من قتل وتهجير لأهلها، وتدمير لمؤسساتها، وضياع لمقدراتها، ولعل مدينة سرت تأتي في مقدمة المدن الليبية كونها نالت نصيبها مضاعفا، ما جعلها توصف بستالينغراد ليبيا، وعلى الرغم من كل ما حل بها من دمار نهضت المدينة في كل مرة، ونفضت عن نفسها غبار الحرب، واستعادت مقدراتها، ولم يتحقق هذا إلا بمبادرات أبناءها في كل مرة، وفي هذا السياق نقف عند مبادرة قام بها أحد شباب المدينة الذي تمكن من الحفاظ على إحدى أهم المكتبات بالمدينة، بإنقاذها من قبضة عناصر تنظيم داعش الذين لو تمكنوا منها لكانت أثرا بعد عين.  

المواطن "أمباشر فرج السيوي" الموظف بمجلس الثقافة العام، قرر نقل مكتبة مجلس الثقافة العام إلى منزله ووضعها في مكان آمن، وعند سيطرة تنظيم داعش على المدينة تم تهديده في أكثر من مناسبة بدعوى أنه يتستر على ( كتب تدعو إلى الكفر ) ولم يبالي وأصر على موقفه بأن تظل هذه الكتب في بيته محافظا عليها نسخة نسخة.

ويؤكد هذا الشاب أن موقفه هذا بني على اعتقاده الجازم بأنه حتما – غدا تشرق الشمس - ومن بين كل هذا الركام والخراب والدمار يجب أن تسهم هذه الثروة المعرفية في النهوض بالمدينة التي كان من المفترض أن تكون "عاصمة الثقافة العربية" في سنة 2011م .. وتعرض "السيوي" إلى التهديد تارة والإغراء تارة أخرى ليتنازل عما يحتفظ به إلا أنه أصر أن يتحمل المسؤولية إلى أن وجد ما رأى أنه المكان المناسب الذي يسلم له هذه الأمانة، عندما التقى بعميد كلية الآداب بجامعة سرت الدكتورة فرحة الشريدي، التي وضعت إدارة الجامعة في صورة ما يحاك لهذا الكنز المعرفي من دسائس بغية وضع اليد عليه، وبتفويض من إدارة الجامعة تم إحالة الكتب إلى مكتبة كلية الآداب، وبطرق قانونية ومشروعة من خلال مخاطبة مجلس الثقافة العام رسميا وبضمان أن تكون هذه المكتبة بمثابة مركز ثقافي حقيقي متاح لكل طالب معرفة أو باحث ، واعتبرت الدكتورة " فرحة " أن هذه المكتبة بمثابة إرث عظيم جدا لمدينة سرت، وهي تقول : " سرت قادرة على أن تحيا من تحت الركام " وتعهدت الدكتورة بالحفاظ على هذا الإرث مهما كان الثمن ، وأردفت " إن هذا الموقف يذكرها ببغداد بعد هجمات التتار حيث نهضت هذه المدينة ، وأن إحياء مكتبة يعد بصيص أمل حقيقي وإعادة إعمار العقل البشري ، فإعادة إعمار البنيان من الممكن أن يتأتى في أي وقت تستقر فيه الظروف السياسية والأمنية أما إعادة إعمار العقل البشري فذلك لا يتأتى إلا من خلال مثل هذه المشاريع العظيمة خاصة وأن المدينة بها من الكوادر البشرية ما يؤهلها.