لم تمر كلمة رئيس المجلس الرئاسي على منبر الجمعيّة العامة للأمم المتحدة خلال أعمال الدورة الرابعة والسبعين دون ردود الأفعال من فرقاء السياسة في ليبيا وحتى من وسائل الإعلام الأجنبيّة التي اقتنصت تصريحاته في تصفية حسابات معروفة. 

تصريحات رئيس المجلس الرئاسي تزامنت مع تصريحات أخرى يمتدح فيها الدّور التركي لبلاده خلال لقائه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان معبرا عن تقديره للرفض التركي لما سماه "العدوان" على طرابلس. وقال السرّاج "نثمّن موقف الصديق التركي الداعم لنا، فالصديق الحقيقي يظهر في الأوقات الصعبة". كما ثمّن الرئيس التركي "متانة العلاقة" مع سلطات طرابلس واستعداده لمواصلة دعمها.

هذا الغزل بين السرّاج وأردوغان، أنسى رئيس المجلس الرئاسي، ما قامت به تركيا من لحظة "فبراير 2011"، عبر تسببها في كل الكوارث التي مرّت بها البلاد، في استقدام التدّخل الأجنبي وفي فتح البلاد أمام التنظيمات المتطرّفة، لكن دون الاجتهاد كثيرا، تركيا الداعم الرئيسي للإخوان المسلمين وبالتالي كلمات الثناء التي قدّمها السراج للأتراك غير مستغربة، وغير جديدة بطبعها، لأن تركيا أعلنت منذ اتفاق الصخيرات عن وقوفها إلى جانب المجلس الرئاسي، وحتى قبل ذلك خلال سنوات التحارب كانت صريحة في اصطفافها إلى جانب الإسلاميين.

ردود الأفعال عن كلمة رئيس المجلس الرئاسي، كانت مختلفة باختلاف الخيارات المعروفة في البلاد، أولها وأهمها كانت من المشير خليفة حفتر الذي علّق عن التصريحات قائلا: "لا بد من الحوار والجلوس ولا بد أن تكون للعملية السياسية مكانتها، ولا بد من الحوار الوطني الشامل الذي يحافظ على الوحدة الوطنية للتراب الليبي"

المصرف المركزي بالبيضاء بدوره لم يترك كلمة السراج دون تعليق في علاقة بالتعاملات المالية للمصرف وبالشرعية السياسية لسلطات طرابلس، حيث قال "يلزم السيد فايز السراج تسليم عهدته ومغادرة المجلس الرئاسي كون عهدته قد انتهت قانونية في ديسمبر 2017م كما نص على ذلك الاتفاق السياسي الذي يعتبر المرجعية الوحيدة لوجوده في السلطة ، فضلاً عن غياب النصاب القانوني الذي يشترط الاجماع لإصدار قرارات المجلس الرئاسي باستقالة 3 من أعضائه ويعزز ذلك أحكام القضاء التي تنعته بـ”منعدم الصفة".

كما علّق المحلل السياسي الليبي حامد فارس عن الكلمة قائلا في تصريحات صحفيّة إنها لا تعبر عن رؤى وتطلعات الشعب الليبي، بل تعكس توجهات تنظيم الإخوان، متهما السراج بأنه رهينة للتنظيمات المسلحة وجماعة الإخوان، مضيفا أنها جاءت تلبية طلب لتركيا الداعمة الرئيسية له، بحسب تعبيره.

في جانب آخر وفي إطار الدعاية لرئيس المجلس الرئاسي شكرت ما يعرف بقوة حماية طرابلس بكامل تشكيلاتها المسلحة، السراج على كلمته أمام الجمعيّة العامة، معتبرة أنها "وضعت النقاط على الحروف فيما يجري من عدوان على العاصمة من قبل خليفة حفتر، والدول الداعمة له"، قائلة إنها تشد على يديه في اتهامه المباشر للأطراف الخارجية وعدم رضوخه أمام الضغوطات.

محمد الكحيلي رئيس ما يسمى بمجلس نواب طرابلس الذي اختار العمل بشكل مواز عن برلمان طبرق، عبّر كذلك عن تثمينه لما قاله رئيس المجلس الرئاسي أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة. مؤكدا في اتصال هاتفي معه أنها كشفت حقيقة الأوضاع في طرابلس ووضعت "الأمم المتحدة أمام مسؤولياتها تجاه ما تمر به ليبيا من عدوان لرغبة عسكري يطمح للوصول إلى السلطة بدعم دولي من دول إقليمية وهو ما يتنافى مع قوانين وقيم ومبادئ الأمم المتحدة".

إمارة قطر بدوره لم تكن خارج سياق كلمة السراج في الأمم المتحدة، من خلال مشاركته الموقف من الأحداث الجارية في البلاد، معلنة بشكل واضح مساندته في معركة طرابلس. وقال أمير قطر تميم في كلمته أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة إن العمليات العسكرية الأخيرة ضد العاصمة الليبية تكشف عن إخفاق جديد لنظام الأمن الجماعي في المنطقة معلنا دعم بلاده "لقوات حكومة الوفاق" ومطالبا المجموعة الدوليّة بالنسج على منوالها في الوقوف مع ما سمّاها "الشرعيّة".

ردود فعل مختلفة انتهت إليها كلمة رئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السرّاج أمام الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، فبين مؤيّد لكلمة السّراج ورافض لها، هناك بلد يبحث مواطنوه عن حلول تهني حالة الصراع الدائرة منذ سنوات وعن مرحلة جديدة تفتح أملا في عيش الليبيين على أرضهم بلغة الحوار والأمن لا بلغة السلاح والاقتتال.