“تابت” قرية صغيرة لا يتعدى قاطنوها 4 آلاف نسمة ولا شيء يميزها عن بقية القرى المنتشرة في إقليم دارفور غربي السودان، حيث تعاني جلها من وطأة الحرب الأهلية المندلعة هناك منذ 2003، لكنها في الأسابيع الماضية حظيت باهتمام عالمي بسبب مزاعم وقوع اغتصاب جماعي بحق نسائها.
ورغم كل هذا الانشغال العالمي بالقضية، إلا أن أهالي القرية “ممتعضون من ذلك” وفقا لما قاله آدم أحمد، الذي شارك ضمن مئات من أهل القرية، في مسيرة نظمت ظهر الخميس، للتنديد بما وصفوه “أكاذيب وتعريض بشرف نسائهم”.
والمسيرة شارك فيها عدد من المسؤولين الحكوميين بسلطة إقليم دارفور، بالتزامن مع زيارة عدد من مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية للقرية بدعوة حكومية، وكان من بينهم مراسل الأناضول.
وتجمع نحو 400 شخص في سوق القرية، بينما حملن عدد من النساء لافتات تنفي مزاعم الاغتصاب وتطالب برد شرفهن.
وقال الهادي العمدة، أحد أعيان القرية خلال مخاطبته التظاهرة، إنهم يعتزمون “مقاضاة الجهات المتورطة في إطلاق هذه الشائعة” وهو ما أيده عبد الكريم موسى، نائب رئيس السلطة الإقليمية لدارفور.
ورغم نبرة الغضب لدى المحتجين، إلا أن “القضية الأهم بالنسبة لهم، هي تحسين وضعهم المعيشي المتردي بسبب الحرب” طبقا لما قاله الشاب محمد عمر.
ويشهد إقليم دارفور نزاعا بين الجيش وثلاث حركات متمردة منذ 2003، خلف 300 ألف قتيل وشرد نحو 2.5 مليون شخص، حسب إحصائيات أممية.
ويضيف محمد عمر في حديث لوكالة الأناضول، “الناس يعانون هنا ويكافحون لتعليم أبنائهم وعلاج مرضاهم”.
وينابع عمر الذي يعمل مزارعا كما الغالبية من سكان القرية، “تابت يسكنها نحو 4 آلاف نسمة، وتتبع لنا إداريا أكثر من عشرين قرية صغيرة متفرقة حول قريتنا، وليس لدينا سوى مدرسة ابتدائية واحدة يكتظ فيها أكثر من ألف تلميذ”.
ومن مشاكل أهل القرية والقرى المجاورة بحسب عمر، أنهم “يضطرون لنقل مرضاهم إلى مدينة الفاشر ( على بعد 45 كيلو ) لانعدام الرعاية الصحية اللازمة في المنطقة”.
ولا يوجد مدرسة ثانوية في المنطقة، حيث ستفتتح للمرة الأولى العام المقبل مدرسة ضمن مشاريع تمولها قطر في الإقليم كما أفاد أهل القرية.
ورفضت حركات التمرد الثلاث الرئيسية، التوقيع على اتفاق سلام برعاية قطرية في يوليو/تموز من عام 2011، بينما وقعت عليه حركة التحرير والعدالة، لكنها تعتبر الحركة الأقل نفوذا في الإقليم وتشكلت من مجموعات منشقة عن الحركات الرئيسية.
وكحال بقية قرى الإقليم كما يقول الشاب عمر، فإن “أهل القرية متشوقين لذلك اليوم الذي تنتهي فيه الحرب لأنه لا مجال للتنمية دون توقفها”.
ووصل الوفد الإعلامي للقرية من مدينة الفاشر أكبر مدن الإقليم والتي تبعد عنها نحو 45 كيلو مع وجود حماية بأكثر من 40 عربة عسكرية بسبب اضطراب الأوضاع الأمنية.
ومثلت تظاهرة أهالي القرية، آخر ردود الأفعال المحلية والدولية على مزاعم الاغتصاب الجماعي التي تنفيها الحكومة وتتهم حركات التمرد بالوقوف خلفها.
ففي 4 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، نقلت إذاعة (دبنقا) المهتمة بشؤون دارفور، وتبث من هولندا ومعروف عنها موالاتها لحركات التمرد المسلحة في الإقليم عن زعيم قبلي قوله، إن قوات حكومية اعتدت على قرية تابت واغتصبت أكثر من 200 امرأة وفتاة.
بعدها بيوم، قالت بعثة حفظ السلام المشتركة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بالإقليم، إن قوات حكومية منعتها من الوصول للقرية للتحقيق في هذه المزاعم .
لكن متحدث باسم الجيش برر منع البعثة من دخول القرية بعدم حصولها على إذن “وفقا للقانون المعمول به” قبل أن يعلن عن السماح لها بعد حصولها عليه.
وبعدها بيوم، أعلنت البعثة التي تعرف اختصارا باسم (يوناميد) أن فريق محققين تابع لها، زار القرية “لم يجد دليلا” على وقوع مزاعم الاغتصاب.
لكن وسائل إعلام غربية، نقلت عن مسؤولين أممين، أن البعثة قالت في تقرير سري بعثته إلى رئاستها في نيويورك، إن وجود قوات حكومية أثناء عملية التحقيق، خلق حالة ترهيب لدى الشهود.
في المقابل، بررت الخارجية السودانية، تواجد الجيش أثناء عملية التحقيق بكونه “كان ضروريا تحسبا لأي ردود أفعال غاضبة من المواطنين ضد فريق البعثة، نظرا لحالة الامتعاض الواسعة وسطهم من هذه المزاعم التي يرون أنها تسئ لهم”.
والجمعة الماضية، استدعت الخارجية السودانية “أبيودون باشوا” الرئيس بالإنابة للبعثة ونقل له وكيل الوزارة عبد الله الأزرق، احتجاج الحكومة على تعاطي البعثة مع مزاعم الاغتصاب.
وأعلنت الخارجية الأحد الماضي، رفضها السماح للبعثة بزيارة المنطقة للمرة الثانية، وبررت قرارها بأن أبدت “شكوكها حول الدوافع وراء الإصرار على قيام البعثة بزيارة ثانية لمنطقة تابت” فضلا عن أن “نظرة الأهالي ليونميد يشوبها الكثير من العداء نظرا لما لحق بسيدات المنطقة من وصمةٍ لطخت سمعتهن”.
ويعتقد مراقبون أن السبب الأساسي في تصعيد القضية إعلاميا، هو أنها أول اختبار للبعثة بعد كشف نتائج تحقيق أممي حول اتهامات أطلقتها مسؤولة سابقة بالبعثة بشأن “تستر” قادتها على جرائم ارتكبتها قوات حكومية وأخرى متمردة بحق المدنيين.
وقالت لجنة التحقيق التي شكلها الأمين العام للأمم المتحدة في يوليو/تموز الماضي، وأصدرت نتائجها في 29 أكتوبر/تشرين أول الماضي إنها “لم تجد أي دليل يشير إلي صحة تلك المزاعم” رغم إقرارها بأن “خمس حالات معينة، لم تقم بعثة يوناميد بتقديم تقارير كاملة عن ملابسات هذه الحوادث الي المسؤولين في مقر المنظمة الدولية بنيويورك”.
والثلاثاء الماضي، طالب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الخرطوم، السماح لبعثة “يوناميد” بزيارة القرية للمرة الثانية، وهو ما لم ترد عليه حتى الآن.
وأبدت كل من واشنطن وبعثة الاتحاد الأوربي بالخرطوم في بيانين منفصلين “قلقهم” بشأن مزاعم الاغتصاب وطالب الاتحاد الأوربي الحكومة بإجراء تحقيق شفاف وكامل ونشر نتائجه.
وتنتشر بعثة “يوناميد” في الإقليم منذ مطلع عام 2008، وهي ثاني أكبر بعثة حفظ سلام في العالم، ويتجاوز عدد أفرادها 20 ألفا من الجنود العسكريين وجنود الشرطة والموظفين من مختلف الجنسيات بميزانية بلغت 1.4 مليار دولار للعام 2013.
ومنذ أنتشارها، فقدت البعثة 61 من جنودها في هجمات نسب أغلبها لمجهولين، حيث تنشط كثير من العصابات التي تستغل انعدام الأمن في عمليات نهب وقتل واختطاف للأجانب العاملين في الإقليم، وإطلاق سراحهم مقابل فدية.
وتسبب النزاع في إصدار المحكمة الجنائية الدولية في العام 2009، مذكرة اعتقال بحق الرئيس عمر البشير، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، قبل أن تضيف لهم تهمة الإبادة الجماعية في العام 2010.
ويرفض البشير الاعتراف بالمحكمة، ويقول إنها أداة استعمارية موجهة ضد بلاده والأفارقة.