لم تكن احتفالات العيد الوطني للفلاحة ووذكرى الجلاء الزراعي عادية اليوم بقصر المؤتمرات بالعاصمة تونس حيث جوبه الرؤساء الثلاث بالاحتجاجات من قبل الفلاحين الذين صرحوا بأنهم ملوا الوعود والخطب المتتالية مطالبين بحلول عملية لأوضاعهم المتردية التي تردت أكثر بعد الثورة  وفضل العديد من الفلاحين الانسحاب من القاعة على مواصلة الاستماع للخطب. 

موقف محرج عاشه اليوم الرؤساء الثلاث ورئيسة اتحاد الصناعة والتجارة وداد بوشماوي وكذلك وزير الفلاحة الأسعد الأشعل الذي لم يستمع إليه الكثير من الفلاحين.

و أكد رئيس الحكومة السيّد مهدي جمعة انه لا يوجد أي تغيير قانوني في ما يتعلق ببيع الأراضي للأجانب بعد أن تعالت هتافات الفلاحين حول هذه المسألة ، واضاف ان ما يقال هو مجرد إشاعات لا أساس له من الصحة موضحا أن القوانين الجارية في ما يتعلق بتمليك الأجانب للأراضي لم تتغير، وبخصوص تقليص أجال رخصة الوالي فإن الإجراءات القانونية الجاري بها العمل لم تتغيروكل ما في الأمر هو تقليص الآجال والملف المستوفي للشروط سيتلقى الإجابة في ظرف ثلاثة أشهر.

. وقال رئيس اتحاد الفلاحين عبدالمجيد الزار في كلمته "لا أريد أن أعكّر صفو الإحتفالات لكنني في كل الأحوال أسعى إلى أن أنطق بما ينطق به الفلاّحون برّا وبحرا في مثل هذه الذكرى الغالية... خمسون عاما مرّت وماذا بعد ؟!

حتما لن يتسع هذا المقام لتبرير وتقدير ما يتوجب فعله لكننا نطمح إلى تعميق الوعي العام في هذه المرحلة الفارقة من تاريخ تونس بضرورة رد الإعتبار لهذا القطاع الحيوي وإلى أن نفكّر معا في تخطيط وتنفيذ مشروع إصلاح هيكلي شامل يتيح تنمية فلاحية حقيقية يجني ثمارها الجميع.

 وما لم يكن ذلك ستبقى الفوارق بين الجهات والتصدّع الإجتماعي والبطالة وآنتشار الفقر أكثر المشكلات إلحاحا على أي نظام سياسي أو إقتصادي يرفض الإعتراف بأن الفلاحة هي مفتاح الحلول لكل القضايا وبأن الفلاحين والبحارة هم شعلة النمو والرقي في جميع مظاهره.

وفي هذا الإطار أود أن ألفت إنتباهكم إلى أن الإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري إنتهى من إعداد التحضيرات الكبرى للحوار الوطني الذي يعتزم تنظيمه حول "مراجعة السياسة الفلاحية في تونس" والذي نعوّل عليه في آستخلاص جملة الإستنتاجات والأهداف الإستراتيجية التي يمكن إتباعها في توضيح الإجراءات الواجب آتخاذها في رسم السياسات التصحيحية للقطاع وتحديد أولويات العمل للسنين القادمة.

وستكون الإنطلاقة الفعلية لهذا الحوار بحول الله خلال الأيّام القليلة المقبلة بمشاركة واسعة ومكثّفة من قبل كل القوى والأطراف الوطنية.

وقد آخترناه أن يكون حوارا وطنيا لاعتبارات كثيرة أهمها أن المسألة الفلاحية تعني الجميع ولكل فيها دوره ووظيفته وأن تكريس عوامل فلاحة مزدهرة تراعي القدرة الشرائية للمستهلك وتمنح الفلاحين بيئة حياتية لائقة ودائمة لا يمكن أن تتم في معزل عن سائر المتدخلين الآخرين.

إننا نريده حوارا وطنيا خالصا يتفهم إحتياجات الفلاحة التونسية لتطوير مردوديتها وقدراتها الإنتاجية دون التغافل عن حقوق الأجيال القادمة في الثروة الطبيعية ومصادر الحياة كالأراضي والمياه ودون التغافل أيضا عن دفع التهديدات والمخاطر ذات الصلة بالمستقبل في حال تعثّر جهاز الإنتاج الوطني واتساع العزوف عن تعاطي الأنشطة الفلاحية بعد أن ثبت تقلّب السوق العالمي وخطأ التعويل عليه بشكل مطلق في توفير الإحتياجات على نحو آمن ومستمر بسبب الظروف المتغيّرة كالحروب والكوارث الطبيعية ونزاعات الطاقة البديلة وغيرها. 

ولا حل في ذلك إلاّ بتقوية ودعم جهاز الإنتاج الوطني وتعزيز قدراته وحمايته ضد كل الهزّات والمخاطر ومتى عملنا على تكريس هذا الخيار فإن الفوائد ستكون حتما واسعة النطاق ولعلّكم تدركون جيّدا أن نجاح الثورة التونسية التي غذّتها مطالب العدالة الإقتصادية والإجتماعية يرتبط في مداه العميق بمعالجة القضايا الحقيقية للفلاّحين والبحارة وبرد الإعتبار للقطاع الفلاحي الذي يتركّز عليه إقتصاد الجهات المحرومة رغم هشاشته وضعف مردوديته المالية".