لا أحد كان يتخيل أن تتحوّل الرمال الجافة في جنوب المغرب، خلال أيام قليلة، إلى سيول جارفة. هكذا استفاق سكان العديد من مناطق الجنوب على فيضانات يومي السبت والأحد (22 و23 نوفمبر/تشرين الثاني)، ويومي الخميس والجمعة (27 و28 من الشهر نفسه).

أحدثت السيول الناجمة عن التساقطات المطرية الاستثنائية، التي شهدتها مناطق الجنوب والجنوب الشرقي للمملكة، فيضانات أدت إلى إعلان مدينة كلميم منطقة منكوبة.

غرقت قرى بأكملها، وزاد من عزلتها انهيار قناطر وتدمير طرقات. الحصيلة الرسمية النهائية لهذه الفيضانات هي وفاة ما لا يقل عن 38 شخصاً، فضلاً عن حدوث خسائر كبيرة في الممتلكات، وتدمير البنية التحتية والطرقات، وسقوط أسوار تاريخية. في المقابل، تؤكد مصادر محلية أن الحصيلة قد تكون أكبر من ذلك.

بدأ كل شيء بعد نشرة إنذارية صغيرة أذاعتها الأرصاد الجوية المغربية، قبل أكثر من عشرة أيام، نبهت فيها إلى احتمال تساقط كميات كبيرة من الأمطار، خاصة في مناطق الجنوب الشرقي. بدا الأمر عادياً ولا يدعو للقلق. لكن حين بدأ هطول الأمطار، لم يستطع أحد إيقاف مد السيول.

وتفاجأ المغاربة خلال نهاية الأسبوع المنصرم بأخبار تفيد بهطول كميات كبيرة من الأمطار، وصلت أحياناً إلى 200 ملم، ما أدى إلى إغراق عدد من المناطق المهمشة. وكانت مدينة كلميم، الأكثر تداولاً في وسائل الإعلام، بسبب الفيضانات التي شهدتها، والتساقطات الغزيرة. ويمكن القول إن هذه المدينة، الواقعة على بعد 170 كيلومترا جنوبي مدينة أغادير في السفح الجنوبي للأطلس الصغير، قد تعرضت لخسائر كبيرة.

في السياق، قال سكان كلميم إن "المنطقة لم تشهد فيضانات مماثلة منذ عام 1967. لكن هذه المرة، كان الأمر أكثر خطورة. غالبية الضحايا سقطوا في كلميم، عدا عن الخسائر في الممتلكات". ولأن "المصائب لا تأتي فرادى"، فإن السيول الجارفة أدت إلى تدمير عدد من القناطر الصغيرة التي تقع فوق الوديان التي تمر عبر كلميم، وتعتبر شريان الحياة للسكان. أما تلك التي ظلت صامدة، فباتت تشكّل خطراً على المارة.

الوصول إلى كلميم لم يعد ممكناً. فقد باتت أشبه بجزيرة معزولة تحيط بها السيول من كل جانب، بعدما فاضت الوديان المتاخمة لها، فيما غرقت القرى المجاورة في برك هائلة من المياه. هذا الوضع الكارثي دفع بالسلطات إلى إعلانها منطقة منكوبة، بالإضافة إلى إغلاق المدارس.

في السياق، تقول غزلان فريد، التي كانت تزور أقاربها في الجنوب، إن "المشهد كان أشبه بكابوس أو فيلم سينمائي". تشرح أن "التنقل بين المناطق الجنوبية التي ألمّت بها الكارثة كان عسيراً. السيول أدت إلى قطع الطرقات، عدا عن الازدحام بسبب توقف الشاحنات والحافلات عن السير". وأعلنت وزارة النقل والتجهيز المغربية أن "الطرق المقطوعة تقدر بنحو 45 طريقاً، فيما تم إعادة فتح نحو 35 طريقاً".

وكان الملك محمد السادس قد أصدر أوامره لوزارة الداخلية المغربية، بمساعدة نحو 250 قرية معزولة جراء الفيضانات والثلوج المتساقطة، ومدها بالمؤن والمواد الغذائية الضرورية. وطالب وزير الداخلية محمد حصاد بمعاينة المناطق المنكوبة.

من جهته، قال وزير الداخلية في تصريحات نشرتها "العربي الجديد" إننا "نسيطر على الأمور بشكل أفضل في الوقت الحالي"، لافتاً إلى أن "حصيلة القتلى المرتفعة في الأيام الأولى للفيضانات ما كانت لتحدث لو أن عدداً من المواطنين أخذوا بجدية تحذيرات الأرصاد الجوية والسلطات".

أضاف حصاد، الذي يتواجد منذ أيام في عدد من مناطق الجنوب المتضررة من السيول المنهمرة، أن "الحكومة تابعت منذ اليوم الأول وقائع الفيضانات والخسائر التي أحدثتها"، لافتاً إلى أن "السلطات المحلية بادرت إلى إنقاذ السكان العالقين، ومدهم بالمؤن والمساعدات". وشدد على ضرورة أن يتم التركيز في المرحلة الراهنة، على إصلاح الطرقات والقناطر وشبكات الاتصال والمياه والكهرباء، لرفع العزلة عن السكان المتضررين.

من جهته، أكد رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران أن "حكومته لن تتنصل من مسؤوليتها فيما يتعلق بالخسائر التي نجمت عن الفيضانات"، لافتاً إلى أنها قررت التعامل بـ"صرامة وحزم" مع المواطنين، لمنعهم من اجتياز الوديان أو القناطر التي قد تشكل خطراً على حياتهم.

ورداً على اتهامات حول مسؤولية الحكومة عن ارتفاع حصيلة القتلى، أوضح وزير النقل والتجهيز عزيز رباح أن "هذه الاتهامات غير صائبة". أضاف أن "بعض القناطر التي انهارت لم تنته الأشغال فيها بعد، مثل قنطرة واد تالوين"، مشيراً إلى أن كلفة إصلاحها "مرتفعة، وتتطلب 6 مليارات درهم. فمن بين 7500 قنطرة في البلاد، دمر نحو ألف قنطرة".

وأكثر ما أثار غضب المغاربة، هو نقل جثث الضحايا في إحدى المناطق المنكوبة، في شاحنة خاصة بنقل النفايات، علاوة على اكتفاء عدد من الوزراء بالتعامل مع هذه الكارثة عبر "فيسبوك".

وانتقد مواطنون أيضاً سرعة انهيار قناطر شيدت حديثاً، علماً أن قناطر أخرى تعود إلى حقبة الاستعمار الفرنسي ما زالت سليمة. ورد وزير التجهيز المغربي على هذه التهم، إن "حال بعض القناطر سيئ، وإصلاحها يتطلب ميزانية كبيرة".

فيما أكد رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران على ضرورة "احترام كرامة الموتى"، مشدداً على أن رمي جثث الموتى في شاحنات مخصصة لنقل النفايات "غير مقبول تماماً".

كذلك، لفت عدد من المواطنين إلى أنه تم نقل السياح الأجانب من المناطق المنكوبة عبر طائرات هليكوبتر تابعة للدرك الملكي، بعدما علقوا بسبب الفيضانات. وهو امتيازٌ لم يحظ به السكان المحليون. في هذا الإطار، رد حصاد قائلاً إنه "لا يجب تضخيم الأمور، خاصة في هذه الظروف الاستثنائية"، مضيفاً أن "لجوء السلطات المحلية إلى نقل الجثث عبر الشاحنات الخاصة بنقل النفايات لا ينبع من نوايا سيئة، بل إنها سعت إلى إخراجها بسرعة من المناطق المتضررة".