بمجرد دخولها إلى المغرب، وخلال فترة أول مقيم عام هوبرت ليوتي (1854-1934)، أطلقت فرنسا سياسة ثقافية وإدارية جديدة، عبر إنشاء نظام تشريعي وإداري لحماية الممتلكات المعمارية المغربية التي تهددها التدمير بسبب عدم الاهتمام بقيمة التراث المعماري وأنشئت هيئة تشريعية لحماية التراث والبناءات القديمة.

السياسة الفرنسية تمت عبر مراسيم تتعلق بالحفاظ على المدن والآثار والنقوش التاريخية وإنشاء إدارة مكلفة بوضع لائحة تصنيفها. والتفكير الفرنسي في ذلك الوقت لم يكن الهدف منه تثمين التاريخ المغربي بقدر ما هي نوايا أو توقعات بالبقاء الدائم في إطار سلطة الأمر الواقع.

ومن أولى المعالم التي بدأ العمل عليها قصبة الوداية وهي قلعة مبنية على جانب صخرة تطل على مصب أبي رقراق وتقدم بانوراما استثنائية للمحيط الأطلسي ومدينة سلا، وتعتبر من أهم المعالم في العاصمة الرباطلما تحمله من آثار تاريخية خازنة للموروث الأندلسي ودالة على قرون التعايش والتسامح في بلد له من التنويعات الثقافية والدينية ما يجعله فضاء استثنائيا في منطقة شمال إفريقيا والمغرب العربي. كما أن الأوادية، معلم مصنف ضمن لائحة التراث العالمي وهو قلعة عسكرية ركزها السلطان المرابطي يوسف بن تاشفين في بداية القرن الثاني عشر الميلادي في حربه مع الدولة البرغواطية (أمازيغية)، ثم في حربه ضد الإسبان في الأندلس.


القصبة هي البوابة الأولى للعاصمة الرباط، تقع على جرف صخري شمال شرقها عبر إطلالتين مائيتين، واحدة على نهر إبي رقراق والمحيط الأطلسي، ويعود اسمها حسب ما تذكر بعض المصادر إلى إحدى القبائل الصحراوية التي سكنت المكان في القرن 12 ميلاديا.

عرفت قصبة الأوداية تاريخا متنوعا ومتميزا، "يتجلى خصوصا في المباني التي تتكون منها فسورها الموحدي وبابها الأثر، يعتبران من رموز الفن المعماري الموحدي بالإضافة إلى مسجدها المعروفبالجامع العتيق، أما المنشآت العلوية فتتجلى في الأسوار الرشيدية، والقصر الأميريالذي يقع غربا وكذلك منشئتها العسكرية برج صقالة".

بعد المرابطين الذين شيدوها، حظيت قصبة الوداية بأهمية كبيرة عند الموحدين الذين جعلوا منها رباطا على مصب نهرأبي رقراق، وأطلقوا عليها اسم المهدية، إلى أن سكنها الموريسكيون الهاربين من من الأندلس في مطلع القرن السابع عشر، الذي أعادوا ترميمها وتحصينها بعدد من الأسوار 

مع قدوم العلويين"عرفت قصبة الأوداية عدة تغييرات وإصلاحات ما بين سنة (1757-1789)، وكذلك ما بين سنة (1790 و1792)، من بينها ترميم برج الصراط" وتم مد الأسوار نحو الجنوب الشرقي مركزة ببرجين كبيرين، كما تتوسط القصبة حديقة أندلسية يحيط بها سور وسط الصخر، حيث تم بناؤها في القرن السابع عشر الميلادي في عهد السلطان المولى الرشيد.

وفي العصر الحديث بدأت فرنسا أعمال الترميم لإعادة القصبة إلى رونقها بعد أهملت وفقدت قيمتها، حيث قرر الكاتب والمعماري "موريس ترانشانت دي لونيل" وفريقه ترميم البوابة الأثرية للقلعة، إلى أن تم الانتهاء من الأعمال الإنشائية، ليتم تركيز ترميمات القصبة على السياج والأسوار والحصون والجدران الاستنادية.

ولم تتوقف عمليات الترميم على الفترة الاستعمارية، حيث قامت دولة الاستقلال أيضا ببعض الأعمال الترميمية، لجعل القصبة في أبهى حلة وتكون مقصدا سياحيا يستقطب سنويا مئات الألاف من السياح.