دعا مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة طاهر السني لإنهاء كافة أنواع التدخلات الخارجية في ليبيا.

وقال السني في أمام مجلس الأمن في الجلسة الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية إنه من الضروري استكمال توحيد مؤسسات الدولة وإصلاح المنظومة القضائية في ليبيا وتطوريها، وهذا الأمر يحتاج دعم الحكومة واستقرار البلاد وأهم من ذلك إنهاء كافة أنواع التدخلات الخارجية مبينا أن تفهّم مجلس الأمن والمجتمع الدولي ودعمه لإرادة الليبيين وقرارهم الوطني، سيساهم بشكل كبير في تحقيق العدالة  والمصالحة وبناء دولة المؤسسات والقانون.

وأضاف السني "لقد شهدت ليبيا تطورات إيجابية في الفترة الأخيرة تمخض عنها سلطة تنفيذية موحدة ، انتهت بها أزمة الشرعيات التي كانت لسنوات أحد أهم أسباب الصراع، هذا الواقع السياسي الجديد من أهم أولوياته قيادة البلاد خلال المرحلة التمهيدية حتى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة نهاية هذا العام" داعيا "لتكاثف جهود المجتمع الدولي لإنجاح هذه الاستحقاقات حتى نصل بالبلاد إلى الاستقرار الذي من شأنه أن يساهم في تأصيل قيم الحرية والعدالة وسيادة القانون".

وأضاف السني أن "الشعب الليبي حريص كل الحرص على بناء الدولة المدنية الحديثة رغم الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وإرساء مبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب ، وهذا لن يتأتى إلا عند تفعيل مسار المصالحة الوطنية الشاملة، والتي تبدأ بالعدالة وإظهار الحقيقة والمصارحة وجبر الضرر" مبينا أن هذه الخطوات هي أساس مسار العدالة الانتقالية، وبها فقط نستطيع طي صفحة الماضي المؤلمة والتي عانى فيها الشعب الليبي على مدار عشر سنوات.

وتابع أنه في إطار مساعي الحكومة لإرساء روح العفو والمصالحة، فقد أعلنت وزارة العدل منذ أيام عن الإفراج عن 78 سجيناً، تحت شعار "المصارحة والمصالحة"، وكذلك "تبادل للأسرى برعاية لجنة 5+5 منذ أيام، مضيفا "لازالت الجهود مستمرة للافراج السريع غير المشروط عن المواطنين المسجونين من دون وجه حق وبلا أية تهم أو أوامر قبض أو من ثبتت برائتهم في كامل أنحاء ليبيا".

وشدد السني "على ولاية القضاء الوطني في مقاضاة جميع المتهمين وفقاً لقانون العقوبات الليبي، والذي يعكس السيادة الليبية على إقليمها ومواطنيها" مضيفا "القضاء الليبي ملتزمٌ بضمان محاكمة عادلة ونزيهة لكل المطلوبين" وأردف "نحن في ليبيا ننظر إلى دور المحكمة الجنائية الدولية على أنه دورٌ تكميلي لتحقيق العدالة ومنع الإفلات من العقاب، وبالأخص مع من يقعون خارج نطاق سلطة الدولة" معربا عن أمله في "تعاون كل الدول مع السلطات القضائية الليبية لإجراء التحقيقات اللازمة والمساعدة في تقديم المطلوبين للعدالة الوطنية" وأثنى "على التعاون القائم بين مكتب النائب العام الليبي ومكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية بالخصوص".

وأعرب عن مشاركته المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بن سودا "ما ذكرته في تقاريرها المختلفة عن وجود عدة انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في بعض مناطق ليبيا، والمتمثلة بالأخص في الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والسجون السرية والمحاكمات العسكرية خارج القانون، والاتجار بالبشر، وما أكتشف من مقابر جماعية عقب الحرب الأخيرة على طرابلس وضواحيها" مضيفا "لذا فنحن لازلنا ننتظر نتائج التحقيقات التي توصل اليها فريق الجنائية الدولية الذي زار ليبيا مؤخراً وتحديد المتورطين في هذه الانتهاكات الجسيمة، والتي تعددت أسبابها ودوافعها، فمنها ماهو بدافع سياسي أو جهوي، أو بدافع إجرامي اقترفتها تشكيلات مسلحة أو مرتزقة".

وأشار السني إلى أن "الظروف قد تخدم بعض المجرمين إلى حين،   لكن هذا لا يعني إفلاتهم من العقاب؛ لأن هذه الجرائم لن تسقط بالتقادم" وتابع "هنا أؤكد لكم التزام السلطات الليبية بتحقيق العدالة للضحايا وأسرهم، والعمل على حماية جميع مواطنيها والأجانب المقيمين على أراضيها" مؤكدا "حرص الدولة الليبية على حماية المهاجرين غير الشرعيين ضد أي انتهاكات قد يتعرضون لها بسبب الأزمة الراهنة".

وأضاف السني "رغم كل التحديات فإننا نقوم بما يمكن لحمايتهم وانقاذهم والعمل على ترحيلهم متى أمكن ذلك، ولكن وجب أيضاً التذكير هنا نرحب بالتعاون مع المنظمات الدولية الانسانية المتخصصة، ولكننا لن نقبل بأي محاولات من بعض الدول لخلق وفرض ظروف من شأنها تأسيس مبدأ اللجوء والتوطين في مخالفة للقوانين والتشريعات الوطنية، ولحل هذه المشكلة نطلب أيضاً من الجنائية الدولية ملاحقة تجار البشر والمهربين وشبكاتهم العابرة للحدود سواء في أفريقية أو أوروبا، وعدم الاكتفاء بالمتورطين داخل ليبيا".

وتابع السني "في ضوء حديثنا عن العدالة وحقوق الانسان، ورغم أن الجلسة مخصصة للوضع في ليبيا، لكنه لا يمكن أن نغفل أبداً الأوضاع المأساوية التي يشهدها شعبنا في فلسطين هذه الأيام، ومن خلال هذا المنبر فإننا في ليبيا رئاسةً وحكومةً وشعباً ندين بأشد العبارات الاعتداءات التي تشهدها الأراضي الفلسطينية من قبل قوات الاحتلال، والتى بدأت بأحداث حي الشيخ جراح وإخراج العائلات من بيوتهم، والتعدي على المُصلين الآمنين في المسجد الأقصى وتدنيس المقدسات في شهر رمضان، وما تابع ذلك من قصفٍ وحشي على قطاع غزة حتى هذه اللحظة، راح ضحيته عشرات الأبرياء من بينهم أطفال ونساء خلال عيد الفطر المبارك".

وأضاف "نطالب مجلس الأمن باتخاذ خطوات عملية وفاعلة لايقاف هذه الاعتداءات فوراً والكف عن سياسة الكيل بمكيالين، وتسوية المعتدي بالمعتدى عليه، وتناسي من هو الفاعل ومن هو المفعول به، هذه السياسة التي تسببت في الشعور باليأس في ايجاد حلولٍ سلمية للأزمة، وبسببها أصبح مبدأ الدفاع عن النفس حِكراً على طرفٍ دون آخر رغم كل الانتهاكات" وأردف "من هنا نؤكد أنه مهما كان حجم الأزمة التي تمر بها ليبيا ومهما كانت خلافاتنا الداخلية، فإن الشعب الليبي موحدٌ ولا يختلف أبداً على أن القضية الفلسطينية هي قضيته الأُم، ويؤكد على عدالتها وضرورة استرجاع حقوق الشعب الفلسطيني بما يرتضون، حتى قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القُدس الشريف فلا سلام دون عدالة".