تنام تونس هذه الليلة بتاريخ 25 أكتوبر  2014  على أمل وتوجس في نفس الوقت.. أمل في غد مزدهر وآمن يتجاوز فيه التونسيون شدة ألمت بهم و مآس ثلاث سنوات عجاف من الاحتقان والإرهاب وانهيار الاقتصاد، وتوجس من مخاطر إرهابية و مخططات إجرامية قد تضرب الأمن القومي وتربك الاستحقاق الانتخابي...قد تنام تونس وقد لا تنام هذه الليلة وهي تستعد لاستقبال يوم  اقتراع جديد سيحدد خلاله مصير البلاد طيلة خمس سنوات مقبلة، وبالتالي تنتهي مرحلة الحكم المؤقت لتبدأ مرحلة الحكم الدائم و تفعيل بناء المؤسسات الدستورية واقعا وممارسة.

تونس تتجه غدا  الأحد 26 أكتوبر  الجاري نحو مراكز الاقتراع بعد ثلاث سنوات من حكم الترويكا بزعامة  حركة النهضة  ذات 23 أكتوبر 2011  لم تكن هينة على التونسيين من مختلف الأصعدة،  حيث  تغلغل غول الإرهاب وفتك بأبناء تونس واغتال خيرة أبنائها من حماة ديارها وأمنييها وجنودها المرابطين لحماية الأرض والعرض ومن قادتها وزعمائها الوطنيين والصادقين...ثلاث سنوات شهدت البلاد خلالها أكبر أزمة سياسية واقتصادية  عاصفة في تاريخها ، حتى أن ملاحظين أكدوا أن مرحلة حكم الترويكا  تعد من أكبر الفترات الأكثر سوادا في تاريخ تونس لا سيما وأن مسلسل الإرهاب الفاجع مازال يلقي بظلاله على الخضراء ومازال يغدر بحماة ديارها وآخر ضرباته الموجعة كانت دماء ضابط الحرس الوطني أشرف بن عزيزة الذي  طالته يد الإرهاب أمس الأول في عملية وادي الليل الإجرامية . 

ولعل فاجعة  وادي الليل الأخيرة  هي من جعلت التونسي يحسم أمره و يقرر المشاركة في رسم  ملامح تونس الغد و بناء أسس الجمهورية الثالثة  في  دولة مدنية حديثة ومتقدمة  لاقتلاع الإرهاب و التصدي لمخططات الجماعة في تدمير الدولة التونسية ونسف مبادئ الجمهورية التي  افتداها ملايين الشهداء بدمائهم منذ الحماية والاستعمار الفرنسيين والى الآن.  في المقابل  وعلى خلفية الشعور بالإحباط من  السياسة والسياسيين  وكل من جاءت بهم  رياح مشهد  23 أكتوبر 2011 قررت  فئة أخرى من التونسيين مقاطعة  التصويت على قناعة  منها بأن حال البلاد لم يتغير منذ سقوط نظام بن علي بل ازداد الطين بلة  و ساءت الأوضاع أكثر وبالتالي فكل الأحزاب في مركب واحدة وكلها ليست جديرة بأصوات الناخبين.

" بوابة إفريقيا الإخبارية"  تجولت في الشارع التونسي قبل يوم  الاقتراع  ورصدت هذه الهواجس في نفوس التونسيين  بمختلف وضعياتهم  السيكولوجية: المتفائلين والمتشائمين والمتشائلين أيضا وتحدثت مع جميع هؤلاء بمختلف فئاتهم و إيديولوجياتهم في الريبورتاج التالي.

كريم (موظف 34 سنة ) أكد أنه ينتظر يوم الاقتراع بفارغ الصبر ليعيش إحساسه بالمواطنة الذي لم يعشه في المرة السابقة لأنه قاطع المشاركة في انتخابات 2011 مبينا أن الوضع بالبلاد يقتضي أن يهرع جميع التونسيين إلى صناديق الاقتراع لإنقاذ بلادهم من فكي الإرهاب والتدهور الاقتصادي حسب تعبيره.

وأكد كريم أن المشاركة في الانتخابات هي الضامن لمكافحة الإرهاب مشددا على أن الأحداث الدامية التي عاشتها تونس خلال السنوات الأخيرة تجعل من المشاركة في التصويت لدولة مدنية وجمهورية واجب وطني مقدس لا تخاذل ولا تراجع عنه لأنه سيحدد مصير البلاد في المستقبل و ما على التونسيين إلا الاختيار  بين قوى الحداثة وقوى الرجعية  و بين ما ينفع  البلاد و ما يضرها وفق كلامه.

سفيان( سائق سيارة أجرة 43 سنة )  عبر عن حيرته بقوله" لا أثق في الأحزاب ولذلك لم أقرر بعد" موضحا أن تهافت السياسين على المناصب وعلى النفوذ دون مراعاة المصلحة العامة  والعليا للوطن جعلت المواطن ينفر من المشاركة في الحياة السياسية. و استعرض سفيان ساخرا ما وصفه ب "الإنجازات العظيمة" لحكام تونس طيلة تاريخها لاسيما بعد سقوط نظام بن علي مؤكدا أن لا أحد من قادة  تونس  خدم البلاد ب " قلب و رب" (من اللهجة التونسية تعني الصدق في القول والفعل) ما عدا الزعيم بورقيبة  و أن جمبع اللاعبين في الساحة السياسية في تونس لا هم لهم سوى قصر القصبة وعرش قرطاج، وبين هذا وذاك ضاعت حقوق المواطن في العيش الكريم و الشعور بالأمان على حد قوله.

محمد ياسين (طالب جامعي 26  سنة ) قال إن عملية وادي الليل الغادرة وقبلها حادثة ذبح الجنود بالشعانبي جعلته يتخذ قرارا حاسما بالمشاركة في المشهد السياسي ومراقبة المسار الانتخابي والإدلاء بصوته منذ الساعات الأولى ليوم غد الأحد مؤكدا أن غياب الشباب التونسي عن تشابكات المخاض الذي تعيشه البلاد خلال السنوات الأخيرة  هو من بين الأسباب التي جعلت الأزمة تتفاقم.

وشدد على أن الشباب وخصوصا الجامعي مطالب بالمشاركة في تقرير مصير البلاد وبناء تونس الغد لا تركها بين أيدي شيوخ السياسة من اليمين إلى اليسار.  وأضاف محمد ياسين أنه على الشيوخ التنحي جانبا وفسح المجال  أمام الشباب المبدع والمثقف لبناء تونس مختلفة ورائدة حسب ما جاء على لسانه.

مليكة (ربة بيت)  أوضحت أن حال البلاد لن يتغير إن هي صوتت أو قاطعت و أن صوتها لن يجدي نفعا وفق كلامها.

وأشارت مليكة  إلى أنها شاركت في انتخابات 2011 و اختارت منح صوتها إلى أحد الأحزاب المدنية الذي شارك في حكومة الترويكا  ولكن  واقع الأيام  أثبت  لها أنها خذلت في قرارها بعد ذلك و أن هذا الحزب لم يحقق أي ذرة وعد من وعوده الانتخابية على حد قولها.

وأضافت مليكة أنها خذلت في السابق ولكنها لن تلدغ من الجحر مرتين بل هذه المرة ستراهن على التجربة التي اكتسبتها في التعامل مع أهل السياسة و حملاتهم الانتخابية. وأكدت أنها لن تصوت مجددا  للحزب الذي خذلها و أنها لم تحسم بعد لأي طرف ستصوت هذه المرة رغم أنها تميل إلى حزب معين يديره شخص غير مضطر للكذب على التونسيين وسرقتهم لأنه " أصلو شبعان " حسب تعبيرها.

رامي( متخرج ومعطل عن العمل30 سنة)  شدد على أن التصويت لحزب مدني كفء له دراية بدواليب الدولة  هو أساس النجاح لتونس ويمثل جدار صد أمام غول الإرهاب المحدق بالبلاد. وبين في  الأثناء أن التونسيين مدعوون إلى الهروع من كل حدب وصوب لتحديد مصير البلاد و النأي بها عن التدحرج الى الهاوية مؤكدا أن المشاركة في الانتخابات  أفضل مساندة و معاضدة لمؤسستنا الأمنية والعسكرية التي تخوض حربا ضد الإرهاب موضحا أن التصويت لحزب مدني وطني هو من سيضمن اقتلاع هذه الظاهرة من أراضينا  و الوصول بالبلاد إلى  وضع الاستقرار الدائم  منهيا  بأن تونس مشتقة  من "الأنس" و "الونس" و " الاستئناس" وستبقى مؤنسة  دوما و ستبقى خضراء و آمنة ولو كره الكارهون حسب كلامه.

منية 38 ( أستاذة جامعية) قالت إنها ستنتخب غدا  من أجل دماء الشهداء التي سالت في كل ربوع تونس من شمالها إلى جنوبها مضيفة أن لهؤلاء فقط تمنح الأصوات وترفع القبعات. و تابعت منية أنها لا تثق في السياسيين  بجميع انتماءاتهم ولكنها  مضطرة للاختيار بين السيء والأسوء و أن الأهم هو مصلحة  البلاد العليا وأمن التونسيين على حد كلامها.

توفيق (عامل يومي ورب عائلة 49 سنة)  أفاد بأن لعبة السلطة محسومة في تونس و أن متابعته للأحداث تجعله يتكهن بتشكيلة الحكومة المقبلة موضحا بأنها ستكون  بالتساوي بين نداء تونس وحركة النهضة  أو بأغلبية لأحدهما.  و أضاف أنه سيشارك في الاقتراع إيمانا منه بأن تونس في حاجة إلى جميع أبنائها ،كل من موقعه.  وأكد  أن المواطن التونسي الكادح والبسيط لا تهمه الكراسي التي يتناحر عليها أهل السياسة بل كل ما يعنيه هو العيش بهدوء  وأمان و الحصول على قوته وقوت   أطفاله خصوصا بعد ما شهده مستوى العيش  في تونس من ارتفاع غير مسبوق في الأسعار.  وختم توفيق كلامه مع "البوابة" بأن " تونس عزيزة وغالية وماتهونش" داعيا التونسيين إلى الإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع حتى يساهموا في استرجاع وجه تونس  المشرق الذي غرق مؤخرا في الظلام من ارهاب وقتل للأمنيين والجنود وانهيار اقتصادي واجتماعي ملحوظ على حد قوله.