لم تعصف نتائج الانتخابات البرلمانية التي فاز فيها نداء تونس بصورة رئيس النهضة المهزومة راشد الغنوشي لدى الرأي العام التونسي فقط بل عصفت بها من داخل التنظيم الإخواني الذي أسسه العام 1981 وظل طيلة عقود مرشده الروحي يترسم مواقع أقدامه أنصاره وفق مبايعة على السمع والطاعة.

وتقول الأنباء الواردة من مقر حركة النهضة في حي موبليزير الراقي وسط تونس العاصمة إن "حالة من الغضب والسخط تجتاح عدد كبير من قيادات الحركة وكوادرها الوسطى وقواعدها لأول مرة في تاريخها نتيجة النكسة التي منيت بها في الانتخابات على "الشيخ" الذي استفرد بالقرار وقاد الحركة الإسلامية إلى خارج الخارطة السياسية الجديدة.

ولم يتردد النهضويون المعروفون بانضباطهم التنظيمي في الانتفاض على الغنوشي بعد أن حملوه شخصيا مسؤولية النكسة التي حلت بالحركة في وقت كانت تثق فيه بانتصارها على نداء تونس الذي تأسس مند عامين فقط.

وقال قيادي في النهضة معلقا على الأزمة التي تمر بها الحركة "لم نكن نتوقع الهزيمة في الانتخابات، لكن الأخطر من دلك لم نكن نتوقع أن تقود الهزيمة إلى الانتفاض على القيادة، هده أول مرة يتعرض فيها الشيخ إلى نقد لاذع بلغ حد التشكيك في أدائه السياسي وتوجيه أصابع الاتهام له لكونه قاد الحركة إلى هزيمة كان يمكن تجنبها لو قام بتشريك الكوادر والقواعد في الخطة التي فرضها فرضا على التنظيم".

وأضاف القيادي أن "صورة الشيخ اهتزت بشكل لافت لدى التنظيم حتى أن عددا كبيرا من النهضويين طالبوه بأن يدير شؤون الحركة بطريقة ديمقراطية بوصفه رئيس حزب لا مرشداً روحياً للحركة".

وبحسب تسريبات فقد هدد عدد كبير من قيادات النهضة وكوادرها وقواعدها بكسر عصا الطاعة والانشقاق على تيار المتشددين الذي يقوده الغنوشي ملوحين بتأسيس حزب سياسي مدني تقوده شخصية معتدلة وديمقراطية تكون قادرة على بناء قوة سياسية نافذة في المشهد السياسي.

ويقول متابعون لحركة النهضة "إن الهزيمة في الانتخابات عصفت بالسلطة الروحية التي كان يمارسها الغنوشي داخل الحركة ويستمد منها نفوذه على كوادر وقواعد تطالب بدمقرطة النهضة ووضع حد للقرارات الفوقية".

ومع مأزق الرئاسية بعد أن رفض الغنوشي ترشيح أحد قيادات الحركة تصاعدت حدة الانتفاضة ضد "سطوة الشيخ" بعد أن قررت تلك الكوادر والقواعد عدم الالتزام بما ستسفر عليه اجتماعات مجلس الشورى حول دعم أحد المترشحين للرئاسة بأن تمنح أصواتها لمن تراه الأقرب إليها.

وهذه هي المرة الأولى من نوعها التي يواجه فيها الغنوشي موجة عارمة من الغضب من قيادات وكوادر كثيراً ما صبرت على احتكاره لسلطة القرار متحدياً مجلس شورى الحركة الذي يعد أعلى سلطة في التنظيم ألإخواني.

وعلى الرغم من التكتم الشديد حول الخلافات الحادة التي تعصف بحركة النهضة فإن أنباء اخترقت الأسلاك الشائكة للحركة لتؤكد أن الغنوشي بات محاطاً بعدد محدود من القيادات المتشددة مثل علي لعريض وعبد الطيف المكي فيما انفضت من حوله قيادات معتدلة وفي مقدمتها الشيخ عبد الفتاح مورو نائب رئيس الحركة وحمادي الجبالي الأمين العام السابق للحركة.

وحفلت مواقع التواصل الاجتماعي بانتقادات شديدة لراشد الغنوشي بلغت حد التهكم عليه واصفة إياه بـ"شيخ التكتيك" في إشارة إلى فشل خطته التي بناها على أساس فرضية الفوز في الانتخابات البرلمانية ورفض ترشيح أي قيادي من الحركة للانتخابات الرئاسية.

وأرجع النهضويون الغاضبون هزيمة النهضة إلى "تعنت الشيخ" و"تسيير شؤون الحركة كما لو أنها شركة عائلية" و"غياب الديمقراطية داخل الحركة" و"نكسة الشيخ" أمام "الزعيم العلماني بورقيبة" حتى أن أحد المدونين كتب بالحرف الواحد "بورقيبة الميت رحمه الله يهزم الغنوشي الحي حفظه الله" في إشارة إلى انتصار الباجي قائد السبسي باعتباره احد رجال بورقيبة.

ويقول مراقبون وسياسيون إن "اهتزاز صورة الغنوشي داخل الحركة التي أسسها بنفسه بعد اهتزاز صورته لدى الرأي العام هو مؤشر على أن "الشيخ" فقد نفوذه في المشهد السياسي تحت صدمة انتصار القوى الديمقراطية.

*نقلا عن ميدل ايست أونلاين