تعود فكرة استحداث عاصمة لثقافة العربية إلى مبادرة من اليونسكو ، فعلى غرار ما حدث مع الإتحاد الأوروبي جاء استحداث فكرة تنظيم عاصمة الثقافة العربية  وتم الشروع في تطبيق الفكرة سنة 1996، وهذا بناءًا على اقتراح للمجموعة العربية في اليونسكو خلال اجتماع اللجنة الدولية الحكومية العالمية للتنمية الثقافية  بباريس في يناير 1995.و تستند الفكرة إلى أن الثقافة هي عنصر مهم في حياة المجتمع ومحور من محاور التنمية الشاملة وقصد ذلك تهدف الفكرة إلى تنشيط المبادرات الخلاقة وتنمية الرصيد الثقافي والمخزون الفكري والحضاري من خلال إبراز القيمة الحضارية للمدينة المستضيفة.

و ستكون عروس البحر المتوسط وأحد أجمل مدنه الجنوبية التي يمتد عمرها إلى ألفي عام ومدينة الجسور المعلقة كما تسمى "قسنطينة" محط أنظار المهتمين بعالم الثقافة العربية بداية من العام المقبل من خلال جملة من النشاطات الفنية والفكرية والأدبية و الثقافية الإبداعية على مدار سنة كاملة ضمن والتي تكون قد عادت إلى الجزائر بعد ثماني سنوات فقط عن تنظيم طبعة مماثلة كانت العاصمة الجزائرية فيها عاصمة للثقافة العربية 2007 كثالث مدينة مغاربية تحتضن الحدث بعد تونس عام 1997 و الرباط سنة 2003 و بالموازاة مع اعتبرته السلطات نجاحا في تنظيم الطبعة شهدت العملية حملة انتقادات واسعة فيما عرف بالفساد الإداري في التنظيم وتبذير الأموال التي اتهمت فيها وزارة الثقافة المعنية من طرف بعض المنتسبين للقطاع ومن طرف بعض وسائل الإعلام المحلية ولكن الحملة لم تغيير شيئا في شخص وزيرة الثقافة الجزائرية التي حضرت لطبعة مماثلة إسلاميا من خلال "تلمسان" عاصمة الثقافة الإسلامية 2011 وهي تحضر الآن لبرنامج كبير آخر اسمه "قسنطينة" عاصمة الثقافة العربية 2015 والتي ستفتتح رسميا في 16 افريل 2015 بمناسبة يوم العلم الجزائري تكريما لذكرى وفاة العلامة عبد الحميد ابن باديس ابن مدينة قسنطينة. 

 

اختيار "قسنطينة " المدينة والتاريخ

لم تمر إلا أربع سنوات عن تنظيم الجزائر لتظاهرة إسلامية كبيرة هي "تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011" وقبلها في 2007 نظم تظاهرة "الجزائر عاصمة للثقافة العربية 2007" وتخللهما تنظيم المهرجان الإفريقي الثاني بالجزائر ومع أن المنتقدين لتنظيم هكذا تظاهرات ثقافية وضخ الأموال فيها -بعيدا عن بعد دفع الحركية الثقافية الحضارية- يرون أن ذلك كلف الخزينة الجزائرية ملايين الدولارات في الانجاز والترميم والتنظيم ويتذكر الجميع صراع وزيرة الثقافة "خليدة تومي" مع محافظ "تلمسان" "عبد الوهاب نوري" الوزير الحالي للفلاحة والذي دخل معها في صراع مكشوف للاستحواذ على صلاحيات الإنجاز والمتابعة فيما ينظره كل طرف على أنه في مجال اختصاصه وتنظره إليه بعض وسائل الإعلام وبعض المتتبعين على أنه صراع لتقاسم الريع من جملة المشاريع الضخمة. واليوم قسنطينة محل الأنظار، ففي وقت يفترض أن عواصم أخرى وهي كثيرة عربيا أجدر بالتداول على التظاهرة لتصل الجزائر بعد عشرين ستة على الأقل وجدت المدينة نفسها تتحضر عروسا للتظاهرة التي قد يكون لعدم الاستقرار الأمني ببعض البلدان العربية في المشرق والمغرب الأثر على تنظيم الجزائر لذلك. لكن كل هذا لا ينقص من المكانة العريقة والعتيقة للمدينة الواقعة بالشرق الجزائري والذي قد يكون تداركا من السلطات لإعادة الاعتبار لها وهي المشهور بالعلم والثقافة جزائرية على وجه الإطلاق قبل العاصمة الجزائر وقبل مدينة تلمسان الغربية مدينة الرئيس الحالي "عبد العزيز بوتفليقة".

 

 

 

أين وصلت التحضيرات؟

تم الشروع في إنجاز العديد من المشاريع الكبرى في محافظة "قسنطينة" شرقي الجزائر فيما توجد مشاريع أخرى في مرحلة الانطلاق، و ذلك تحسبا لتظاهرة العربية.ويتمحور البرنامج الضخم الذي وضعته الوزارة الوصية حول ثلاثة جوانب تتضمن على وجه الخصوص: إعادة تأهيل الهياكل المتواجدة بالمدينة وتدعيمها بإنجازات جديدة و تعزيز التراث الثقافي وكذا إنعاش الإبداع و النشاط الثقافي.

ووفق ذلك  شرع في إنجاز 10 ملحقات جديدة لمكتبة عاصمة الولاية بالإضافة إلى مشروع علمي و ثقافي يوضح توجهات و إستراتيجيات المتحف الوطني للفنون و التعابير الثقافية التقليدية بقسنطينة المتواجد بقصر الباي، وكذا إنجاز قاعة كبرى للعروض بالإضافة إلى متاحف جديدة أحدها سيكون مخصصا للفنون الحديثة. وسترفق هذه المشاريع بعمليات واسعة لتعزيز التراث الثقافي و الديني للمدينة من بينها المساجد القديمة للمدينة و الزوايا وبعض المؤسسات التي تستحضر رموز قسنطينة و أشهر شخصياتها من بينها وصية الشيخ "عبد الحميد بن باديس". وعن دور السينما التي يعول عليها الكثير في عروض التظاهرة فالوزارة الوصية استرجعت سينما "النصر" التي بلغت أشغال اعادة تهيئتها مرحلتها النهائية و قاعة العرض السينمائي "سيرتا" وكذا سينما "ماسينيسا" بمدينة "الخروب" والتي ستنجز وفق المعايير الدولية.

وقد شددت وزيرة الثقافة الجزائرية لدي تفقدها للمشاريع على ضرورة تدارك التأخر في الإنجاز لبعض المشاريع الكبر التي تصل إلى 70 مشروعا في مجال التراث وحده وطلبت من مكاتب الدراسات المقدرة ب 20 مكتبا والمؤسسات المنجزة أن تجتمع معها بالعاصمة قريبا لتحديد رزنامة تقنية تسمح باستلام المشاريع شهرين على الأجال المحددة و قبل بداية التظاهرة مطلع السنة المقبلة. وتسهر مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي و تجاري هي الوكالة الوطنية لتسيير إنجازات المشاريع الكبرى للثقافة على ضمان الإنجاز الجيد للمشاريع الثقافية التي تم منحها لولاية قسنطينة في إطار هذه التظاهرة الهامة.

 

جمعيات جزائرية تحضر نفسها

سمحت الطبعة الماضية بنشر 960 كتاب من أصل ألف كانت مقررة وطبع 1.850.000 نسخة أجمالات في تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007، كما تم تنظيم العديد من جولات الكتاب عبر الحافلات والمعارض. و في صنف المسرح تم تنظيم 43 مسرحية في اثني عشر ولاية و11 مسرحية تكريم لفناني المسرح الجزائري. وفيما يتعلق بالسينما تم عرض 58 فيلما منها 11 فيلما مطولا و33 وثائقيا و14 فيلما قصيرا وفيلما تيلفزيونيا. كما انتقلت قوافل السينما المتنقلة عبر جماعات البلد التي بلغ عددها 266. و أعد المنظمون أيضا 38 جولة موسيقية و27 مهرجانا و220 عرضا محليا.

 وبخصوص تظاهرة 2015 بدأت الجمعيات الجزائرية والمثقفين والكتاب والفننين تحضير أنفسهم للتظاهرة التي تشاركهم فيها البلدان العربية كلها بزخمها الأدبي والفكري والثقافي، فقد تم تنصيب مثلا المكتب الفيدرالي للحرفيين الجزائريين بقسنطينة عن طريق فرع الإتحاد العام للتجار و الحرفيين الجزائريين وهذا بهدف جمع الفاعلين و المهنيين الناشطين في مختلف الحرف اليدوية و التقليدية تحضيرا لتظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015".