مراسل البوابة – تونس

يمكن القول أن حركة النهضة التونسية هي أول حزب إسلامي يغادر الحكم ، الذي وصل إليه بعد انتخابات نزيهة ، بمحض إرادته ليسلم الأمر الى حكومة كفاءات في انتظار انتخابات جديدة يأمل أن يعود بعدها الى الحكم مجددا وبتحالف جديد سيكون غير التحالف السابق الذي انتهى بعد سنتين من الحكم .

وفي الحقيقة فان خروج النهضة كان تحت ضغط كبير، سياسيا و شعبيا، نتيجة الأزمة الشاملة التي ضربت البلاد تحت حكمها ، إذ شهدت تونس اغتيالين سياسيين وتوسع الإرهاب وانتشار الأسلحة إضافة إلى تراجع كل المؤشرات الاقتصادية حتى أصبحت البلاد مهددة بالعجز عن تسديد ديونها والتزاماتها المالية وبالتالي بالإفلاس وهو ما اضطر الحكومة الى اتخاذ إجراءات وصفت ب " اللاشعبية" ساهمت في تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع الأسعار و الزيادة في المعاليم الجبائية الموظفة على الأجراء و أصحاب المداخيل المختلفة.

وإذا كان صحيحا أن النهضة قدمت عديد التنازلات التي وصفتها ب " المؤلمة"أثناء الحوار الوطني الذي تم بين الفرقاء السياسيين بحثا عن حل توافقي للخروج من الأزمة وإنهاء المرحلة الانتقالية التي تمططت وخلقت حالة من الاحتقان العام ، وقبلت الخروج من الحكم رغم انتقادات وجهها لها جزء كبير من أنصارها وحلفائها فإنها كانت مستفيدة من هذا الخروج بل بدا للكثيرين انه لم يكن حلا كريها بقدر ما كان مخرجا مرتبا له وستقبض الحركة خراجه عاجلا و آجلا ، في الداخل و الخارج .

الحركة أظهرت للرأي العام الداخلي و الخارجي أن الإسلام السياسي لا يتعارض مع الديمقراطية ومع الخيارات الليبرالية بدليل إنها قبلت التخلي عن الحكم رغم أنها تتمتع بشرعية انتخابية وقبل تنظيم انتخابات جديدة ، إضافة الى أنها تحالفت مع حزبين علمانيين وشاركتهما الحكم اثر فوزها بأغلبية مريحة في انتخابات 23 أكتوبر 2011 وكان في إمكانها أن تحكم  بمفردها دون إشكال .

وتكون النهضة قد استفادت من أخطاء مثيلاتها من الأحزاب الإسلامية التي وصلت الى الحكم بعد " الربيع العربي " وأساسا الإخوان المسلمين في مصر،الذين أزيحوا من الحكم وتمت ملاحقة وسجن قياداتهم بعد أحداث العنف التي ارتكبوها .

النهضة أفلحت في اجتناب السيناريو المصري ، الذي تمنت وعملت أحزاب تونسية على تنفيذه بتونس لإنهاء حكم النهضة ومحاكمة قياداتها لتغادر الحكم دون محاسبة ولتمتص الغضب الشعبي وتتفرغ لإعداد الانتخابات القادمة مستفيدة من الخبرة التي راكمتها قياداتها من إدارة الحكم لمدة سنتين وأيضا من الكوادر وكبار الأعوان الإداريين الذين قاموا بتعيينهم خلال مدة حكمها في مختلف مفاصل الدولة ، وهو سيتيح لها إعادة شعبيتها التي تراجعت نتيجة الغضب الشعبي من  خياراتها و الأزمة الاجتماعية و الأمنية و الاقتصادية التي سقطت فيها البلاد فترة حكمها .

و الأكيد أن النهضة ستتمكن خلال الفترة التي يتطلبها الإعداد للانتخابات المقبلة ، التي لن تتم قبل نهاية الصيف القادم ، من مواصلة إدارة شؤون البلاد من خلال أغلبيتها في المجلس الوطني التأسيسي ، السلطة الشرعية الأساسية و الوحيدة ، و التفرغ لوضع برنامج انتخابي  واقعي وعقلاني  وينطلق من مطالب الشعب ومن الإمكانيات الوطنية المتاحة ويقطع مع كانت طرحته قبيل الانتخابات الماضية .

تفرد النهضة دون الأحزاب الإسلامية الأخرى و تماسكها رغم ارتفاع منسوب الاحتقان ضدها ومطالب رحيلها عن السلطة كشف عن قدرة رهيبة على المناورة وعلى إقناع الخصوم والتنازل في الوقت المناسب وهي سياسة جنبتها مصير إخوان مصر لكنها خلفت لها بعض التصدع وبداية استقالة أعداد من قياداتها الوسطى وهو توجه قد يتفاقم في الفترة القادمة خاصة وهي مقبلة خلال الصائفة القادمة على عقد مؤتمر قد يقسمها إلى جزئين : حزب سياسي برغماتي وحركة دينية دعوية لا تبتعد كثيرا عن الفكر السلفي والدعوة إلى تطبيق الشريعة .